صفقة قمة ألاسكا... هل تُباع أوروبا مقابل هدنة في أوكرانيا؟

12 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 13:30 (توقيت القدس)
دمى روسية تقليدية بصور ترامب وبوتين معروضة للبيع في سانت بطرسبرغ، 7 أغسطس 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تراقب العواصم الأوروبية بقلق قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين، خشية استبعادها وأوكرانيا من مفاوضات قد تُعيد تشكيل خريطة الأمن الإقليمي، مما قد يؤدي إلى تكريس مكاسب روسيا وإضعاف وحدة الغرب.
- دول البلطيق وبولندا تشعر بقلق من أي تنازل عن أراضٍ أوكرانية، حيث ترى في ذلك بداية لسيناريو خطير يُعيد منطق "تغيير الحدود بالقوة"، مما يُشكل تحدياً للعلاقات عبر الأطلسي.
- بوتين يُراهن على ترامب كشريك مريح، مع تلميحات لرفع العقوبات والاعتراف بضم القرم، بينما ترفض أوكرانيا أي اتفاق لا يشملها، وسط تحذيرات من أن أي اتفاق قد يُقوض التحالف الغربي.

مع اقتراب قمّة ألاسكا بين الرئيسَين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، تراقب العواصم الأوروبية المشهد بحذر وقلق، إذ تُعد هذه القمة التي تعقد يوم الجمعة المقبل، الأولى منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وجاءت بمبادرة أميركية وسط حديث عن صفقة محتملة لوقف الحرب في أوكرانيا. غياب جدول أعمال معلن يزيد مخاوف أوروبا من قرارات تُتخذ دون مشاركتها، هذا رغم قول الاتحاد الأوروبي أمس الاثنين إنه يؤيد المساعي الأميركية.

وتدور المخاوف الأساسية حول احتمال استبعاد أوروبا وأوكرانيا من مفاوضات مصيرية، قد تسفر عن اتفاق يُغيّر موازين الصراع في أوكرانيا ويعيد تشكيل خريطة الأمن الإقليمي دون مشاركة حلفاء واشنطن التقليديين. أمر دفع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى التهكم عليه، وهو ما يُعد "السيناريو الأسوأ" بالنسبة لأوروبا والجزء الأوروبي من حلف شمال الأطلسي (ناتو)

مخاوف العزلة الأوروبية: صفقة بلا شراكة

تشعر أوروبا بأنها مستبعدة من مفاوضات ألاسكا وسط أحاديث عن صفقة قد تُفرض لاحقاً دون مشاركتها. هذا القلق تصاعد منذ فبراير/ شباط الفائت مع تسريبات عن قنوات تفاوض سرية بين واشنطن وموسكو. لا تتركز مخاوف العواصم الأوروبية على فشل القمة، بل على نجاحها على حساب أوكرانيا ودون ضمانات أمنية كافية. يخشى المسؤولون أن تؤدي الصفقة إلى تكريس مكاسب روسيا، بينما يُطلب من الأوروبيين لاحقاً تنفيذها دون دعم من حلف شمال الأطلسي أو واشنطن. هؤلاء المحللون يرون أن إقصاء أوروبا وأوكرانيا قد يُعيد رسم توازن القوى ويُضعف وحدة الغرب، ويُعزز نفوذ موسكو.

تغيير الحدود بالقوة: مخاوف من دومينو جغرافي

دول البلطيق وبولندا الأكثر قلقاً من أي تنازل عن أراضٍ أوكرانية، إذ ترى ذلك بداية لسيناريو خطير يُعيد منطق "تغيير الحدود بالقوة" لأوروبا ضمن صفقة تبيع القارة العجوز. ووصفت صحيفة ذا إيكونوميست الموقف بكلمة واحدة "كابوس"، معتبرة أن ما يحدث تغيّر استراتيجي عميق في الأولويات الأميركية. دفع ذلك قادة أوروبيين منذ فبراير/ شباط الماضي لعقد اجتماع طارئ في باريس، وسط شعور بأن واشنطن لم تعد تعامل أوروبا شريكاً متساوياً، وهو "أخطر تحدٍ للعلاقة بين الجانبين منذ الحرب الباردة"، وفق الصحيفة.

سلام مقابل الأرض: الثمن الجغرافي للمفاوضات

يُراهن بوتين، وفق مراقبين، على ترامب شريكاً مريحاً، لا سيّما أنه ألمح سابقاً خلال حملاته وتصريحاته عن استعداده لرفع العقوبات وتطبيع العلاقات، وربما الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، متجاهلاً اتهامات حليفه الأوروبي له بارتكاب جرائم الحرب. تضيف تقارير أن ترامب يلوّح بتقليل الدعم العسكري لأوكرانيا ورقةَ ضغط لإجبارها على قبول شروطه. ورغم بحث الإدارة الأميركية احتمال دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن رفض موسكو الاعتراف بشرعيته يضعف هذا الاحتمال.

ورداً على هذه التطورات، أصدرت ست دول أوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، بولندا وفنلندا) بياناً مشتركاً، ثم أصدر قادة الاتحاد بياناً، اليوم الثلاثاء، شددوا على أن خط التماس الحالي هو نقطة الانطلاق لأي مفاوضات، وأن "السلام الدائم لا يمكن تحديده دون مشاركة أوكرانيا". واعتبرت الدول أن أي انسحاب من كييف يجب أن يُقابل بانسحاب روسي مماثل، شرطاً لا يمكن التنازل عنه، كما أكدت هذه الدول في مواقفها أن أي انسحاب أوكراني من مناطق معينة يجب أن يكون متزامناً مع انسحاب روسي من مناطق أخرى.

زيلينسكي: الأرض ليست ورقة تفاوض

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفض بشدة أي مسار تفاوضي لا يشمل بلاده. وكتب عبر منصة إكس: "أي قرارات تُتخذ من دون أوكرانيا تُعد قرارات ضد السلام، ولن تُحقق شيئاً". وشدد بالقول: "لن نسلم أرضنا للمحتل". زيلينسكي رحّب بالجهود الدولية لإنهاء الحرب، لكنه شدد على أن أي اتفاق سلام يجب أن يكون مستداماً، ويقوم على بنية أمنية موثوقة، لا على تنازلات قسرية تُكرّس الاحتلال وتُكافئ العدوان.

أوروبا تُناور بمقترحات وتخشى الانقسام

رغم تأكيد الاتحاد الأوروبي، أمس الاثنين، دعمه لمساعي واشنطن للسلام في أوكرانيا، فإنّ "الوحدة عبر الأطلسي" تواجه اختباراً صعباً، وكذلك مع تباين المواقف داخل أوروبا، إذ يفضّل بعض القادة، كفيكتور أوربان، والسلوفاكي روبرت فيكو، وآخرون التقارب مع روسيا ويبدون قرباً من واشنطن أكثر من بروكسل. ويرى مراقبون أنّ بوتين يُراهن على ترامب شريكاً مريحاً يمكنه تجاوز المعايير الأوروبية الصارمة والمطالب الأوكرانية. أما الكرملين فيرى القمة فرصة لفرض تسوية تُكرّس مكاسبه، وترويجه "الواقعية السياسية" لإنهاء الحرب على أساس شرعنة السيطرة على القرم ودونباس، ومنع انضمام أوكرانيا إلى "ناتو".

قدمت القوى الأوروبية الكبرى مقترحاً بديلاً يركّز على وقف شامل لإطلاق النار وضمانات أمنية طويلة الأمد لأوكرانيا، وسط تحذيرات من أن وقف إطلاق نار هشاً قد يخدم روسيا ويُقيّد قدرة أوكرانيا على الرد، بحسب مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس. وتحذر دول البلطيق من أن استبعاد أوروبا وأوكرانيا من أي اتفاق يمثل "بيعاً للقارة" لموسكو، ويهدد وحدة الغرب بحسب موقع "يوروب بروسبكت"، خاصة مع قلق "ناتو" والاتحاد الأوروبي من أن الصفقة قد تقوض التحالف الغربي إذا خرجت بقرارات مفاجئة وغير منسقة.

ويخشى هؤلاء من أن يُشكّل الاتفاق المرتقب إسفيناً، بحسب ما يحذر البعض، في العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، وهو هدف استراتيجي لطالما سعى إليه بوتين. تتقاطع هذه التحذيرات مع تقارير إعلامية قبيل قمة ألاسكا تشير إلى إمكانية تضرّر علاقة أوروبا وأميركا، إذا ما استبعدت القارة من أي اتفاق.

تفاؤل حذر

وسط القلق الأوروبي، عبّر رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عن أمل حذر، قائلاً إنّ "الحرب قد لا تنتهي الآن، لكن تجميدها قد يكون أقرب من المتوقع". تصريحه يُلخص المزاج الأوروبي: تفاؤل حذر بأن تُحقق قمة ألاسكا تهدئة، شرط ألّا تُكرّس الاحتلال أو تُقوّض أمن القارة.

المساهمون