صرخة فلسطينيين بريطانيين من لندن: أوقفوا تجويع عائلاتنا في غزة
استمع إلى الملخص
- وصفت سارة الحسيني الوضع في غزة بأنه مجاعة مصنوعة، وانتقد النائب ستيف ويذردين غياب الشفافية في صادرات السلاح البريطانية، مطالبًا بتعليقها ونشر تقارير علنية.
- تحدث أمجد الشوا عن تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، مشيرًا إلى تدمير المنظومة الصحية وتجويع السكان، وانتقد تقاعس المجتمع الدولي.
دعت اللجنة البريطانية الفلسطينية ومنظمة "مجتمع غزة" في المملكة المتحدة، الخميس، إلى التدخل العاجل لوقف سياسة التجويع المتعمد التي تمارسها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة. وخلال مؤتمر صحافي، سرد فلسطينيون بريطانيون شهادات مؤثرة عن المعاناة التي يعيشها ذووهم تحت الحصار والقصف المستمر منذ نحو عشرين شهرًا، وطالبوا الحكومة البريطانية باتخاذ إجراءات ملموسة تشمل وقف الدعم العسكري والدبلوماسي لإسرائيل. وشارك في المؤتمر، عبر تقنية الاتصال المرئي، عاملون في المجال الإنساني وقادة مجتمع من داخل غزة، إلى جانب أطباء يعملون حاليًا أو عادوا مؤخرًا من القطاع، حيث نقلوا مشاهداتهم عن الأوضاع الصحية والإنسانية المتدهورة.
وقالت سارة الحسيني، مديرة اللجنة البريطانية الفلسطينية، إنّ "ما نشهده في غزة ليس أزمة إنسانية ناجمة عن كارثة طبيعية، بل مجاعة مصنوعة ومفروضة عمدًا من قبل القوات الإسرائيلية". وأكدت أن الحكومة البريطانية ليست مجرد متفرج، بل شريك فاعل عبر صفقات السلاح والعلاقات السياسية رغم وجود أدلة واسعة على وقوع جرائم حرب. وشددت الحسيني على أن ما يحدث في غزة يترك أثرًا مباشرًا على المجتمع الفلسطيني في بريطانيا الذي يشعر بالعجز والألم بينما يُباد أقاربه على مرأى العالم.
وفي مداخلة عبر الإنترنت، وصف النائب العمالي ستيف ويذردين ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية مستمرة"، محذرًا من أن إسرائيل قد تواصل العدوان حتى تُراق آخر قطرة دم فلسطيني، إن لم تُردع. وقال إنه طالب خلال جلسة برلمانية بتعليق فوري لصادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل، متهماً الحكومة بالتقاعس عن واجبها الأخلاقي والقانوني، متسائلًا: "من يحاسبها على تواطؤها في جرائم الحرب؟". وانتقد ويذردين غياب الشفافية بشأن صادرات السلاح، داعيًا إلى نشر تقارير علنية عن التراخيص، وتساءل: "هل كانت الحكومة ستتسامح مع هذا الدمار لو كان المدنيون البريطانيون هم الضحايا؟". وأكد عزمه على توجيه رسالة رسمية إلى الوزير المعني لمساءلته، مشيرًا إلى استمراره في الضغط حتى تتحمل الحكومة مسؤوليتها، ومشيدًا بالاحتجاجات التي شكّلت "خطًا بشريًا أحمر" حول البرلمان.
من جهته، قدّم باسم فرج الله، عضو "مجتمع غزة في المملكة المتحدة"، شهادة مؤثرة عن المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع، وانعكاسها اليومي على حياة ذويهم في بريطانيا. وأوضح أن معظم أبناء الجالية لديهم أقارب من الدرجة الأولى في غزة، ويعيشون في خوف دائم على مصير أحبائهم. وقال: "إذا استمر هذا الجوع، فلن تنجو عائلاتنا لأسبوع أو حتى لأيام". وروى فرج الله كيف يخرج قريبه يوميًا بحثًا عن طعام لأسرته، لكنه قبل أيام عاد باكيًا لأنه لم يجد ما يسد به جوع أطفاله. كما تحدّث عن شقيقته المصابة بالسكري وارتفاع الضغط، والتي تعيش على الخبز فقط. وناشد الحكومة البريطانية بفرض حظر شامل على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وتطبيق عقوبات سياسية واقتصادية، وضمان دخول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، ومحاسبة كل المتورطين في هذه الجرائم.
وتحدّث أمجد الشوا، مدير الشبكة الفلسطينية للمنظمات في غزة، مسلطًا الضوء على البُعد الإنساني الكارثي للأوضاع في القطاع، ليس فقط من زاوية المجاعة، بل من زاوية استهداف المدنيين والمنشآت الصحية بشكل مباشر. وقال: "نعم، ينبغي أن نتحدث عن المجاعة"، مشيرًا إلى وجود مؤشر خطير على تدمير المنظومة الصحية. وأوضح أن أكثر من 80% من المستشفيات أصبحت خارج الخدمة، فيما الـ20% المتبقية تعمل جزئيًا وسط نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
وأشار الشوا إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، منذ اليوم الأول للحرب، اتخذت قرارًا واضحًا بتجويع غزة عبر منع دخول الغذاء والدواء والوقود والكهرباء والماء، واصفًا ذلك بـ"الخنق الكامل للحياة". وتطرق إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في يناير/كانون الثاني، موضحًا أنه سمح بدخول نحو 600 شاحنة مساعدات يوميًا، وهو رقم ضئيل جدًا في ظل الدمار الواسع للبنية التحتية. وأوضح أنه بعد انهيار الهدنة في 2 مارس/آذار، "لم يدخل إلى غزة أي شيء على الإطلاق". وتحدّث عن توقف إنتاج الدقيق، الغذاء الأساسي للغزيين، في منتصف إبريل/نيسان تقريبًا، مشيرًا إلى أنه بات "في يد قلة" وفقدت معظم الأسر القدرة على شرائه. وانتقد الشوا تقاعس المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، محليًا ودوليًا، عن مواجهة حجم الكارثة.
من جانبه، قال أحمد أبو رزق، مؤسس "عقول غزة العظيمة"، وهي مبادرة لتعليم الأطفال في الخيام والمباني المدمرة، إن سكان غزة يخوضون معركتين في آنٍ واحد: "معركة ضد الجوع، وأخرى ضد القصف والدمار". وأشار إلى مبادرات المعلمين الذين واصلوا تدريس الأطفال رغم الظروف، وقال: "افتتحنا مدارس مؤقتة في الخيام والمنازل، فقط لنُشعر الأطفال بأنهم ما زالوا يستحقون التعليم والحياة". ولفت علي موسى، وهو فلسطيني بريطاني، إلى الألم النفسي العميق الذي يعيشه سكان غزة، حتى باتوا لا يعرفون متى يُسمح لهم بالبكاء أو الحديث. ووجّه رسالة إلى أهله في غزة: "نحن هنا من أجلكم، ولن نترككم أبدًا. وجودكم رغم كل شيء يمنحنا الإيمان بأن الحقيقة لا تزال حية وسط العاصفة". وأكد أن الفلسطينيين "لا يحبون الموت بل الحياة".
ومن غزة، تحدّثت هند، شقيقة علي موسى، من داخل منطقة على بُعد أمتار من مواقع أمر جيش الاحتلال بإخلائها، وقالت: "نحن نختنق وسط الاكتظاظ، وإذا طُلبت منا المغادرة، فلا أعلم إلى أين سنذهب. نحن نتضوّر جوعًا، ولا أحد يستطيع فعل شيء". وأضافت: "نقدّر بيانات التضامن، لكنها لا تكفي. ما يحدث هو إبادة جماعية، والعالم لا يمكنه الاكتفاء بالمراقبة. يجب أن تتحركوا، أن تضغطوا على حكوماتكم لوقف تمويل آلات القتل".
من جانبه، قال الطبيب النفسي المقيم في غزة مصطفى الأشقر: "أنا طبيب نفسي، لكن أهل غزة ليسوا مرضى نفسيين، بل هم محاصرون في عالم مريض. الاحتلال هو المرض. الإبادة الجماعية هي المرض. وصمت العالم عنها مَرَض مريع". وأوضح أن أهل غزة لا يتحدثون عن مشاعرهم، ليس لأنهم لا يشعرون، بل لأن الحديث عن المشاعر ترف لا يمكن تحمّله في جحيم يوميّ. وناشد الحكومة البريطانية أن تُسمي ما يحدث بوصفه "إبادة جماعية"، وأن تطالب بوقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال، ليس فقط بالكلمات، بل بالفعل.
كما تحدّثت جراحة التجميل والترميم روسيل موهريج، التي زارت غزة مرارًا، قائلة: "على مدار العشرين شهرًا الماضية، تراكمت لدينا الأدلة والشهادات والصور، ما يكفي أخلاقيًا وقانونيًا لإنهاء هذه المجزرة، ومع ذلك، ما زالت مستمرة". وأضافت: "كنت أعتني في الغالب بالأطفال، بأطراف مبتورة، بحروق وجروح لا يجب أن يتحملها أي طفل على وجه الأرض. المستشفيات هناك مثقلة بما يتجاوز الخيال". وأشارت موهريج إلى أن الأطباء كانوا يُجبرون على اتخاذ قرارات مستحيلة، ويُجرون العمليات من دون صور أشعة أو مضادات حيوية أو ضمادات معقمة. وقالت: "بترنا أطرافًا بأدوات غير مخصصة، وعالجنا الجروح بمواد طبخ مثل الخل للتعقيم". أما وفاء شملخ، وهي أم بريطانية فلسطينية ومترجمة طبية وناشطة في المجال الإنساني، فقالت: "نحن بشر لدينا عائلات وثقافة وأحلام... نحب بشدة، ونقاوم التجريد من إنسانيتنا بشراسة. لذلك أسألكم: بأي حق تختزلوننا إلى أرقام؟". وسألت الحكومة البريطانية: "كم طفلًا آخر يجب أن يموت قبل أن تتحرّكوا؟ كم أمًّا أخرى يجب أن تدفن أبناءها؟".