ضغوط الاحتلال على غزة: عودة لسياسة الاقتصاد مقابل الهدوء

ضغوط الاحتلال على غزة: عودة لسياسة الاقتصاد مقابل الهدوء

05 اغسطس 2022
واصل الاحتلال إغلاق معبر كرم أبو سالم (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

يعيش قطاع غزة أجواء ضغط إسرائيلي منذ يوم الثلاثاء الماضي، في ظل إعلان "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، الاستنفار رداً على اعتقال القيادي البارز في الحركة في جنين بسام السعدي مساء الإثنين الماضي.

ولا تزال تقديرات جيش الاحتلال تشير إلى أنّ "الجهاد" ستشن هجوماً، انتقاماً لاعتقال السعدي، فيما يعمل الوسطاء المصريون والقطريون ووسيط الأمم المتحدة على خفض التوتر ومنع انزلاق الأوضاع إلى تصعيد غير محسوب النتائج، غير أنّ حصيلة هذه التحركات لم تظهر على الأرض حتى الآن.

استنفار إسرائيلي على حدود غزة

وفي أعقاب إعلان "سرايا القدس" حالة الاستنفار، اتخذ الاحتلال مجموعة من الإجراءات على حدود غزة، أبرزها نشر منظومة "القبة الحديدية" ونشر الغرف المحصنة خشية من هجمات صاروخية أو إطلاق مضادات للدروع من السرايا.

وواصلت سلطات الاحتلال أمس الخميس، ولليوم الثالث على التوالي، إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري أقصى جنوب قطاع غزة، وحاجز بيت حانون/إيرز شمالاً. وبالتوازي مع الإغلاق، تنتشر طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بين الحين والآخر في أجواء قطاع غزة، وإنْ غابت لبعض الوقت تعود مرة أخرى، ويسمع صوتها المألوف بالنسبة للفلسطينيين في مناطق حدودية ووسط أجواء القطاع.

وتهدف هذه الطائرات لجمع المعلومات الميدانية، وتعقّب المقاومين إذا تحركوا قرب الحدود الفاصلة مع الأراضي المحتلة.

وعلى الحدود، قال شهود ومزارعون لـ"العربي الجديد"، إنّ الآليات العسكرية الإسرائيلية وسيارات المستوطنين التي كانت تُشاهد قبل التوتر الحالي لم تعد موجودة نهائياً، وكأن حظراً شاملاً للتجول قد فُرض على المناطق القريبة من القطاع.

كوخافي قام بجولة على الحدود، للموافقة على خطط هجومية في غزة استعداداً للتصعيد المحتمل

وأفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أمس، بأن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي قام بجولة على الحدود الجنوبية صباح أمس الخميس للموافقة على خطط هجومية في غزة استعداداً للتصعيد المحتمل. ووفق الموقع، كثف سلاح الجو الإسرائيلي نشاطه فوق غزة، ونشر عشرات الطائرات بدون طيار لتعقّب فرق "الجهاد الإسلامي".

وفي غزة تستمر حالة الاستنفار التي أعلنتها "سرايا القدس"، فيما دخلت في هذه الحالة فصائل أخرى ومنها "حماس". ويعتقد فلسطينيون أنّ جيش الاحتلال بتعزيزاته الكبيرة وغير المعتادة على الحدود إلا في حالة الحرب، قد يقدم على عمل "انتقامي وغادر" ضد المقاومة.

وجاءت الإجراءات الإسرائيلية الجديدة مشابهة للإجراءات التي كان الاحتلال يقوم بها في السابق ضد القطاع، خلال أوقات التصعيد في الفترة ما بين 2018 وحتى الآن بأشكال متعددة يستهدف عبرها الضغط على الفصائل الفلسطينية.

وتكرر السلوك الإسرائيلي مرات عدة خلال العام الأخير، وسط حديث إسرائيلي متكرر عن خطة تستند إلى "الاقتصاد مقابل الهدوء"، والتي تقوم بالأساس على الضغط على الحاضنة الشعبية لفصائل المقاومة واستنزاف الفصائل اقتصادياً وأمنياً.

عقوبات جماعية على الفلسطينيين

وقال المتحدث باسم حركة "حماس" حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال عبر إجراءاته يفرض عقوبات جماعية على الشعب الفلسطيني ويعزز من حصاره المفروض على القطاع للعام الخامس عشر على التوالي.

وأضاف قاسم أن السلوك الإسرائيلي إرهابي ويهدف من خلاله إلى معاقبة الحاضنة الشعبية للمقاومة والضغط عليها لمعاقبة إجمالي السكان، إلا أن هذه الإجراءات والسياسات ستفشل كما حصل خلال السنوات الماضية.

قاسم: سلوك الاحتلال إرهابي ويهدف من خلاله إلى معاقبة الحاضنة الشعبية للمقاومة

ووفق المتحدث باسم "حماس"، فإن الاحتلال يحاول تغيير المعادلات سعياً لتوفير الهدوء لنفسه عبر سياسات متغيرة ومختلفة، إلا أن هذه المعادلات لا يمكن أن تنجح في عزل الشعب الفلسطيني عن قضاياه الكبرى.

وشدد قاسم على أن "المقاومة سبق أن كسرت معادلات الاحتلال خلال معركة سيف القدس عام 2021 عبر استهداف القدس رداً على الاعتداءات الإسرائيلية التي جرت في حي الشيخ جراح والمصلين في المسجد الأقصى".

من جهته، أكد القيادي في "الجهاد الإسلامي"، خضر حبيب، أن السلوك الإسرائيلي تجاه القطاع ليس مستغرباً عبر التلويح الدائم بالتسهيلات أو الإجراءات الاقتصادية مقابل حالة الهدوء واستمرارها مع المقاومة.

وقال حبيب لـ"العربي الجديد"، إن هذه الحكومة لا تمتلك في جعبتها إلا ورقة التسهيلات الاقتصادية ومحاولة ترويجها في وجه سلاح المقاومة الفلسطينية ومنع تحركها تجاه بقية الأحداث التي تشهدها المدن الفلسطينية وعزلها عن بقية الساحات.

وشدد القيادي في "الجهاد" على أن المقاومة تواجه السلوك الإسرائيلي بأساليب عدة، كان أبرزها حالة الاستنفار التي أعلنتها "سرايا القدس" تزامناً مع الاعتداءات التي شهدتها مدينة جنين الواقعة شمالي الضفة الغربية المحتلة.

وأوضح أن الاحتلال فور تحرك المقاومة سارع للتحرك عبر الوسطاء لاحتواء المشهد ومنع الوصول إلى حالة تصعيد عسكري خشية من رد غزة على الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة.

من جهته، قال عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" طلال أبو ظريفة، إن العقوبات الإسرائيلية الحالية على القطاع وحالة الضغط تنتهك اتفاقية جنيف وتساهم في تعزيز العقوبات الجماعية على السكان.

وأكد أبو ظريفة لـ"العربي الجديد" أن التسهيلات التي تُقدّم للقطاع ليست منّة من الاحتلال، مشدداً على أن من حق المقاومة الفلسطينية مواجهة الجرائم الإسرائيلية، مع تأكيد رفض المقايضات التي يسعى الاحتلال لتمريرها عبر بعض الأطراف. وأشار إلى أن الاحتلال لن ينجح في سياسة فصل الساحات المتمثلة في عزل غزة عن بقية الساحات، خصوصاً أنها باتت معادلة منذ نهاية المواجهة الأخيرة بين المقاومة والاحتلال.

ضغط على غزة لأهداف سياسية

ميدانياً، يراقب الفلسطينيون عن كثب ما يجري حالياً في ظل تكرار التهديدات من الذراع العسكرية لـ"الجهاد الإسلامي" بالتدخل رداً على التصعيد الإسرائيلي في مختلف المدن خصوصاً ما يجري في الضفة الغربية.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الكومي، أن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة تندرج في إطار التضييق على غزة، بالتزامن مع وجود رصد لدى المؤسسة الأمنية والعسكرية في الاحتلال لإمكانية حدوث رد من القطاع على ما جرى في جنين.

وقال الكومي لـ"العربي الجديد"، إن رئيس وزراء الاحتلال يئير لبيد يحاول عبر هذه الإجراءات والضغط على غزة تسويق نفسه كقائد يستحق الحكم مع ذهاب دولة الاحتلال لانتخابات الكنيست في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

الكومي: لبيد يحاول عبر الضغط على غزة تسويق نفسه كقائد يستحق الحكم قبل الانتخابات

وأشار المحلل السياسي إلى أن الإجراءات الإسرائيلية مجرد إجراء أمني على حالة التصعيد الحاصلة في الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب أن الاحتلال لا يحتاج سوى الهدوء مع القطاع مع ذهابه إلى الانتخابات.

واعتبر أن الاحتلال يدرك أن اتساع حالة التصعيد مع غزة من شأنه أن يشعل المنطقة بأكملها، إذ يوجد إدراك إسرائيلي على صعيد المؤسسة الأمنية والعسكرية بأن مزيداً من الضغط سيدفع القطاع نحو الانفجار. وبيّن أن هذه الإجراءات والسياسات التي يقوم بها الاحتلال باتت مكشوفة للمقاومة الفلسطينية في غزة، والاحتلال لا يملك خياراً إلا التراجع عن هذه السياسات خشية التصعيد مع القطاع وإمكانية اشتعال بقية الجبهات.

 

المساهمون