طرابلس: اتفاق أم إعادة تدوير؟

18 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 01:03 (توقيت القدس)
في طرابلس، 16 أغسطس 2025 (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اتفاق غير معلن بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية وجهاز الردع في طرابلس دخل حيز التنفيذ، شمل تسلّم مطار معيتيقة وميناء طرابلس وسجن معيتيقة، دون إعلان رسمي، مما يثير تساؤلات حول أولويات الأطراف المعنية.

- رغم مظاهر خفض التوتر، إلا أن قوة الردع لا تزال تحتفظ بنفوذها العسكري، مما يشير إلى انتقال السيطرة داخل الدائرة نفسها دون خروج المؤسسات من القبضة المليشياوية.

- التدخل الخارجي واضح بوجود البعثة الأممية وتركيا كضامنين، مما يثير تساؤلات حول سيادة ليبيا وأمن عاصمتها تحت وصاية أطراف خارجية.

لا تزال المساعي مستمرة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية وجهاز الردع في طرابلس، من دون أن يعلن أي من الطرفين عن هذا الاتفاق بشكل رسمي، رغم دخوله حيز التنفيذ عبر ترتيبات شملت تسلّم مطار معيتيقة وميناء طرابلس وسجن معيتيقة. أن يمضي اتفاق بهذا الحجم عبر تسريبات لمصادر خاصة ووسائل إعلام فقط، يكشف بوضوح أن حسابات الأطراف المعنية لا تضع المواطن في صدارة أولوياتها، فلو كان أمنه واستقراره يهمها حقاً لأعلنت عن الاتفاق وطمأنت سكان العاصمة الذين عاشوا قرابة الشهر من التوتر والخوف تحت وقع مشاهد التحشيدات.

ورغم ما يحمله الاتفاق من مظاهر خفض التوتر، إلا أن العديد من التساؤلات تبقى مطروحة، ومنها: هل يعني تسليم هذه المنشآت نهاية فعلية لسلطة جهاز الردع؟ الواقع يشير إلى أن قوة الردع لا تزال في مقراتها المحاذية للمطار والميناء والسجن، محتفظة بنفوذها العسكري، فيما القوة المستلمة تابعة بدورها للمجلس الرئاسي الذي يتبعه جهاز الردع أيضاً، ما يجعل المشهد أقرب إلى انتقال السيطرة من تشكيل إلى آخر داخل الدائرة نفسها، من دون أن تخرج المؤسسات من القبضة المليشياوية التي تطبع أعمال كل القوى المسيطرة على طرابلس وقياداتها.

الحقيقة أن طبيعة القوة الجديدة التي تشكّلت لتأمين هذه المنشآت لم تتضح بعد، لكن المؤكد أن المرجعية المؤسسية لهذه المنشآت لم تُستعد، فالقوة الجديدة تابعة للمجلس الرئاسي، فيما المفترض أن يتبع المطار والميناء وزارتي المواصلات، وسجن معيتيقة وزارة العدل، فما الذي تغيّر بنقل السيطرة من قوة إلى قوة أخرى لا تملك صلاحيات التسيير الوزاري؟ هذا الأمر يكشف أن ما حدث لم يكن سوى إعادة إنتاج لذات الإشكال بصياغة جديدة.

ولم يتوقف الأمر عند جهاز الردع فقط، فالاتفاق لم يأت على ذكر عشرات التشكيلات الأخرى التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، والتي تمارس عملياً الدور نفسه، وتسيطر بواسطة سلاحها ومقاتليها على مؤسسات عامة وإدارات لمقار حساسة بمجرد تبعية اسمية للوزارتين، فهل ستسلم هذه التشكيلات ما تحت يدها، ولمن؟ أم أن المشهد سيظل محكوماً بالتوازنات بين المجموعات المسلحة؟

الأخطر أن هذا التوتر كشف بجلاء حجم التدخّل الخارجي، فوجود البعثة الأممية وتركيا ضامنين لتنفيذ الاتفاق يثير سؤالاً مهماً، مفاده: كيف يكون أمن عاصمة أي بلاد ومصير مؤسساتها مرهوناً بوصاية أطراف خارجية؟ ولا عجب بعد هذا إن انكشف أن اللعبة تُدار من الخارج والأطراف المحلية أشبه بالأدوات.

المساهمون