ضغوط سياسية على القضاء العراقي في قضية "تسريبات المالكي"

ضغوط سياسية على القضاء العراقي في قضية "تسريبات المالكي"

21 اغسطس 2022
يطالب أعضاء من التيار الصدري باستدعاء المالكي والتحقيق معه (أحمد الرباعي/فرانس برس)
+ الخط -

مرّ أكثر من شهر كامل على فضيحة التسريبات الخاصة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، ضمن جلسة جمعت الأخير بعدد من قيادات وأعضاء مليشيا تطلق على نفسها "لواء أئمة البقيع"، وتنشط في محافظة ديالى الحدودية مع إيران شرقي العراق.

وعلى الرغم أن مجلس القضاء الأعلى (أعلى سلطة قضائية في البلاد) قد أعلن في التاسع عشر من الشهر الماضي، أن محكمة تحقيق الكرخ (في بغداد) تلقت طلباً مقدماً إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص التسريبات الصوتية، إلا أن القضاء لم يتحدث عن جديد التحقيق بالتسجيلات، فيما يطالب أعضاء من التيار الصدري باستدعاء المالكي والتحقيق معه.

وتطرق المالكي في حديثه بحسب التسجيلات، إلى أكثر من جانب، فقد تحدث بنفس طائفي عن المكون العربي السني، إضافة إلى وصفه "الحشد الشعبي" بأنه "أمة الجبناء"، فيما تحدث عن تسليح عشائر ومجاميع يقدَّر عددها بـ20 ألف مقاتل على الأرض، تطلب منه دعماً مالياً ولوجستياً وغطاء قانونياً، وقد وعدها بتوفير ذلك، في سبيل حمايته من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يريد أن "يذبح الجميع"، وفقاً للمالكي.

كما تحدث رئيس الوزراء الأسبق عن "الفساد المالي والإداري" في هيئة الحشد، وعن كون مليشيا "بدر" التي يقودها هادي العامري، تحصل على مرتبات مالية لنحو 40 ألف شخص، في حين أنها لا تملك هذا العدد على الأرض.

وكان زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، قد طلب أخيراً من المالكي تسليم نفسه ومن يلوذ به من الفاسدين إلى الجهات القضائية، كما دعا عشيرته والقوى المتحالفة معه إلى التبرؤ من حديثه، من أجل "إطفاء الفتنة"، مضيفاً أنه يجب أيضاً استنكار "تحريضه على الفتنة والاقتتال (الشيعي-الشيعي)".

كما تسببت تسريبات المالكي بتوقف الحوارات بين قوى الإطار التنسيقي والتيار الصدري، واختار الأخير طريق الاحتجاجات في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، وتعطيل العملية السياسية، والمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، يرى الصدر فيها أنها ستكون النهاية لقوى "الإطار"، القريبة من إيران، وتحديداً نوري المالكي، كونها ستغيّر مجرى التعامل السياسي في طريقة تشكيل الحكومات العراقية في المستقبل.

في السياق، قال العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين، إن "الإشكاليات كثيرة بشأن تماهي القضاء العراقي مع الأحزاب الشيعية المتنفذة، وهذا ما يزعجنا في التيار الصدري، لأن الخروقات القانونية لمجلس القضاء والمحكمة الاتحادية باتت تمثل أخطر أنواع تهديد الحياة السياسية، لأن القضاء بات محسوباً على جهات داخل الإطار التنسيقي وعدم الحياد في الكثير من الملفات، ولعل أبرز دلائل هذا الحديث، هو وجود رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان في معظم الاجتماعات السياسية التي تضم الإطار التنسيقي، وهو ما يثير الاستغراب"، وفقاً لقوله.

وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "تسريبات المالكي والتأكيدات الفنية والتقنية على صحتها كافية لاعتقال المالكي بأكثر من تهمة، منها ازدراء جماعات دينية، منها مرجعية النجف (علي السيستاني)، المكوّن السني، وتسليح جماعات خارج القانون، وقضايا أخرى".

وتابع حسين: "المالكي سيُحاسب عاجلاً أم آجلاً، وستتحقق العدالة معه أو مع غيره من زعماء الأحزاب والمليشيات المتهمين بجملة من الملفات الطائفية والخاصة بالسرقة والترويج للخطاب الطائفي، إذ ليس معقولاً أن يبقى القضاء العراقي أسيراً بيد الأحزاب"، معتبراً أن "الصدر تجاوز الرد على المالكي، لكنه طالبه بأن يقوم بتسليم نفسه، إلا أن الأخير رفض، لأنه يعتبر نفسه فوق القانون، خصوصاً مع تقاعس القضاء في التحرك باتجاه البت بقضية التسريبات التي كانت القشة التي قصمت ظهر الإطار التنسيقي، الذي لا يزال يريد تشكيل حكومات طائفية وتحاصصية".

من جانبه، بيَّن عائد الهلالي، وهو عضو في الإطار التنسيقي، أن "التسجيلات مفبركة، وهو ما جرى التأكد منه عبر الفرق الفنية الخاصة بأكثر من مؤسسة حكومية، وبات القضاء العراقي يعرف بهذه القصة، لكن البت بقضية التسجيلات الخاصة بالمالكي لم يظهر لحد الآن بسبب الانسداد السياسي وانشغال القضاء في أكثر من قضية، ومنها ما يتعلق بمواضيع حل البرلمان ودستورية ذلك، في ظل اشتداد التظاهرات داخل المنطقة الخضراء، ومقتربات مبنى مجلس القضاء".

وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "جميع القادة السياسيين، ومن ضمنهم نوري المالكي، نفوا صحة التسريبات الصوتية، لكن هناك جهة سياسية تعمل على الإمساك بأي حجة من أجل الإطاحة بالحق الدستوري لقوى الإطار التنسيقي في تشكيل الحكومة المقبلة".

لكن مصدرين من مجلس القضاء الأعلى أكدا لـ"العربي الجديد"، أن "المحاكم العراقية التي تلقت شكاوى بخصوص فتح تحقيق بتسريبات المالكي، وكذلك المدعي العام، مقيدان والتحرك باتجاه المالكي يكاد يكون قراراً سياسياً كاملاً وليس قضائياً.

واعترف أحد المصدرين، شرط عدم ذكر اسمه، بأن "عشرات الطلبات قُدّمت من محامين ومواطنين وعدد من أنصار التيار الصدري إلى المحاكم، وطالبت بالتحقيق بالتسريبات واستدعاء نوري المالكي، إلا أن المحاكم أخذت على عاتقها استلام ملفات الدعاوى دون الشروع في فتحها".

وكان فريق "التقنية من أجل السلام"، وهو أشهر فريق فني عراقي، قد أكد صحة التسجيلات المنسوبة إلى المالكي، وقال إنها "ليست مفبركة"، مبيناً في تقريرٍ نشره في وقتٍ سابق، أنه "على الرغم من النفي المتكرر للمالكي لتلك التسجيلات، وادعائه فبركتها عبر اقتباس مقاطع من صوته وتركيبها لتظهر بهذا الشكل، إلا أن الملاحظات التي توصلنا لها حول المقطع الصوتي تثبت عكس ذلك".

المساهمون