ضمّ الضفة الغربية... وقائع سيطرة تنتظر الإعلان الإسرائيلي الرسمي

20 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 02:48 (توقيت القدس)
أحد التجمعات البدوية في الأغوار، 29 مارس 2021 (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتسارع خطوات الاحتلال الإسرائيلي نحو ضم الضفة الغربية، مع تنافس وزراء الحكومة في تقديم سيناريوهات مختلفة منذ عام 2017، بينما تظل القيادة الفلسطينية عالقة في اتفاق أوسلو لعام 1993.

- رغم تعدد السيناريوهات المطروحة، لا يوجد سيناريو حاسم لضم الضفة الغربية، حيث لم يعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو موقفاً رسمياً بعد، مما يترك المجال مفتوحاً لاستخدام الضم كورقة سياسية.

- الأغوار الفلسطينية تتعرض لسيطرة إسرائيلية شبه كاملة، حيث تسيطر على 90% من مساحتها و85% من مواردها المائية، مما يعكس سياسة الضم الفعلية رغم عدم وجود إعلان رسمي.

تتسارع خطوات الاحتلال الإسرائيلي نحو ضمّ الضفة الغربية المحتلة، بالتوازي مع تسابق وزراء حكومة الاحتلال في تقديم سيناريوهات للضمّ، لم تغادر طاولة الحكومة علناً منذ 2017، ضمن خطوات عملية على الأرض. ويعني ذلك أنّ قرار الضم قد حُسم فعلياً وعملياً منذ عقود، وهذا ما يثبته التوسّع الاستيطاني المستشري في أراضي الضفة الغربية منذ احتلالها في عام 1967 حتّى اللحظة، والسؤال الإسرائيلي لم يكن يوماً "هل نسعى لضمّ الضفة؟"، بل ما هي الأراضي المستهدفة؟ وكم تبلغ مساحتها؟ وترجمة مصطلح "ضمّ الضفة الغربية" يعني فرض السيادة الإسرائيلية عسكرياً، وعبر التشريعات والإجراءات الميدانية بالقوة على الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967، من دون مفاوضات مع الفلسطينيين، الذين لا تزال قيادتهم عالقة زمنياً في سبتمبر/ أيلول 1993 عندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو

مع الاحتلال الإسرائيلي، بوصفها اتفاق إعلان مبادئ لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة على أساس قرارَي الأمم المتحدة 242 و338. ويصارع الفلسطينيون اليوم إبادة جماعية في قطاع غزة، وتهجيراً وعمليات عسكرية واسعة مع تهديدات بضمّ الضفة الغربية في ذات الشهر الذي يحمل الذكرى الـ32 لاتفاق أوسلو.

لا سيناريو حاسماً لضمّ الضفة الغربية

يرى خبراء وباحثون في الشأن الإسرائيلي أنه حتّى اللحظة لا يوجد سيناريو حاسم لضمّ الضفة الغربية، مع تعدد السيناريوهات والأصوات اليمينية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي تخرج بخطابات وتصريحات عن شكل وحجم الضم. ويقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية محمد أبو علان دراغمة لـ"العربي الجديد"، إنّه "حتّى الآن لا يوجد تصوّر واحد على طاولة حكومة الاحتلال حول موضوع الضم، وهناك سيناريوهات عدّة، أبرزها ما طرحه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش حول ضم 82% من مساحة الضفة الغربية، وهو السيناريو الوحيد الذي قدم رقماً واضحاً حول المساحة المراد الاستيلاء عليها وضمّها"، وبحسب دراغمة: "هناك سيناريو آخر أيضاً يتردد عبر أكثر من وزير من الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يقوم على البدء بضمّ الأغوار أولاً، إضافة لسيناريو آخر يطرح ضمّ الكتل الاستيطانية أولاً". ويؤكد دراغمة أنه حتى الآن لا يوجد سيناريو واحد جرى اعتماده أو تبنيه، والوحيد الذي لم يتحدث عن قرار الضمّ وشكله ومساحته هو رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يملك القرار الحاسم في هذا الموضوع، ومع ذلك بقي صامتاً حتى الآن".


محمد أبو علان دراغمة: لا يوجد تصوّر واحد على طاولة حكومة الاحتلال حول موضوع الضم

ويقول دراغمة إنّ "هناك مَن تحدث عن توقيت الضم كما فعلت وزيرة المواصلات ميري ريغيف الثلاثاء الماضي، في مؤتمر السيادة، إذ نقلت القناة السابعة الإسرائيلية عن الوزيرة قولها: يمكن أن نذهب إلى الضم بعد الأعياد اليهودية، أي نهاية سبتمبر/ أيلول الحالي، وبداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل"، ويضيف دراغمة: "من الواضح أن نتنياهو ليس مستعجلاً على إعلان قراره حول الضم، هذا الأمر ربما يربطه لاستخدامه ورقةً في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة (أكتوبر 2026)، أو للرد على موضوع الاعترافات الدولية بدولة فلسطين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 23 سبتمبر الحالي، فكل الخيارات واردة لكن لم يسجّل حتى الآن موقف إسرائيلي رسمي حول الضم". لكن ما تقدمه حكومة الاحتلال الإسرائيلي بوصفها سيناريوهات للضم تُنشر عبر العالم على نطاق واسع لتكون محلّ نقاش، ويوقن الفلسطيني أن جميع هذه التصريحات مضلّلة كعادة الإسرائيلي، وأن ما يُقدمه قادة الاحتلال كـ"سيناريوهات" هو أصلاً "وقائع على الأرض" تنقصها بعض اللمسات الأخيرة والإخراج السياسي بإعلان رسمي فحسب؛ لأنّ جرافة الضم والتهجير قد انطلقت بالفعل ومنذ زمن.

وبينما يقدم وزراء الاحتلال سيناريو ضم الأغوار الفلسطينية أمام الإعلام، تئن الأغوار منذ سنوات طويلة من وطأة الاستيطان ومصادرة الأراضي لأغراض إقامة معسكرات، سرعان ما يغادرها الجنود ليحطّ المستوطنون بيوتهم المتنقلة مكانها، في عملية تجاوزت قضم الأراضي لابتلاع مساحات شاسعة منها. وانتقل المستوطنون وجيش الاحتلال من التضييق على الفلسطينيين وتخريب مصادر المياه والكهرباء وطردهم لأيام وأسابيع إلى اقتلاعهم كلياً من المكان. قبل السابع من أكتوبر 2023، كانت الأغوار تشمل 27 تجمعاً فلسطينياً ثابتاً، إضافة إلى عشرات التجمعات الرعوية والبدوية، لكن إسرائيل باشرت عمليات تطهير وتهجير في الأغوار، لإنهاء الوجود الفلسطيني وجعل ما تبقى منه مرهوناً بالوقت. وشهد واقع التجمعات البدوية في الضفة الغربية تحولاً دراماتيكياً منذ اندلاع الحرب على غزة، وما رافقها من توسع في سياسات الطرد والتهجير، خصوصاً في مناطق الأغوار الممتدة بين شمال الضفة ووسطها وجنوبها. في السياق، يقول المشرف العام لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، حسن مليحات، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "عدد التجمعات الثابتة، التي كانت تبلغ نحو 27 تجمعاً، تقلّص اليوم إلى ما يقارب 17 تجمعاً فقط، فيما انخفضت التجمعات البدوية من 72 إلى نحو 62 تجمعاً، نتيجة حملات التهجير المستمرة التي تدفع بها سلطات الاحتلال تحت غطاء توسيع الاستيطان وفرض وقائع جديدة على الأرض".

سيطرة الاحتلال على الأغوار

الأغوار الفلسطينية عبارة عن شريط ضيّق، يبلغ طوله نحو 120 كيلومتراً، ويتراوح عرضه بين 5 و25 كيلومتراً، وتبلغ مساحته نحو 2400 كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو 30% من المساحة الكلية للضفة الغربية. وحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فإنّ الاحتلال يسيطر تماماً على ما نسبته حوالى 90% من جميع مناطق الأغوار. ووفق ذات المركز، فإنّ مؤشرات التعداد الزراعي الفلسطيني لعام 2021، تشير إلى أن مناطق الأغوار تُشكل ما نسبته 50% من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية تقريباً. وتشكل الأغوار سلة غذاء فلسطين، إذ تزود السوق الفلسطينية بحوالى 60% من الخضار والفواكه، كما تحتوي الأغوار على ما نسبته 50% من مصادر المياه الفلسطينية الجوفية، فهي تُعد ثاني أكبر خزان للمياه الجوفية في الضفة الغربية. ويسيطر الاحتلال على 85% من الموارد المائية في مناطق الأغوار الفلسطينية، ويحرم الفلسطينيين منها. وتضم منطقة الأغوار حوالى 45% من المساحات الرعوية و40% من الثروة الحيوانية الفلسطينية. وتسيطر 35 مستوطنة زراعية إسرائيلية ضخمة وعشرات البؤر الاستيطانية على ثروات الأغوار، الذي تصنّف المساحة العظمى منه (بنسبة 88.3%) مناطق (ج)، أي أنها تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة حسب اتفاق أوسلو، الذي أجّل البت في مصيرها لملفات الحل النهائي بعد خمس سنوات من توقيع اتفاق أوسلو.

ذات الواقع الذي رسخته إسرائيل عبر عقود ينطبق على ضم المستوطنات التي نهشت الضفة الغربية على مرّ عقود، وهذه المستوطنات تحت السيادة الإسرائيلية الفعلية في محو شبه تام للخط الأخضر، الذي يفصل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وحسب توثيق مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" على موقعه الرسمي، فإنّ "عمران المستوطنات يمتد اليوم على مساحة تشكّل نحو 10% من مساحة الضفة الغربية، يضاف إليها 1,650,376 دونماً، هي مساحة مناطق نفوذ المجالس الإقليمية للمستوطنات وتشمل براري شاسعة لا تدخل في منطقة عمران أيّ من المستوطنات، لتبلغ مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرة نحو 40% من مجمل مساحة الضفة الغربية وتشكّل 63% من مساحة مناطق (ج)".


خليل التفكجي: سيناريو الضم سيكون لجميع منطقة (ج)

أمام كل الوقائع على الأرض يؤكد الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي لـ"العربي الجديد"، أنّ السيناريو الإسرائيلي الواقعي هو ما تحدث عنه الوزير بتسلئيل سموتريتش، أي ضم 82% من مساحة الضفة الغربية المحتلة. ويقول إنّ "سيناريو الضم سيكون لجميع منطقة (ج) ولجميع الأراضي خارج حدود الأراضي المبنية في منطقة (ب)، وجميع ما ذكر أعلاه يشكل من 60 إلى 80% من مساحة الضفة الغربية، أي أنّ هذا يتفق مع تصريحات سموتريتش حول الضم"، ويؤكد أن "إسرائيل لا تريد ضم الضفة الغربية كاملة، لأن هذا مستحيل كونها لا تريد ديمغرافيا بل تريد أرضاً، لذلك ستبقى مناطق (أ) أي المدن والبلدات الفلسطينية المكتظة بالسكان إلى جانب الأجزاء المبنية من مناطق (ب) فقط للفلسطينيين". ويشير التفكجي إلى أن هذا يثبت ما تقوم به حكومة الاحتلال حالياً من تفريغ منطقة الأغوار من السكان، ومسافر يطا، وتهجير البدو، وحتّى مناطق "ب" المحاذية للقرى جرى إعلان آلاف الدونمات فيها أراضي دولة كما جرى أخيراً مع قرى دير جرير، ودير غسانة، وكفر مالك وهي قرى رام الله، ومصنفة حسب اتفاق أوسلو منطقة "ب"، و"قام الاحتلال بإعلانها أراضي دولة من أجل تطويرها لاحقاً، إلى جانب الإعلان عن مئات الأراضي مناطق صناعة مثل قرية أراضي اللبن الغربية، التي أعلن أخيراً عن مصادرة 800 دونم من أراضيها لغايات صناعية".

165 جزيرة أرخبيلية

وإضافة لما سبق، فإن التفكجي يؤكد أن البوابات التي يضعها الاحتلال على مداخل كل القرى والبلدات والمدن الفلسطينية هو جانب آخر من التنفيذ الفعلي للضم، إذ تبقى الكتل السكانية الفلسطينية الكبيرة في مناطق "أ" وما حولها أي "ب"، خارج الضم الإسرائيلي لكن التنقل بينها يكون عبر بوابات تفتح وتغلق حسب مزاج الاحتلال. وتشير إحصائيات المؤسسات الحقوقية الدولية والإسرائيلية إلى تركز الفلسطينيين في 165 جزيرة أرخبيلية منفصلة. وبحسب معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، فقد نصب جيش الاحتلال 29 بوابة حديدية جديدة خلال الأسبوعَين الماضيَين، ليصل مجموع البوابات التي أقامها منذ بداية العام إلى 84 بوابة، فيما يبلغ العدد الإجمالي للحواجز والبوابات العسكرية في الضفة الغربية 995، بينها 911 حاجزاً و84 بوابة. ويؤكد التفكجي أن "عملية الفصل قد بدأت بالفعل بمئات البوابات والحواجز التي وضعتها إسرائيل على مداخل المدن والبلدات، لخلق ما نطلق عليه منع التواصل من خلال إنتاج زمن متقطّع للفلسطينيين مقابل زمن مستمر وسريع لليهود"، ويقول التفكجي إنه "أمام كل هذه الوقائع لو اعترف كل العالم بدولة فلسطين لن يغيّر ذلك من الواقع الفلسطيني على الأرض شيئاً، إذا لم تتدخل الولايات المتحدة لتغيير الواقع ومنع إسرائيل من استكمال ما تقوم به من ضم فعلي على الأرض".