صمود ديمقراطي في تونس

صمود ديمقراطي في تونس

16 مايو 2022
تونسيون يتظاهرون ضد الانقلاب أمس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

خرج تونسيون مرة أخرى، أمس الأحد، إلى الشارع الرئيسي بالعاصمة، شارع بورقيبة، احتجاجاً على الانقلاب وتمسكاً بالديمقراطية.

ويمكن أن نقول استبسالاً في الدفاع عن التجربة الديمقراطية التونسية الوليدة، برغم كل ما قيل عن الأحزاب والبرلمان والنخبة السياسية، وبرغم كل الترذيل المستمر على مدى أشهر.

ونسميه استبسالاً، لأن كل المعاول التي استعملها الانقلاب لهدم أي خير حصل في سنوات الحرية لم تفلح، وكل محاولات التخوين لم تفلح، بل إن العكس هو الذي يحدث، حيث تتسع رقعة المعارضة بشكل واضح، بينما يتقلّص حزام المؤيدين يوماً بعد يوم.

وبحسب تأكيد أعضاء المبادرة الديمقراطية "مواطنون ضد الانقلاب"، فإن احتجاجات أمس الأحد هي التحرك رقم 15 خلال شهور الانقلاب التسعة، ما يؤكد أن هناك شارعاً ديمقراطياً حقيقياً وواقعياً ينبض بالحياة، ومصرّ على الدفاع عن مكتسبات يعتبرها مهمة، يلبي النداء في كلّ مرة، بينما فشل الانقلاب بكل وضوح في تجميع شارع يدافع عنه، رغم كلّ الإمكانات المتاحة.

ونجحت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" في تحويل احتجاجات الشارع الديمقراطي إلى مكوّن سياسي، من خلال "جبهة الخلاص الوطني" التي يقودها أحمد نجيب الشابي، ما يعني أنّها لم تكن فقط تعارض، وإنما كانت أيضاً تفكر في بديل سياسي يمكنه أن يفاوض باسم الشارع الديمقراطي، ويفكر في الحلول ويقدم مقترحاته إلى التونسيين.

وبرغم الاختلافات الفكرية الكبيرة بين مكونات "جبهة الخلاص"، والاختلافات السياسية حول تقييم أسباب الانتكاسة التونسية التي أدت إلى هذا الوضع، فإن هناك اتفاقاً واضحاً على سقف الالتقاء، وهو استرجاع الحياة الدستورية الديمقراطية كمشترك أدنى يجتمع عليه الجميع أولاً، ثم يتم التفكير فيما بعده.

ولا يعني هذا أنّ الانسجام مطلق، فلا تزال هناك اختلافات، ومكونات من المعارضة لم تتوحد بعد، حيث لا تزال تنسيقية "الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية" (التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل من أجل العمل والحريات) بعيدة عن "جبهة الخلاص"، ولها تصور مختلف لعمل المعارضة، برغم التقارب الحاصل في الفترة الأخيرة.

لكنّ مكونات كثيرة في المشهد التونسي لا تزال تتردد، ولا تعي خطورة الوقت الذي ينفد، وحجم الخسائر الممكنة إذا لم يتوحد الجميع لإيقاف هذا القطار المجنون الذي يحصد كلّ شيء في طريقه، وكأنه لا يزال هناك وقت للمناورة ومجال لحسابات ضيقة، بينما البلاد إلى الانهيار بخطى متسارعة.

لكن، برغم كلّ ذلك، فإنّ الديمقراطية التونسية لا تزال حية وتنبض، ولها شارع وناس ونخب يدافعون عنها بكل جهد، وربما تحقق نجاحاً تاريخياً، لن يكون لها فقط وإنما لكل المنطقة مرة أخرى.

المساهمون