طائرات تركيا وإيران المسيَّرة "تغيّر قواعد اللعبة" في شمال العراق

طائرات تركيا وإيران المسيَّرة "تغيّر قواعد اللعبة" في شمال العراق

01 أكتوبر 2020
تستخدم تركيا وإيران الطائرات المسيَّرة في شمال العراق منذ 2018
+ الخط -

باتت الطائرات المسيَّرة سلاح تركيا وإيران المفضل لتغيير "قواعد اللعبة" ضد المسلحين الأكراد في شمال العراق، ما يثير مخاوف حيال سلامة المدنيين ويرفع منسوب التوتر الجيوسياسي.

وقال محمد حسن، رئيس بلدية "قنديل"، منطقة جبلية في شمال العراق، والمعقل الرئيسي لحزب العمال الكردستاني المحظور: "لا يمرّ يوم دون أن نرى طائرة مسيَّرة".

وأضاف لوكالة فرانس برس: "تحلّق على ارتفاع منخفض بحيث يستطيع سكان قنديل رؤيتها بالعين المجردة".

واستخدم حزب العمال الكردستاني بلدية "قنديل" لعقود كقاعدة رئيسية لعملياته العسكرية ضد أنقرة، بينما استخدم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني أجزاءً أخرى نائية عن كردستان العراق لشنّ هجمات على طهران.

وتعتبر تركيا وإيران حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "إرهابيين" وتنفذان هجمات برية عبر الحدود وضربات جوية، وأيضاً باستخدام المدفعية ضد قواعدهما في العراق بشكل دوري.

ومنذ عام 2018، بدأ البلدان باستخدام الطائرات بدون طيار لمهام المراقبة، وحتى تنفيذ اغتيالات في شمال العراق.

وقال خبراء وسكان المناطق المتضررة لوكالة فرانس برس إن استخدام الطائرات المسيَّرة ازداد كثيراً منذ شنّت تركيا هجوماً جديداً في يونيو/ حزيران.

ويقول ناشطون إن عشرات القرى الحدودية أصبحت خالية بعد أن فرّ المدنيون المذعورون من منازلهم وأراضيهم الزراعية.

ويشير آخرون إلى أن غارات الطائرات المسيّرة حالت دون عودة مئات الآلاف من الأيزيديين النازحين إلى منازلهم من منطقة سنجار، القريبة من الحدود مع سورية، حيث يوجد الآن عناصر حزب العمال الكردستاني.

وصرّح رئيس بلدية سنجار، محما خليل، لوكالة فرانس برس بأن "القصف التركي يسبب الكثير من الرعب، لذا لن يعود الأيزيديون إلى ديارهم".

انعدام للثقة

وعلى الرغم من الانتقادات العلنية، واصلت تركيا حربها بالطائرات المسيَّرة، على الأرجح بسبب التقدّم الذي تحقّق أخيراً في مواجهة حزب العمال الكردستاني.

وقال نيكولاس هيراس من معهد دراسات الحرب لوكالة فرانس برس، إن الطائرات المسيَّرة سمحت لأنقرة بتعقّب أهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني وتحديدها والقضاء عليها في غضون دقائق.

وأضاف أن "استخدام تركيا للطائرات المسيَّرة في شمال العراق غيّر قواعد اللعبة في حربها ضد حزب العمال الكردستاني".

ويتخذ الحزب من جبال العراق مخبأً منذ سنوات، حيث عجزت القوات والطائرات التقليدية عن الوصول إلى عناصره.

وتستبدل تركيا في شمال العراق المقاتلات القاذفة باهظة الثمن كتلك الأميركية من طراز "إف-16" بطائرات بدون طيار، بما في ذلك الطائرة التركية "بيرقدار تي بي2"، التي تتفوّق من ناحية التجسس، ويمكنها الطيران لمدة 24 ساعة، كذلك فإنها أقلّ تكلفة، وبالتالي لن تكون الخسارة كبيرة في حال إسقاطها من قبل حزب العمال الكردستاني، حسبما تقول الخبيرة في الطائرات بدون طيار، سيبل دوز.

وفي مقابلة حصرية مع وكالة فرانس برس جرت في قنديل، قال المتحدث باسم حزب العمال الكردستاني زاغروس هيوا إن تركيا أنشأت منطقة عازلة على طول 15 كيلومتراً في شمال العراق بفضل طائراتها المسيرة.

وأضاف: "أسقطت قواتنا سبع طائرات مسيَّرة هذا العام"، لكنه امتنع عن الإدلاء بتفاصيل عن خسائر حزب العمال الكردستاني.

وحقق حزب العمال الكردستاني نجاحاً محدوداً في تصنيع طائرات مسيَّرة خاصة به، وهي عبارة عن طائرات تجارية محمّلة بالمتفجرات.

وقال مصدر أميركي مطلع على برنامج تركيا للطائرات بدون طيار، إن قوات العمليات الخاصة الأميركية في شمال العراق قلقة من "وتيرة وكثافة" ضربات الطائرات المسيَّرة.

وقال المصدر إن "الأتراك يحلّقون فوق مواقع أميركية مسلحة، وهو أمر غير مقبول"، مشدداً على أن "هناك انعداماً للثقة بشكل عام وانزعاجاً حيال ذلك كله".

مضمار رماية

وبدأت إيران نشر طائرات مراقبة أول مرّة خلال حربها مع العراق في (1980-88).

وقال آدم رونسلي، الذي يتتبع الطائرات الإيرانية المسيَّرة لمصلحة معهد أبحاث السياسة الخارجية، إن طهران تعتمد على طائرات مسيَّرة من طراز "مهاجر-6" و"شاهد-129" في شمال العراق.

وأفاد بأن "طريقة استخدام إيران للطائرات المسيَّرة ضد أهداف كردية في العراق مختلفة 180 درجة عن طريقة استخدامها لها في أي مكان آخر. إنها أكثر تطوراً بكثير".

وفي مقابلة نادرة الربيع الماضي، قال قائد وحدة الطائرات المسيَّرة في طهران، العقيد أكبر كريملو، لوسائل الإعلام المحلية، إن إيران تستخدم الطائرات بدون طيار للمراقبة والضرب وحتى ضبط دقة الأهداف.

وبينما تضرب المدفعية أو الصواريخ الإيرانية أهدافاً كردية في العراق، تقيس الطائرات المسيَّرة دقة إطلاق النار، حتى يتمكن الجيش من تعديل الهدف حسب الضرورة.

وقالت إيران إنها ستتخذ "خطوات منسقة" مع تركيا لمواجهة نشاط الفصائل الكردية على طول حدودها، لكنها لم تذكر الطائرات بدون طيار تحديداً.

وكانت التصريحات الصادرة عن السلطات في بغداد وإقليم كردستان عن حملات الطائرات المسيَّرة التي تتسع رقعتها محدودة للغاية، إذ قال مسؤولون عراقيون لوكالة فرانس برس إنهم لا يملكون أوراق ضغط على تركيا أو إيران.

وبعد أن قتلت غارة نفّذتها طائرة تركية مسيَّرة اثنين من كبار الضباط العراقيين في شمال البلاد في أغسطس/ آب، أعربت بغداد عن غضبها، لكنها لم تمارس أي ضغوط على أنقرة.

وقال راونسلي لوكالة فرانس برس إن "المشكلة العامة التي يعاني منها العراق تكمن في أن القوى الأكبر تميل إلى استخدامه كـ"مضمار للرماية".

وقال ويم زفينينبيرغ، الذي يعمل في مجال نزع السلاح لدى منظمة "باكس" الهولندية، إن "الكثير من هذه الضربات وقعت في مناطق غير مأهولة بشكل كبير، ولذلك لا توجد معلومات كافية من الناس أو الصحافيين على الأرض".

وبالفعل، لا يمكن النشطاء ولا المسؤولين العراقيين أو الأكراد تقديم عدد محدد للقتلى المدنيين جرّاء ضربات الطائرات المسيَّرة في الشمال. وأكد زفينينبيرغ أن "هذا يزيد من غموض الحملات التي تنفّذ بواسطة الطائرات المسيَّرة".

(فرانس برس)