استمع إلى الملخص
- جاءت الضربات وسط مخاوف من اعتراف ترامب بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة، وقد سبق له سحب 700 جندي من الصومال، بينما أعاد بايدن نشر 450 جندياً في 2022 لدعم مكافحة الإرهاب.
- يُقدر عدد مسلحي داعش في الصومال بالمئات، وتعتبر الضربات جزءاً من استراتيجية لمراقبة واحتواء تهديد داعش في المنطقة.
على نحو مفاجئ شنت القوات الأميركية، أول من أمس السبت، ضربات جوية ضد مسلحين من تنظيم داعش في الصومال بأمر من الرئيس دونالد ترامب، فيما أعلنت حكومة منطقة بونتلاند (أرض البنط) التي تتمتّع بحكم شبه ذاتي في شمال البلاد، أمس الأحد، والتي بدأت عمليات ضد التنظيم منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الغارات خلال ضربة أميركية في الصومال وتحديداً على جبال غوليس أدّت إلى مقتل "قادة رئيسيين" في التنظيم، قبل أن تشير لاحقاً إلى مقتل 46 شخصاً على الأقل جراء الغارات. وقال الجنرال محمد أحمد، المتحدث العسكري لمنطقة بونتلاند، حيث وقع الهجوم إن "من بين القتلى 12 مقاتلاً أجنبياً. ونعتقد أنهم جاؤوا بشكل رئيسي من دول عربية"، وسط تردد اسم الصومالي عبد القادر مؤمن، الذي ينظر إليه على أنه من يتولى قيادة التنظيم، بأنه من بين المستهدفين. وهو ما تطرقت إليه تحديداً صحيفة ذا غارديان البريطانية أمس بإشارتها إلى أنه بعد الضربات الأميركية الأخيرة، أطلع مسؤولون أميركيون وسائل إعلام على استهداف عبد القادر مؤمن، الذي قالوا إنه أصبح الزعيم العالمي لتنظيم داعش، وسط شكوك بتوليه مثل هذا الدور.
تساؤل ما بعد تنفيذ ضربة أميركية في الصومال
ورغم بقاء هوية المستهدفين في الضربات مجهولاً، حتى مساء أمس الأحد، إلا أن الحدث بحد ذاته شكل محطة للتساؤل حول الاستراتيجية الأميركية تجاه الصومال في ظل ولاية ترامب الثانية، وما إذا كانت سمتها ستبقى مترنحة واستعراضية، بحسب ما أظهرت مجريات السنوات الماضية، إذ اتخذ قرار الانسحاب ثم العودة إلى هذا البلد العربي في القرن الأفريقي والذي يشهد متغيرات استراتيجية عدة، أم أنها ستكون أكثر استقراراً. مع العلم أنه برز أمس ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، عن عدد من المسؤولين العسكريين ومسؤولي الدفاع الأميركيين، لجهة أن الضربات كانت رمزية أكثر منها جوهرية، وكانت تهدف إلى تلميع صورة ترامب قائداً أعلى يحمي البلاد من الإرهابيين في الأيام الأولى لإدارته بدلاً من تحييد تهديد خطير.
سحب ترامب في ولايته الأولى 700 جندي أميركي من الصومال
وجاءت أول ضربة أميركية في الصومال خلال ولاية ترامب الثانية، والتي ثمنتها مقديشو، وسط تحديات الأخيرة الأمنية والسياسية، تحديداً في محاربة تنظيم متشدد آخر هو حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، والمخاوف من لجوء ترامب إلى الاعتراف بإقليم أرض الصومال (صوماليلاند). كما أتت الغارات الأميركية بعد يوم من نشر صحيفة واشنطن بوست الأميركية، تصريحات للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، حذّر فيها من أن بعض المقربين من الرئيس الأميركي يسعون لدفعه للاعتراف رسمياً بأرض الصومال، معتبراً أن ذلك قد يشكل تهديداً لتغيير حدود القارة الأفريقية. كما ناشد ترامب "عدم سحب المستشارين الأميركيين الذين يدعمون تدريب قواتنا الخاصة". وفي قرار اتخذه في اللحظات الأخيرة من ولايته الرئاسية الأولى في يناير/كانون الثاني 2021، أمر ترامب بسحب كل القوات الأميركية تقريباً، وعددها 700 جندي، من الصومال في إطار عملية انسحاب عالمية امتدت أيضاً إلى القوات الأميركية في أفغانستان والعراق.
إلا أنه في 2022، تراجع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عن هذه الخطوة وسمح بإعادة نشر نحو 450 جندياً أميركياً في الصومال، ما سمح بتدريب جنود صوماليين وتقديم المشورة والعتاد لهم دون المشاركة مباشرة في أي عمليات قتالية. كما واصل بايدن حملة الضربات الجوية التي تستهدف مسلحين من تنظيمي القاعدة وداعش. وفي العام الماضي، وافقت واشنطن على بناء خمس قواعد عسكرية في الصومال لقوات لواء دنب، وهي وحدة من القوات الخاصة الصومالية دربها ضباط أميركيون لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب. وتعيد الضربة الجوية الحديثة التذكير باستراتيجية ترامب التي اتبعها في ولايته الأولى القائمة على الضغط على الخصوم من الجماعة المسلحة عبر الضربات الجوية.
وإذا كان تاريخ التدخل الأميركي في الصومال يعود إلى ديسمبر 1992، حين صدق مجلس الأمن على عملية عسكرية شاملة بقيادة الولايات المتحدة للتعامل مع الحرب الأهلية هناك، وبدأت الولايات المتحدة في تنفيذ ضربات جوية على الصومال في 2007 لاستهداف مسلحين من حركة الشباب، إلا أن الصومال شهد خلال ولاية ترامب الأولى أول ضربة أميركية في الصومال على تنظيم داعش، عام 2017، تحديداً في في مايو/أيار من ذاك العام حين استهدفت ضربة جوية أميركية مسلحي "داعش" وقتلت ثلاثة منهم. وفي يناير 2023، أسفرت عملية أميركية عن مقتل بلال السوداني الذي وصفته وزارة الدفاع الأميركية حينها، بأنه عنصر أساسي في تسهيل عمل الشبكة العالمية للتنظيم. أما عبد القادر مؤمن فيعد أبرز وجوه "داعش" في الصومال حالياً. وأكد توري هامينغ من المركز الدولي لدراسة التطرف، لوكالة فرانس برس، في مطلع يناير الماضي، أن مؤمن "هو الشخص الأكثر أهمية والأكثر قوة. وهو الذي يسيطر على الشبكة الدولية لداعش".
يُقدّر عدد مسلحي تنظيم داعش في الصومال بالمئات
"داعش" في الصومال
ويُقدّر عدد مسلحي "داعش" في البلاد بالمئات، ويتمركزون في جبال كال مسكاد بمنطقة باري في بونتلاند، بحسب تقديرات المجموعة الدولية للأزمات. لكن مسؤولي الأمم المتحدة والولايات المتحدة والحكومات الصومالية المحلية يعتقدون أن التنظيم يضم ما بين 300 إلى 700 عضو، يُعتقد أن نصفهم تقريباً من المقاتلين الأجانب الذين دخلوا الصومال، بحسب "ذا غارديان". بعد الضربة الأميركية في مايو الماضي، شمالي الصومال، نقلت شبكة أن بي سي نيوز الأميركية عن مسؤولين أميركيين، أن الرجل المستهدف هو مؤسس ولاية الصومال التابعة لـ"داعش"، عبد القادر مؤمن، دون تأكيدٍ بذلك. وأن المسؤولين الأميركيين ذكروا أن "داعش" الصومال يشكل "تهديداً متزايداً، مضيفين أن واشنطن "تراقب داعش-الصومال عن كثب".
وربما تتكشف في الأيام المقبلة نتيجة الضربة الأميركية الجديدة، وما إذا كانت قد قتلت هذه المرة مؤمن. لا سيما أن بيان القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، أول من أمس السبت، الذي أعلن مقتل عناصر من تنظيم داعش – فرع الصومال، جراء ضربة أميركية في الصومال استهدفت بالطيران الجوي ولاية بونتلاند، أكد أيضاً مواصلة "تقييم نتائج هذه العملية، لكنها لن تفصح عن تفاصيل محددة لضمان أمن العمليات المستمرة".
وأعلن ترامب عن تنفيذ الغارات في وقت متأخر مساء أول من أمس، مشيراً في منشور على منصته تروث سوشال إلى استهداف "قيادي في التنظيم مكلفاً التخطيط لاعتداءات"، إضافة إلى "إرهابيين آخرين جندهم وقادهم في الصومال". وحول تنفيذ ضربة أميركية في الصومال قال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، في بيان أول من أمس، إن "هذا الإجراء من شأنه أن يقلل بشكل أكبر من قدرة تنظيم داعش على التخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية التي تهدد المواطنين الأميركيين". على المقلب الآخر أكدت الحكومة المحلية في بونتلاند، في بيان أول من أمس، أن "هجمات جوية حديثة أدّت إلى تحييد قادة رئيسيين في تنظيم داعش، وهو ما يمثل تقدماً كبيراً بينما نمضي قدماً في المرحلة الثانية من عمليتنا". أما الحكومة في مقديشو، فذكرت في بيان أمس، أن العملية في منطقة باري تمّت "بتنسيق مشترك بين الحكومتين الصومالية والأميركية". (العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس، رويترز)