صعود "داعش" في أفريقيا... الفراغ الأمني والصراعات عوامل مساعدة

25 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
جندي نيجيري في ولاية بورنو، 5 يوليو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد منطقة الساحل وغرب أفريقيا تصاعدًا في الهجمات من جماعات متشددة مرتبطة بـ"داعش" و"القاعدة"، مستغلة ضعف القوات الأمنية والصراعات الداخلية في دول مثل نيجيريا ومالي وبوركينا فاسو.
- مع انسحاب القوات الأجنبية، تتنافس الجماعات المتشددة للسيطرة على الأراضي، مما أدى إلى زيادة العنف في بوركينا فاسو ومالي، حيث تمثل المنطقة 43% من وفيات الإرهاب عالميًا.
- أصبحت أفريقيا مركزًا لتنظيم "داعش"، مستغلاً هشاشة الأنظمة والانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مما أدى إلى فجوة أمنية وحرية أكبر للجماعات الجهادية.

من نيجيريا إلى مالي وبوركينا فاسو وتوغو يبدو المشهد واحداً، هجمات مكثفة تشنها جماعات متشددة، بعضها محسوب على تنظيم "داعش" وبعضها الآخر على "القاعدة"، مستفيدة من ضعف القوات الأمنية في المناطق الحدودية خصوصاً، ومن الصراعات الداخلية والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول.

ومع توالي سحب القوات الأجنبية من دول في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، يحتدم التنافس والصراع بين الجماعات المتشددة للسيطرة على مناطق مختلفة في هذه الدول. وتواجه القوات المسلحة النيجيرية ضغوطاً متزايدة بسبب تعدد جبهات القتال، إذ تحارب عناصر بوكو حرام وجماعات متطرفة أخرى في الشمال الشرقي من البلاد، إلى جانب قطاع الطرق في الشمال الغربي، وهجمات الرعاة في الوسط، فضلاً عن الانفصاليين في الجنوب الشرقي.

وأعلنت القوات الجوية النيجيرية، في بيان أول من أمس السبت، أنها قتلت أكثر من 35 متشدداً في غارات على "إرهابيين" تجمعوا قرب الحدود مع الكاميرون بعد محاولتهم شن هجوم على قوات برية. ووفقاً للمتحدث باسم القوات الجوية إهيمين إيجودامي فقد شُنَّت الغارات على أربعة أهداف في منطقة كومشي بولاية بورنو، بالقرب من الحدود مع الكاميرون. وتأتي هذه العملية في إطار حملة مكثفة في الشمال الشرقي للبلاد لمواجهة المسلحين، حيث قال الجيش، في بيان أخيراً، إنه قتل 592 من أفراد المليشيات المسلحة خلال ثمانية أشهر. وفيما لم تحدد القوات الجوية لأي جماعة يتبع المسلحون، فإن من المعروف أن جماعة بوكو حرام تسيطر على غالبية ولاية بورنو شمال شرقي البلاد. وكانت "بوكو حرام" قد حملت السلاح في عام 2009 في شمال شرق البلاد، وهي تشن هجمات على القوات الأمنية أو المدنيين. كذلك فإن مجموعة منشقة، تعرف باسم "تنظيم داعش ــ ولاية غرب أفريقيا"، أو "إيسواب"، معروفة باستهداف الجيش، وقد اجتاحت قواعد في شمال شرق نيجيريا. كذلك امتد الصراع إلى جيران نيجيريا الشماليين، بما في ذلك النيجر، وأدى إلى مقتل حوالى 35 ألف مدني وتشريد أكثر من مليوني شخص آخرين، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة مطلع العام الحالي.

تنشط جماعات مرتبطة بتنظيمي "داعش" و"القاعدة" على الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر

وفي مالي، التي وقع فيها انقلاب عسكري في عام 2020، والتي انسحبت منها القوات الفرنسية بشكل كامل في 2022، أعلن الجيش، في بيان الأربعاء الماضي، أن أكثر من 149 جندياً قتلوا في هجمات منسقة في عدة مناطق في أنحاء البلاد، مشيراً إلى أن مسلحين من "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة هم من نفذوا هذا الهجوم. وقالت منظمة "سايت إنتليجنس غروب" غير الحكومية التي مقرها الولايات المتحدة وتتعقب التقارير عبر الإنترنت التي ينشرها المتشددون إن مسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة قتلوا 21 جندياً خلال هجمات منسقة في مالي الثلاثاء الماضي، فيما أعلنت الجماعة أنها احتجزت جنديين وصادرت 15 مركبة عسكرية وأكثر من 50 قطعة سلاح خلال عملية "واسعة النطاق" في منطقة سيجو، وهي مركز استراتيجي في جنوب وسط مالي، التي تشهد اشتباكات متكررة بين جماعات متشددة والقوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها.

نشاط "داعش" و"القاعدة"

وفيما تنشط جماعات مرتبطة بتنظيمي "داعش" و"القاعدة" على الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، نقل المتشددون المعركة إلى جبهة أخرى، هي توغو، عبر تكثيف هجماتهم عبر الحدود من بوركينا فاسو منذ بداية العام الحالي. والمتشددون الذين ينتقلون من بوركينا فاسو إلى دول بنين وتوغو وغانا هم غالباً عناصر من جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى. وقال وزير الخارجية في توغو، روبرت دوسي، أخيراً، إن المتشددين قتلوا 62 شخصاً منذ يناير/كانون الثاني الماضي، أي أكثر من ضعف الوفيات التي سجلتها الحكومة في 2023 بأكمله.

مؤشر "الإرهاب العالمي": غالبية الوفيات عالمياً في الساحل

وفي عام 2024، شهدت بوركينا فاسو أكبر عدد من الوفيات من أي بلد في العالم بسبب "الإرهاب" للعام الثاني على التوالي، حيث سقط 1532 ضحية من إجمالي 7555 ضحية في جميع أنحاء العالم، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي الذي ينشره معهد الاقتصاد والسلام. وتمثّل منطقة الساحل (وسط وغرب أفريقيا) 43 بالمائة من وفيات الإرهاب عالمياً، وفقاً لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي في 2023، ويتركّز 87% من العنف في بوركينا فاسو ومالي.

أفريقيا المركز العالمي لتنظيم "داعش"

وذكر مركز أبحاث "جيوبوليتيك مونيتور" الأميركي، في تقرير نشره في 19 أغسطس/آب الحالي، بعنوان: "شبح الخلافة: كيف أصبحت أفريقيا المركز العالمي لتنظيم داعش"، أنه "في حين أن الاهتمام العالمي يركز على حرب أوكرانيا، والتوترات في غزة، والتنافس المستمر بين القوى العظمى، نفذ تنظيم داعش أحد أنجح التحولات الاستراتيجية في الجهادية الحديثة، فقد تحول من منظمة مركزية إلى مجموعة فتاكة ومستقلة في أفريقيا". وأضاف: "أدت خسارة تنظيم داعش للأراضي في الشرق الأوسط إلى حدوث طفرة في الجماعة، حيث تحولت للعمل عن بعد. توفر القيادة الأساسية لتنظيم داعش الاسم المميز والتوجه الأيديولوجي والعمليات الدعائية والإعلامية، لكن الولايات تعمل بشكل شبه كامل من خلال الاستقلال التشغيلي والمالي".

وأضاف المركز: "أظهر هذا الجهاز قدرة لا تصدق على التكيف، حيث يعمل على إعادة توليد قادته"، موضحاً أنه "بينما تركزت غالبية هجمات داعش في 2017 في العراق وسورية، فإن الإحصائيات اليوم تظهر أن 90% من جميع الهجمات الإرهابية التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها على مستوى العالم تحدث الآن على الأراضي الأفريقية، وهو مؤشر على مرحلة ناشئة حديثاً من الحرب على الإرهاب". واعتبر المركز أن "نجاح داعش في أفريقيا ليس من قبيل الصدفة. إنه يستغل نظاماً هشاً. وبالإضافة إلى شنه الهجمات، فإنه يعمل على توفير حكم بديل (مثل الضرائب وإقامة العدل). في المقابل، فإن داعش في الصحراء الكبرى أكثر وحشية، وقد نجح في استغلال الديناميكيات العرقية بين مختلف المجتمعات الزراعية والرعي في عملية التوسع عبر مالي وبوركينا فاسو والنيجر".

وأضاف المركز: "لقد غيرت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر المشهد الأمني في منطقة الساحل بشكل جذري، حيث طردت المجالس العسكرية الجديدة، القوات الفرنسية والأوروبية التي كانت تقود في السابق عمليات مكافحة الإرهاب، والشركاء الجدد هم مرتزقة روس من مجموعة فاغنر. لم يخلق هذا فجوة أمنية فحسب، بل أعاق التعاون الدولي، ما سمح للجماعات الجهادية بحرية أكبر في العمل والتوسع".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)