صمت الأحزاب الجزائرية: رضوخٌ أم استقالة من الشأن العام؟

صمت الأحزاب الجزائرية: رضوخٌ أم استقالة من الشأن العام؟

12 فبراير 2022
تبدو الأحزاب مرهقة من الاستحقاقات والانتخابات المتتالية (Getty)
+ الخط -

تشهد الجزائر جموداً لافتاً في النقاشات السياسية، نتيجة غياب واضح للأحزاب، عن طرح الملفات السياسية والقضايا الاجتماعية العالقة والتطورات الاقتصادية في البلاد، على طاولة البحث، على غرار أزمة ندرة مواد التموين وملف الحريات والإعلام.

وفيما تحمّل الأحزاب المعارضة، السلطة، المسؤولية عن كبح النقاشات وغلق فضاءات الحوار السياسي، تذهب تفسيرات أخرى إلى أن الأحزاب الجزائرية نفسها تتحمل قدراً من هذه المسؤولية، بسبب ضعف هياكلها وهشاشة أدواتها النضالية، وأزمة الثقة في ما بينها، والتي تمنع أيّ تنسيق.

الأحزاب الجزائية والاستقالة من الشأن العام

وغابت في الجزائر خلال الفترة الأخيرة، الندوات والأنشطة الحزبية التي من شأنها عادة أن تحرك الساحة السياسية وتدفع بالنقاش العام إلى مستوى الظرف والمشكلات والتحديات القائمة التي تواجهها البلاد على جبهات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

يندر انعقاد المؤتمرات السياسية في الجزائر، مقارنة مع حجم التطورات والقضايا الملحة

وتبدو الأحزاب في وضع استقالة من الشأن العام، ويندر انعقاد المؤتمرات السياسية، مقارنة مع حجم التطورات والقضايا الملحة التي تهمّ الشارع الجزائري، والتي تتعلق به. وزاد من هذه الحالة إحكام السلطة قبضتها على وسائل الإعلام، وتقليصها مساحات حضور الأحزاب السياسية في النقاشات، أو لتقديم رؤية نقدية ومساءلة جدّية لأداء الحكومة والمؤسسة الرسمية، وطرح المقاربات البديلة لخيارات الحكومة.

وتنأى غالبية الأحزاب السياسية في الجزائر، وتحديداً تلك المنضوية في الحزام الحكومي، أي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"جبهة المستقبل" و"صوت الشعب" و"حركة البناء الوطني"، بنفسها عن إثارة الجدل وبحث القضايا السياسية، تجنباً لأي تشويش على السلطة.

وتبدو هذه الأحزاب حتى الآن منتشية بفوزها بالحصّة الكبرى من المقاعد في 3 استحقاقات انتخابية متتالية أخيراً، النيابية والمحلية، وانتخابات مجلس الأمة التي جرت يوم السبت الماضي، وهو ما يجعلها أقل تفاعلاً مع القضايا المطروحة، خصوصاً تلك التي يبرز فيها إخفاق واضح للحكومة، وذلك ضمن موجبات التضامن الحكومي.

وإضافة إلى الأحزاب البارزة، فإن الجزء الغالب في الأحزاب الأخرى متصل بالسلطة، وهي لا تفعّل أي نقاش سياسي يدور حول خيارات الحكومة وسياسات الشأن العام، ليقتصر نشاطها المركزي حول الاستحقاقات الانتخابية أو ممارسة "سياسة البيانات" لإظهار الدعم المستمر لتوجهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وقراراته، ولقيادة الجيش، ومن دون أن تتحرك خارج هذا الإطار.

حراك خجول ومكبّل لأحزاب المعارضة

في المقابل، يحاول عدد قليل من الأحزاب المعارضة الجزائرية، إثارة النقاش حول القضايا المستجدة، ونقد السياسات الحكومية، على الرغم من بعض التضييق وإبعادها عن الفضاءات الإعلامية.

ويأتي هذا الحراك على شاكلة ما تقوم به "حركة مجتمع السلم" وحزب "العمّال" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية"، والتي تستنزف جهدها في الدفاع عن ملف الحرّيات.

وفي كل الأحوال، تبدو السلطة السياسية في الجزائر مستفيدة من صمت الأحزاب، بل ترغب في أن يستمر هذا الوضع لفترة أطول، منعاً لأي تشويش على الخيارات التي تنتهجها في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وكان واضحاً في هذا السياق، إبعاد السلطة للأحزاب عن الخوض بشكل منتظم في أزمة ندرة المواد الاستهلاكية أخيراً، عندما سارعت إلى تشكيل لجنة تحقيق من أعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) المشكل بالكامل من الموالاة والثلث الرئاسي. وجاء ذلك لقطع الطريق على أي محاولة من الكتل النيابية في البرلمان، لتشكيل لجنة تحقيق، قد تشارك فيها الأحزاب المنفلتة عن الخط الحكومي.

3 معضلات بنيوية ترهق الأحزاب

وإضافة إلى الالتزامات السياسية مع السلطة بالنسبة لغالبية الأحزاب في الجزائر، فان ثلاثة أسباب أخرى تبدو متقاطعة، يمكنها تفسير استقالة الأحزاب من نقاش الشأن العام، ضمن تعقيدات الحالة الجزائرية.

ويندرج في سياق ذلك، ركون جلّ الأحزاب، بما فيها المعارضة، خلال الفترة الراهنة، إلى نقاهة سياسية، بعد حالة من الإرهاق نالت من هياكلها، إثر مرحلة مكثفة من الاستحقاقات الانتخابية المتلاحقة، وما أحاط بها من جدل وتدافع سياسي.

وسايرت الأحزاب أربعة استحقاقات انتخابية في غضون العامين الماضيين، بدءاً من الاستفتاء على الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إلى الانتخابات النيابية في يونيو/حزيران 2021، ثم المحلية في نوفمبر الماضي، وانتخابات مجلس الأمة، فيما استنزفت أحزاب المعارضة التي لم تشارك في الانتخابات طاقتها في متابعة ملفي الحرّيات ومعتقلي الرأي. 

السلطة أحكمت قبضتها على وسائل الإعلام، وقلّصت قدرة الأحزاب على تقديم رؤية نقدية

ويطرح الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية والنائب الجزائري السابق، محمد أرزقي فراد، سبباً ثانياً لهذا الجمود السياسي، ويخصّ الأحزاب الجزائرية نفسها، والتقاليد التي تكبل المؤسسة الحزبية. ويتحدث فراد عن رفض الأحزاب المعارضة في الجزائر، في الغالب، المغامرة بالمواقف التي تفرضها بعض الأحداث السياسية، إلى جانب العجز في تنويع أدواتها النضالية، وضعف استغلالها للفضاءات المتاحة لكسر الحواجز التي تضعها السلطة.

كما يشير الكاتب السياسي إلى مأزق الثقة بين قطاعات الأحزاب السياسية، ما يمنع وقوع أي تحالفات مرجعية وتنظيم منتديات جامعة، تتيح تغيير قواعد الممارسة السياسية في البلاد.

ويعتبر فراد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "صحيح أن هناك خيبة كبيرة أرخت بثقلها بعد نجاح المنظومة السياسية القائمة في إجهاض الحراك، وتجديد منظومة الحكم من دون السماح بتحقيق تغيير سياسي جدّي، بالإضافة إلى حدوث غلق كبير للمجالين السياسي والاعلامي أمام الرأي المخالف بطرائق رهيبة، وصلت إلى حدّ تجريم الرأي الآخر والتضييق على الأحزاب، لكن هذا لا يعفي الأخيرة من مسؤوليتها في هذا الوضع، بعدما وضعت وراء ظهرها واجب مواصلة النضال بالوسائل المتاحة، كاستغلال فضاءات المجالس المنتخبة".

لكن القيادي في حزب العمّال المعارض (يسار) جلول جودي، والذي يقرّ بوجود تراجع كبير لمستويات النقاش السياسي في الجزائر، يرفع المسؤولية عن الأحزاب الملتزمة بالمسألة الديمقراطية. ويحمّل جودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، السلطة وحدها "المسؤولية عن اختفاء النقاش السياسي، لأن النظام استغل الوباء حتى يكسر أي عملية تهدف إلى فتح النقاش الحقيقي وإيجاد الحلول المناسبة للقضايا المطروحة".

ويعتبر جودي، أنه "على الرغم من ذلك، فإن عدداً من الأحزاب، كحزب العمّال، يسعى بكل الوسائل لطرح القضايا الأساسية للنقاش، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ويعمل ضمن كتلة البديل الديمقراطي، على طرح دائم للمسائل المهمة للنقاش، وهو أيضاً نوع من المقاومة السياسية".


 

المساهمون