صرخة جماهير العالم... هدف موجع في مرمى الاحتلال الصهيوني

24 نوفمبر 2024
جماهير باريس سان جيرمان ترفع لافتة "فلسطين حرة"، 6 نوفمبر 2024 (إبراهيم عزت/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التضامن الشعبي العالمي مع فلسطين تجاوز الحدود العربية ليصل إلى الساحة الدولية، حيث أظهرت الشعوب موقفًا مغايرًا عن حكوماتها الداعمة لإسرائيل، مما يعكس تناقضًا مع القيم المعلنة لتلك الحكومات.

- ملاعب كرة القدم أصبحت ساحة للتضامن مع فلسطين، حيث عبر مشجعو فرق عربية وأوروبية عن دعمهم رغم محاولات القمع، مما يبرز دور الرياضة في التعبير عن الهوية والانتماء.

- التظاهرات التضامنية واجهت تحديات من السلطات، مثل فرض غرامات ومنع الأعلام، لكن الجماهير استمرت في دعمها، مما يثير تساؤلات حول قدرة الحكومات على إسكات الأصوات.

لم تقتصر حالة التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية في ظلّ حرب الإبادة الجماعية التي يقترفها جيش الاحتلال الصهيوني في قطاع غزّة منذ أكثر من سنةٍ، على حدود المنطقة العربية، بل تجاوزتها إلى آفاق الساحة الدولية، حيث عبرت مختلف شعوب العالم عن موقفٍ مغايرٍ عن موقف حكوماتها الداعمة للكيان الإسرائيلي دعمًا غير مشروطٍ، عكس تناقضًا حادًا مع ما تدعيه تلك الحكومات من قيم العدالة، والحرية.

أثبتت التظاهرات في مختلف العواصم العربية والغربية والعالمية، تضامنًا مع قطاع غزّة المقاوم، مدى أهمّية "طوفان الأقصى"، الذي نفذته المقاومة الفلسطينية إثر عقودٍ من الاضطهاد، والتجويع، والحرمان، في أكبر سجنٍ مفتوحٍ شهده تاريخ البشرية. باختصار، أعادت العملية الاعتبار للقضية الفلسطينية، وحملت مختلف شعوب الأرض على الخروج عن صمتها في مواجهة حكوماتها المتواطئة مع نظامٍ عسكريٍ احتلاليٍ إحلاليٍ، يعبر عن أبشع درجات العنصرية.

لم تقتصر التظاهرات على الشوارع التي خرج إليها عشرات الآلاف نصرةً للقضية الفلسطينية وتنديدًا بالاحتلال الصهيوني، بل امتدت أيضًا إلى ملاعب كرة القدم، حيث عبر مشجعو فرقٍ عربيةٍ، ولاتينيةٍ، بل وحتّى أوروبيةٍ عن دعمهم الكامل للشعب الفلسطيني، ولقضيته العادلة، رغم محاولات الحكومات الغربية الشرسة لقمع هذا التعبير التضامني في ملاعبها، إذ عمدت كثيرٌ من عواصم القارة العجوز إلى منع رفع العلم الفلسطيني في بعض المباريات، إضافةً إلى فرض غراماتٍ ماليةٍ على بعض الأندية، وغير ذلك من ممارساتٍ تقوض حرية الرأي والتعبير لصالح عسكر الخزر!

رفع مشجعو نادي "باريس سان جيرمان"، خلال مباراة فريقهم ضدّ "أتلتيكو مدريد" في العاصمة الفرنسية باريس، لافتةً عملاقةً كتب عليها: "الحرية لفلسطين"

تكمن أهمّية انتقال تظاهرات التضامن مع القضية الفلسطينية إلى ملاعب كرة القدم، الرياضة الأكثر شهرةً على الإطلاق، في قوة تأثير ما يخلفه الطرح السياسي في أوساط عشاق هذه اللعبة المأججين عاطفيًا، ما يعني ببساطةٍ إمكانية التحشيد والتعبئة لصالح القضية بطريقةٍ مكثفةٍ وفعالةٍ، وهو ما يفسر فزع حكومة الاحتلال الصهيوني مما شهده الدوري الأوروبي من نصرة جماهيرٍ عدّةٍ لفلسطين وقضيتها، وتنديد هذه الجماهير بالجرائم الإسرائيلية، التي تجاوزت حدود قطاع غزّة إلى لبنان وغيره.

جدلية الرياضة والسياسة

ارتبطت كرة القدم منذ نشأتها بالسياسة، لذا فإنّ الحديث عن فصل هذه الرياضة عن السياسة محض وهمٍ لا علاقة له بمعطيات الواقع، فلطالما ارتبطت هذه اللعبة، تاريخيًا، بمسائل الانتماء، والاصطفاف، والتعبير عن الهوية. كما استخدمت من قبل الساسة في مختلف المحطات التاريخية، إما في سياق استقطاب الجماهير وإما في إلهائها. في المقابل، لطالما وجدت الجماهير في المباريات الكبرى فرصةً للتعبير عن ذاتها، سواء في مواجهات فساد حكوماتها، أو في سياق نصرة القضايا الإنسانية العادلة.

تتشابك مختلف المجالات المتعلقة بالحياة والممارسات الإنسانية تشابكًا بالغ التعقيد، ما يجعل أيّ محاولةٍ للفصل القاطع بين أيّ مجالين مجرد ضربٍ من ضروب العبث، فالجماهير التي تذهب إلى الملاعب، لتشجيع فريق ما، تعبر عن ميولها العاطفية والاجتماعية، التي يستحيل فصلها تمامًا عن رغباتها السياسية، ومكنوناتها الإنسانية.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

كما تجدر الإشارة إلى أنّ لعبة كرة القدم ليست مجرد وسيلةٍ ترفيهيةٍ، بل عملٌ تجاريٌ "بزنس"، تنخرط فيه مختلف المافيات العالمية، وتنفق من أجله الملايين، التي تدر أرباحًا تسبب محاولة إحصائها صداعًا مزمنًا! وكذلك تتسابق مختلف دول العالم لاستضافة أيّ حدثٍ رياضيٍ متعلق بهذه اللعبة، ليس من أجل تجميل الصورة الوطنية على المسرح الدولي فقط، بل أيضّا من أجل التنمية الاقتصادية وجذب الأموال. ثمّ إنّ الحديث عن فصل الرياضة عن السياسة كالحديث عن فصل السياسة عن الاقتصاد! باختصارٍ، كلا المجالين يؤثر كل منهما بالآخر تأثيرًا بالغ الأهمّية، ولا يمكن فهم محاولة الفصل بينهما إلّا في سياق ألاعيب التضليل.

صرخة الملاعب

منذ بدء العملية البطولية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة حماس في مستعمرات غلاف غزّة شبه العسكرية، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تردد صدى التضامن والتأييد عبر ملاعب كرة القدم في دول المغرب العربي، وكانت فاتحته أنشودة "رجاوي فلسطيني"، التي رددها عشاق نادي الرجاء البيضاوي المغربي، وهي الأنشودة الشهيرة ذاتها التي عبر من خلالها هذا "الألتراس" عن دعمه الكامل وغير المشروط للقضية الفلسطينية عام 2019.

أما في بلد المليون شهيد، فقد رفع مشجعو نادي المولودية الجزائري لافتةً ضخمةً لملثمٍ فلسطينيٍ كتبت عليها: "المولودية الثورية فداك يا أرض الثوار"، وذلك بعد نحو شهرٍ من تنفيذ تلك العملية، التي أفضت تداعياتها إلى إعادة طرح القضية الفلسطينية على الساحة الدولية بقوّةٍ بالغة التأثير.

تكمن أهمّية انتقال تظاهرات التضامن مع القضية الفلسطينية إلى ملاعب كرة القدم، الرياضة الأكثر شهرةً على الإطلاق، في قوة تأثير ما يخلفه الطرح السياسي في أوساط عشاق هذه اللعبة

بعد أكثر من سنة على "طوفان الأقصى"، وتداعيات تلك العملية، المتمثّلة بجرائم الاحتلال الهمجية، لا تزال ملاعب كرة القدم تعبر عن التعاطف العربي والأممي مع فلسطين، وعن الدعم الصريح للقضية الفلسطينية. تمثّلت آخر تجليات هذه النهضة الشعبية الكروية العالمية في موقف جماهير نادي سلتيك الأسكتلندي، الذين لوحوا بالأعلام الفلسطينية خلال مبارياتٍ عدّةٍ في دوري أبطال أوروبا في الآونة الأخيرة.

عبثية إسكات الجماهير

فرض الاتّحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا"، الذي يحكمه جلاوزة "البزنس"، غرامة على نادي سلتيك الأسكتلندي، بلغت قيمتها 15 ألف جنيه إسترليني (19 ألف دولار)، بعد إصرار جماهيره على رفع علم فلسطين خلال مباراة دوري أبطال أوروبا ضدّ نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، في الخامس من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

بعد ذلك بيومٍ واحدٍ، رفع مشجعو نادي "باريس سان جيرمان"، خلال مباراة فريقهم ضدّ "أتلتيكو مدريد" في العاصمة الفرنسية باريس، لافتةً عملاقةً كتب عليها: "الحرية لفلسطين"، وتضمنت صورةً لقبة الصخرة، إضافةً إلى صورة طفلٍ يحمل العلم اللبناني، وذلك قبل ثمانية أيّامٍ من مباراةٍ جمعت المنتخب الفرنسي بنظيره الإسرائيلي في باريس، ضمن التصفيات المؤهلة إلى بطولة الأمم الأوروبية.

أما الحدث الأكثر أهمّية، فهو ما شهدته العاصمة الهولندية أمستردام، في السابع من الشهر الجاري، إذ نال مشجعو فريق مكابي تل أبيب ما يستحقونه على يد الجالية المغاربية، إثر ترديدهم لهتافاتٍ عنصريةٍ استفزازيةٍ، ومحاولة إزالة العلم الفلسطيني عن شرفات الأبنية. تمثلت أحد الردود البوليسية الغربية على ذلك الحدث في تصريحات محافظ شرطة باريس، لوران نونييز، والتي أكد فيها أنه سيتم تعبئة نحو 4000 عنصرٍ من جهازي الشرطة والدرك، خلال مباراة المنتخب الإسرائيلي ونظيره الفرنسي، مؤكدًا في السياق ذاته منع رفع الأعلام الفلسطينية داخل الملعب. لكن هل فعلاً يمكن للحكومات الغربية الداعمة للعنصرية والاحتلال إسكات أصوات الملاعب؟!

المساهمون