استمع إلى الملخص
- يواجه الفلسطينيون هذه التحديات بجمع الوثائق القانونية وإثبات ملكيتهم للأراضي، مع تنظيم فعاليات شعبية أسبوعية للدفاع عنها ومنع تحويل المصادرة إلى أمر واقع.
- يوضح عبد الهادي حنتش أن الاستراتيجية الاستيطانية تهدف لعزل الأراضي الفلسطينية وربط البؤر ببعضها، مما يعزز السيطرة الإسرائيلية ويحول البؤر الصغيرة إلى مستوطنات متكاملة.
مصادرة نحو 10 آلاف دونم من أراضي الفلسطينيين في جنوب الخليل مؤخرا
تلاحمة: عمليات الاستيلاء التي تشهدها المنطقة تهدف لتهجير السكان
حنتش: الاحتلال يمنع الفلسطينيين من الاقتراب من مناطق جنوب الخليل
يوسع الاحتلال الإسرائيلي نشاط الاستيطان، بشكل غير مسبوق، في مناطق جنوب الخليل الواقعة جنوبي الضفة الغربية المحتلة، إذ لا يمرّ يوم دون تنفيذ أعمال تجريف للأراضي ومصادرتها والتمهيد لبناء بؤرة استيطانية "رعوية أو زراعية أو سكنية". يأتي ذلك على وقع اعتداءات بحق السكان الفلسطينيين، كان آخرها في منطقة عنّاب، الواقعة جنوب مدينة دورا بمحافظة الخليل، بين قريتي البرج والرماضين وبلدة الظاهرية.
استهداف أراضي جنوب الخليل
صادرت سلطات الاحتلال، خلال الأيام الماضية، نحو عشرة آلاف دونم من أراضي الفلسطينيين في جنوب الخليل والممتدة من قرية البرج شمالاً إلى قرية الرماضين جنوباً، وصولاً إلى مدينة الظاهرية شرقاً. وفوجئ مواطنو هذه المناطق، بعد العاشر من إبريل/نيسان الحالي، بآليات وجرافات عسكرية إسرائيلية تقتحم أراضيهم في أوقات الليل، وتبدأ بالحفر في أعلى قمم المنطقة، في مشهد يؤكد نية الاحتلال فرض أمر واقع. يقول رئيس مجلس قروي البرج يوسف تلاحمة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المستوطنين طردوا بقوة السلاح كل من حاول الاقتراب من المكان، وذلك تحت حماية مباشرة من جنود الاحتلال. وبعد ذلك بأيام، عاد المستوطنون المسلحون محملين بالكرفانات والخيام، ثم تزايد عددهم بشكل ملحوظ، وأقاموا بؤرة استيطانية. وبحسب تقرير صدر الأسبوع الماضي لمنظمة كرم نابوت، وهي منظمة إسرائيلية ترصد الاستيطان في الضفة الغربية، فإن مستوطنين أقاموا بؤرة إضافية "ضمن نطاق نفوذ مستوطنة إشكولوت المقامة على أراضي جنوبي الخليل". وتهدد هذه الخطوة، وفق التقرير، "مستقبل آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الفلسطينية في المنطقة". ولفت التقرير إلى أن البؤر الاستيطانية الرعوية "أُقيمت بدعم مباشر من الجيش وسلطات حكومية تشجع وتُموّل هذا النمط من الاستيطان العدواني".
وأقيمت مستوطنة إشكولوت جنوب الخليل على أراضي قرى الظاهرية والرماضين ودورا، عام 1982، باعتبارها نقطة عسكرية تابعة لوحدة ناحال في جيش الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن تتحول إلى مستوطنة مدنية في عام 1991. تقع المستوطنة على الجانب الغربي لجدار الفصل العنصري، أي أنها ضمن ما يعرف بـ"مناطق التماس" لكونها داخل أراضي الضفة الغربية المحتلة، لكن بناء جدار الفصل جعلها في إطار مخطط ضم الأراضي، لا سيما جنوب الخليل.
يوسف تلاحمة: المطلوب أن يتوجه الأهالي إلى المسار القانوني
ادعاءات باطلة
يوضح يوسف تلاحمة أن "الاحتلال الإسرائيلي يحاول الترويج لمزاعم باطلة تدّعي أن الأراضي المعنية في المنطقة تم تسريبها (بيعها)، غير أن الواقع والوثائق تُكذب هذا الادعاء بشكل قاطع". وتعمل، وفق تلاحمة، ما يقارب "سبع عائلات فلسطينية، تمثل حوالي 20 ألف مواطن، على جمع وثائق ملكية الأراضي التي تشمل الطابو العثماني، والأوراق الثبوتية الفلسطينية، بالإضافة إلى أوراق القيد الصادرة عن سلطات الاحتلال ذاتها، والتي تُظهر جميعها أن هذه الأراضي فلسطينية خالصة". ويشدد تلاحمة على أنه "رغم أن قربها من جدار الفصل العنصري حرمها من فرص البناء عليها، إلا أن أصحابها لم يهجروها، بل واصلوا زراعتها والوجود فيها باستمرار".
تندرج الأراضي التي تمّ الاستيلاء عليها في جنوب الخليل ضمن سجل الأراضي الفلسطينية، وتخضع فعلياً لإجراءات تسوية الأراضي الرسمية. ويشير تلاحمة إلى أنهم (في المجلس القروي) "يعملون مع المجالس القروية المجاورة وأصحاب الأراضي على جمع الأوراق الثبوتية لملكية الأراضي، وعرضها على فريق قانوني للمضي نحو محاولة استعادتها وطرد المستوطنين منها"، وذلك "تزامناً مع فعاليات شعبية أسبوعية في الأراضي المستولى عليها قرب البؤرة".
يقول تلاحمة إنهم يجمعون "الأوراق الرسمية بما في ذلك وثائق حصر الإرث، ليتوجه أصحاب الأراضي لاحقاً إلى مكتب التنسيق والارتباط الإسرائيلي في مستوطنة بيت إيل، المقامة على أراضي مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله، في محاولة للحصول على سند طابو إسرائيلي يمكن استخدامه في المواجهة القانونية". ويلفت إلى أنه "برغم غياب تصور دقيق لطبيعة الهدف من إقامة هذه البؤرة الاستيطانية، إلا أن المعطيات على الأرض تشير إلى عملية مصادرة ممنهجة لأكثر من عشرة آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية"، ويؤكد أن هذه المصادرة "واحدة من أكبر عمليات الاستيلاء التي تشهدها المنطقة أخيراً بهدف تهجير السكان وتقليص مساحات توسّعهم ووجودهم".
أما المطلوب الآن برأي تلاحمة، فهو "أن يتوجه أصحاب الأراضي إلى أراضيهم، وألا يتخلوا عنها بأي حال من الأحوال، حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم". والمطلوب أيضاً "أن يتوجه الأهالي إلى المسار القانوني، بدعم كامل من الجهات الفلسطينية الرسمية التي عليها أن تغطي رسوم إصدار الوثائق الرسمية، وتسهيل الحصول على الطابو الفلسطيني، إضافة إلى تعيين محامين ومتابعة الإجراءات معهم بشكل مباشر". وشهدت المنطقة، قبل أيام، تنظيم فعاليات شعبية للدفاع عن الأراضي جنوب الخليل ومحاولة طرد المستوطنين منها. لكن قوات الاحتلال منعت عشرات المواطنين من الوصول إلى أراضيهم، واعتدت على بعضهم، واعتقلت آخرين. مع ذلك يصرّ السكان، وفق تلاحمة، على الاستمرار في تنفيذ فعاليات من شأنها تثبيت وجودهم على الأرض، ومنع تحويل المصادرة إلى أمر واقع، مؤكدين أن البقاء في الأرض هو الخيار الوحيد لمواجهة هذا المخطط الاستيطاني الخطير.
سيناريو متكرر
بدوره، يقول عضو لجنة الدفاع عن أراضي الضفة الغربية عبد الهادي حنتش، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما يجري حالياً في جنوب مدينة دورا، هو تكرار واضح لما يحدث في مسافر يطا (جنوب الخليل)، فالعديد من القرى الفلسطينية في تلك المنطقة تقع على مقربة من الخط الأخضر (الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967)". كما تقع قرب البؤر والمستوطنات التي أقامها "شبيبة التلال" (مجموعة استيطانية متطرفة)، في فترات سابقة، "ما يجعل السيناريو الاستيطاني يتكرر بهدف دفع الأهالي للرحيل قسراً وتفريغ المنطقة، تمهيداً للسيطرة عليها بشكل موسّع".
عبد الهادي حنتش: البؤر الزراعية في حقيقتها مقدمة للاستيلاء على آلاف الدونمات
ويرى حنتش أن "مشروع الاستيطان الحالي يهدف لعزل أراضي المواطنين الفلسطينيين بين مستوطنة إشكولوت من جهة، والبؤر الاستيطانية والخط الأخضر من جهة أخرى"، مؤكداً أن وجود "كسارة مستوطنة حاغاي القريبة من المنطقة يلعب دوراً محورياً في دعم هذه التوسعات". ويوضح أن هذه الكسارة "تُستخدم لتزويد البؤر والمستوطنات بالحجارة اللازمة لأعمال البناء، ما يعزز مشروع ربط البؤر مع المستوطنات بعضها ببعض وتوسيع نفوذها". من جهة أخرى، يحذر من خطورة ما يُسمى "البؤر الزراعية"، حتى وإن كانت على مساحة لا تتجاوز بضع دونمات، "فهي في حقيقتها مقدمة للاستيلاء على آلاف الدونمات، كما هو الحال في جنوب دورا". ويقول إنه "مع منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، تبدأ المرحلة الثانية من المشروع الاستيطاني، وهي تقديم الخدمات الأساسية للبؤرة من مياه وكهرباء وطرق معبّدة، ما يشرعن وجودها ويفتح الباب لتوسعتها مستقبلاً".
تمهّد هذه الخطوات، وفق حنتش، لتقديم "طلبات رسمية من قبل المستوطنين للجهات المعنية في الحكومة الإسرائيلية، سواء كانت جمعيات استيطانية أو وزارتي الاستيطان والمالية، بغية الحصول على دعم مباشر لتعزيز وجودهم وتوسيع مستوطناتهم". وبرأيه، فإن "ما يجري هو تنفيذ عملي لسياسة الضم، من خلال فرض القانون الإسرائيلي على أراضٍ فلسطينية واقعة ضمن الضفة الغربية". ويوضح أن "الاحتلال يستهدف مناطق تُعرف بكونها حدودية في أقصى جنوب الضفة بجانب الجدار، لكنه لا يعترف بجدار الفصل العنصري حدوداً فعلية، بل يعتبره إجراء أمنياً مؤقتاً". ويضيف أن الاحتلال "يمنع الفلسطينيين من الاقتراب من مناطق جنوب الخليل القريبة من الجدار لمسافة تصل إلى كيلومتر كامل، ما يجعل هذه الأراضي عملياً ساقطة في يد المشروع الاستيطاني". وتعد محافظة الخليل، وتحديداً في جنوبها، وفق حنتش، من أكثر المناطق المستهدفة ضمن الاستراتيجية الاستيطانية الإسرائيلية، إذ "يحرص العقل الاستيطاني على التمدد شرقاً وغرباً، بمحاذاة الخط الأخضر، في محاولة لربط البؤر الزراعية بالبؤر الصناعية، وتحويلها تدريجياً إلى تجمعات استيطانية ضخمة".
ويُحذر حنتش من أن ما يُستهان به اليوم، "كرفان واحد" على الأرض مثلاً، من المتوقع أن يتحوّل لاحقاً إلى مستوطنة متكاملة بمجرد ربط الطرق والخدمات فيها، كما أقيمت أساساً مستوطنة إشكولوت. ويشير إلى إقامة الاحتلال "ست بؤر استيطانية إضافية في جنوب دورا فقط منذ مطلع العام الماضي، في خطوة تدل على تصعيد غير مسبوق في حجم الاستيطان وتوسع رقعته". وفي ما يتعلق بحجة الاحتلال التي يستخدمها للاستيلاء على الأرض، يوضح حنتش أن إسرائيل غالباً ما تصنف هذه الأراضي تحت مسمى "أراضي دولة"، وهي حجة تُستخدم لتبرير السيطرة على أراضٍ لا يمتلك أصحابها أوراقاً رسمية حسب معايير الاحتلال. لكن الواقع، كما يؤكد حنتش، أن كثيراً من هذه الأراضي يمتلكها فلسطينيون بشكل قانوني موثق، ويملكون شهادات ووثائق عثمانية قديمة تُثبت ملكيتهم لها، ما قد يشكّل أساساً قانونياً للمطالبة باستعادتها، رغم الوقائع التي أثبتت عدم عدالة القضاء الإسرائيلي.