ضغط تركي لاستكمال "المنطقة الآمنة" في سورية: الخيار العسكري وارد

ضغط تركي لاستكمال "المنطقة الآمنة" في سورية: الخيار العسكري وارد

25 مايو 2022
عناصر من "قسد" في الحسكة، يناير الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من أمس الاثنين، أن بلاده "ستبدأ قريباً باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً، على طول حدودنا الجنوبية (مع سورية)"، وفق وكالة "الأناضول" التركية.

ولفت في خطاب له، عقب اجتماع للحكومة في المجمع الرئاسي بأنقرة، إلى أن المناطق التي تعدّ مركز انطلاق للهجمات على تركيا والمناطق الآمنة، ستكون على رأس أولويات العمليات العسكرية، في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تنظر أنقرة إليها باعتبارها تابعة لحزب "العمال الكردستاني"، والذي يعتبره الأتراك مصدر تهديد لأمنهم القومي.

وأفاد أردوغان بأن العمليات ستبدأ بمجرد انتهاء تحضيرات الجيش والاستخبارات والأمن، مضيفاً: "سنتخذ قراراتنا بهذا الخصوص خلال اجتماع مجلس الأمن القومي (غداً) الخميس".

الخطة التركية لإنشاء المنطقة الآمنة

ومن الواضح أن تركيا تحاول توظيف التطورات الإقليمية والدولية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا ومحاولات حلف شمال الأطلسي تليين موقفها بشأن الموافقة على انضمام السويد وفنلندا للحلف، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، بما في ذلك تعزيز نفوذها في الشمال السوري، والمضي في خطتها لإنشاء منطقة آمنة لإعادة أكبر عدد من اللاجئين السوريين على أراضيها. وسبق أن أعلن الرئيس التركي عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح "العودة الطوعية" لمليون سوري إلى بلادهم.

وكانت أنقرة قد لوّحت في أواخر العام الماضي بشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق، بعد تكرار استهداف جنودها في ريف حلب الشمالي، انطلاقاً من مناطق واقعة تحت سيطرة "قسد"، على الرغم من نفي الأخيرة دورها في الاستهدافات.

وأظهرت المعطيات الميدانية أن مليشيا "قوات تحرير عفرين"، المرتبطة بـ"قسد"، هي التي تقف وراء عمليات استهداف الجنود الأتراك، إلا أنه يبدو أن "قسد" لم تردعها.

ومن غير المستبعد أن يشنّ الجيش التركي، وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به، عملية عسكرية في غرب الفرات وشرقه، غير أن أنقرة تولي الأولوية للسيطرة على مواقع "قسد"، غربي الفرات، كونها تضمّ بلدة تل رفعت وقرى في محيطها، ومدينة منبج، المعقل البارز لـ"قوات سورية الديمقراطية".


تركيا تحاول توظيف التطورات الإقليمية والدولية من أجل تحقيق مكاسب في الشمال السوري

وتشير المعطيات إلى أن السيطرة على منطقة عين العرب، ذات الغالبية الكردية والواقعة على الحدود السورية التركية مباشرة، هدف للجيش التركي لوصل الشمال السوري جغرافياً من منطقة رأس العين شرقاً إلى ريف اللاذقية الشمالي غرباً.

ويمكن أن يوسّع الجيش التركي دائرة نفوذه في شرق الفرات، للسيطرة على منطقة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي، أو التوغّل جنوباً باتجاه بلدة عين عيسى، لإحكام السيطرة على الطريق الدولي "أم 4" (أوتوستراد حلب ــ اللاذقية)، المتفرّع إلى شرق الفرات.

وحول هذه التطورات، يرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو في حديث مع "العربي الجديد"، أن مسألة شن عملية واسعة النطاق في شمال سورية "موضوعة على الطاولة التركية منذ زمن"، كاشفاً: لكنها كانت تحتاج إلى موافقة من الجانبين الروسي والأميركي.

ويعرب عن اعتقاده بأن الغزو الروسي لأوكرانيا وحاجة حلف الأطلسي لموافقة تركيا على انضمام فنلندا والسويد "ربما يسمحان للأتراك بالقيام بالعملية العسكرية التي تخطط لها". ويعتبر أن "مشكلة تركيا هي مع قوات سورية الديمقراطية لا مع دمشق".

ويتوقع رضوان أوغلو أن تكون منطقة تل رفعت وجهة الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية، مستدركاً: ربما نشهد عمليتين في مكانين في الشمال السوري بوقت واحد.

بدوره، يرى المتحدث باسم "الجيش الوطني"، الذي يضمّ فصائل المعارضة في شمال سورية، الرائد يوسف حمود في حديث مع "العربي الجديد" أن "استهداف الجانب التركي لقياديي حزب العمال الكردستاني في سورية لم ينقطع منذ العام الماضي".

ويوضح أن "القصف بالطيران المسيّر يستهدف أيضاً تحصينات قسد من دشم وأنفاق وغرف العمليات والأرتال المتحركة". ويبدي اعتقاده بأن تصريحات الرئيس التركي أول من أمس الاثنين "لا تعني أن المعركة وشيكة"، مضيفاً: أن التصريحات كانت رسالة للدول الفاعلة في الملف السوري.

ويشير حمود إلى أن "تأكيد الرئيس أردوغان أن العملية تستهدف المناطق التي تعدّ مركز انطلاق للهجمات على تركيا والمناطق الآمنة، يوضح محور العملية القادمة"، مشدّداً على أن كل السيناريوهات واردة. وينوّه إلى أن العملية "يمكن أن تشمل مدينة منبج وتل رفعت وعين العرب (كلها تقع في ريف حلب، سواء في غرب الفرات أو شرقه)".

من جانبه، يتوقع القيادي في فصائل المعارضة السورية، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تكون العملية المقبلة على أكثر من محور، لكنه يرى أن "الأولوية هي لشمال حلب وتحديداً تل رفعت وما حولها".

ويشير إلى أن العمليات التي تُشن ضد مناطق سيطرة فصائل المعارضة والجانب التركي "تنطلق من تل رفعت"، لافتاً إلى انسحاب القوات الروسية التي كانت متمركزة في المنطقة، بعد تشكيلها غطاءً لـ"قسد" لسنوات.

ويشدّد على أن لمنطقة منبج أهمية لا تقل عن أهمية تل رفعت، متوقعاً أن تقاوم "قسد" أي تحرك عسكري ضدها "إلا إذا كانت هناك اتفاقات مسبقة على انسحابها من بعض المناطق".

"قسد" تستبعد العملية العسكرية

وفي السياق، استبعد المكتب الإعلامي لـ "قسد"، في بيان، أول من أمس الاثنين، حصول عملية عسكرية تركية قريباً، معتبراً أن تصريحات الرئيس التركي هي "تسخين للأجواء".

وأشار إلى أن هذه القوات "تدرس مستوى التهديدات التركية الفعلية والمتوقعة لمناطق شمال شرقي سورية، وتتبادل المعلومات مع القوى الدولية الضامنة".


استبعدت "قسد" حصول عملية عسكرية في شمال شرقي سورية

وأكدت مصادر مطلعة في مدينة القامشلي، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، لـ "العربي الجديد" أن "هناك توجساً لدى سكان المنطقة من عملية عسكرية تركية"، مشيرة إلى أن التهديد التركي "يعني فشل محاولات أميركية تهدف إلى خروج كوادر حزب العمال الكردستاني من سورية".

وتدعم واشنطن "قسد" سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، منذ تأسيسها في عام 2015. وتسيطر "قسد" على منطقة شرقي الفرات، وجانب من غربه، وأكثر من حي داخل مدينة حلب.

ورفض حزب "الاتحاد الديمقراطي" المسيطر على هذه القوات فك ارتباطه بحزب "العمال الكردستاني"، ولم يسهّل مهمة واشنطن في إنجاح الحوار بينه وبين "المجلس الوطني الكردي" لتشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين. وهو ما دفع إلى الاعتقاد بأن السماح للجانب التركي بشن عمل عسكري في شمال سورية نابع من تعنت هذا الحزب.

وكان الجيش التركي قد شنّ ثلاث عمليات واسعة النطاق في شمال سورية. العملية الأولى كانت ضد تنظيم "داعش"، وبدأت في منتصف عام 2016 وانتهت مطلع عام 2017 بالسيطرة على مجمل ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي.

والعملية الثانية كانت في مطلع عام 2018 ضد "الوحدات الكردية" في منطقة عفرين، في ريف حلب الشمالي الغربي، وانتهت بطرد "الوحدات" من المنطقة التي يشكل الأكراد غالبية سكانها.

وحصلت العملية الثالثة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد "قسد"، والتي انتهت سريعاً مع سيطرة الأتراك على شريط حدودي في شرق الفرات، بطول مائة كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً، من تل أبيض في ريف الرقة الشمالي غرباً إلى منطقة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي شرقاً.

المساهمون