صوفي بيترونين... آخر رهينة فرنسية في العالم

صوفي بيترونين... آخر رهينة فرنسية في العالم

09 أكتوبر 2020
قرابة 4 سنوات من الأسر عاشتها بيترونين (مهدي فدواش/فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن صوفي بيترونين، السيدة الفرنسية البالغة من العمر 75 عاماً، تتخيل أن تتحول حياتها إلى جحيم عندما قررت افتتاح جمعية لمساعدة الأيتام والفقراء شمال مدينة غاو في مالي عام 1998، إذ لم يحمها عملها الإنساني من الاختطاف على يد جماعة تابعة لتنظيم "القاعدة" في 24 ديسمبر/كانون الأول عام 2016، لتستمر معاناتها منذ ذلك الحين حتى إطلاق سراحها ضمن صفقة متعددة، شملت الإفراج عنها إلى جانب الإيطاليين نيكولا تشياتشيو وبيير لويغي ماكالي، والسياسي المالي المعارض سومايلا سيسي، مقابل إطلاق سراح عشرات من السجناء المتشددين وفدية مالية.

قرابة 4 سنوات من الأسر عاشتها بيترونين بعيداً عن عائلتها، التي كانت تأمل كل يوم أن يطلق سراحها، فأصبح ابنها سيباستيان زائراً دائماً في مالي يبحث عن أمه، ويحاول التواصل مع التنظيم على أمل إنقاذ والدته، لكن كل تلك الأيام مرت من دون جدوى، إلى أن أعلن قصر الإليزيه، في وقت متأخر من يوم أمس الخميس، إطلاق سراحها في عملية تبادل أسرى. 

نقطة التحول

تلخص صحيفة "لوموند" سيرة آخر رهينة فرنسية معروفة في العالم بالقول إنها عملت مساعدة في مختبر طبي، ثم حصلت على تدريب طبي، وتخصصت في قضايا سوء التغذية وطب المناطق الاستوائية، وهو تخصص طبي في مجال الأمراض المنتشرة في المناطق الاستوائية.

مثّل عام 1996 نقطة تحول في تاريخ السيدة الفرنسية ذات الأصول السويسرية، حيث أقامت للمرة الأولى في مدينة غاو في شمال مالي، مدفوعة بالرغبة في مساعدة السكان لهول ما رأته من فقر ومعاناة.

بدأت بيترونين البحث عن مساعدة السكان في غاو من فرنسا، حيث أسست عام 1998 جمعية لمساعدة الأيتام في هذه المدينة، وتبعتها بتأسيس فرع سويسري للجمعية عينها. ومنذ ذلك الحين، استقرت في المدينة المالية لتدير عمل جمعيتها غير الحكومية. 

ستروي بيترونين قصتها مع المنطقة التي أثرت فيها في كتاب سيرة ذاتية بعنوان "Le Fil de lumière" (خيط الضوء).

في عام 2012، هربت خلال هجوم على القنصلية الجزائرية في غاو، شنه مسلحون، فيما تم اختطاف دبلوماسيين جزائريين. غادرت البلاد لفترة، ولكن عندما طُرِد السلفيون من شمال مالي، عادت للعيش في غاو لتكرّس نفسها لالتزامها.

ظروف الاختطاف

يوم السبت 24 ديسمبر/كانون الأول 2016 الساعة 5 مساءً، اختطفت صوفي بيترونين "من قبل رجال مسلحين في الدائرة السابعة من غاو، وهي منطقة شعبية في المدينة"، بحسب "راديو فرانس إنترناشونال". 

وقتذاك، أوضح سيدو تراوري، حاكم منطقة غاو، للإذاعة: "حسب المعلومات التي تم جمعها، فإنهم رجال مسلحون جاؤوا في شاحنة صغيرة غير مسجلة وبنوافذ مظللة". 

وقال شهود إن عملية الخطف كانت وحشية وسريعة، فيما لم يسفر البحث الذي أجرته قوات الأمن المالية عن أي نتائج، ولم يؤد ذلك إلى نتائج من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والجنود الفرنسيين في عملية برخان.

بعد الاختطاف، ظلّت الأخبار عن الرهينة، التي كانت في مطلع السبعينات من عمرها، مقطوعة لمدة ستة أشهر، ولكن في أوائل يوليو/تموز 2017 أصدرت مجموعة "نصرة الإسلام والمسلمين"- تحالف شكلته حركات إسلامية مسلحة في مالي تحت رعاية تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي- مقطع فيديو ظهرت فيه صوفي بيترونين إلى جانب خمسة رهائن آخرين. واتهمها خاطفوها بممارسة "التبشير" المسيحي تحت غطاء العمل الإنساني، وهي أنباء نفاها ابنها في مقابلة مع صحيفة "لوموند"، قال خلالها: "إنها مؤمنة. لكنها لم تحاول أبدًا تغيير دين أحد".

عملية الخطف كانت وحشية وسريعة، فيما لم يسفر البحث الذي أجرته قوات الأمن المالية عن أي نتائج، ولم يؤد ذلك إلى نتائج من قبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والجنود الفرنسيين في عملية برخان

بالإضافة إلى الدليل الأول على أنها ما تزال على قيد الحياة، ظهرت صوفي بيترونين في مقطعي فيديو آخرين في مارس/آذار ويونيو/حزيران 2018. في الأخير، تبدو السيدة الفرنسية متعبة للغاية ووجهها هزيلا. ثم ناشدت إيمانويل ماكرون، معتقدة أنه "نسي" قضيتها. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام عينه، ومن دون بث صور، تحدث الخاطفون عن "تدهور صحتها".

لا يُعرف مكان وتحت أي ظروف تم اعتقال صوفي بيترونين. يشير أول مقطع فيديو نشره خاطفوها لها في عام 2017، والذي ظهر فيه خمسة رهائن آخرين، إلى أنها قد لا تكون وحدها.

في 1 إبريل/ نيسان 2020، زعمت فرنسا أن لديها "دليلًا على حياة" صوفي بيترونين يعود تاريخه إلى أوائل مارس/آذار 2020، قبل أن تتبين صحته بعد إطلاق سراحها.

توتر العلاقات بين السلطات والعائلة

لطالما أكدت باريس على العمل على إعادة صوفي بيترونين إلى فرنسا. وفي أيار/مايو 2019، أعلن وزير الخارجية جان إيف لودريان: "نحن نحشد من أجلها". لكن طبيعة الجهود الفرنسية بشأن هذا الموضوع لا تزال غامضة. 

وفي عام 2017، أوضح متحدث باسم وزارة الخارجية أن الدبلوماسية الفرنسية تعمل "بأقصى الحذر" لـ"أسباب أمنية واضحة".

هذا الموقف لطالما شككت أسرة الرهينة فيه. وفي وقت مبكر من عام 2017، هاجم نجلها سيباستيان شادو بيترونين الدولة الفرنسية، وقال، وفق ما تنقل قناة "فرانس آنفو": "لقد اتخذوا قراراً بعدم التدخل. تخلت الحكومة عن والدتي".

وذهب الأخير مرات عديدة إلى الساحل بنفسه. في ديسمبر/كانون الأول 2018، قال إنه تمكن من "التواصل مع الخاطفين" وتلقى "عرضاً غير مسبوق وغير متوقع" منهم. الأمر الذي رفضت وزارة الخارجية، بحسب قوله، متابعته، متشككة في مصداقية وسيطه.

وفي إبريل/نيسان 2019، نشر سيباستيان كتاباً بعنوان "أمي، معركتي''، انتقد فيه بعنف موقف فرنسا، قبل أن تتمكن باريس من تحريرها أخيراً.

المساهمون