استمع إلى الملخص
- جبهة الخلاص الوطني المعارضة أعربت عن استيائها، معتبرة الأحكام انتقاماً سياسياً وتوظيفاً للسلطة، مشيرة إلى تدهور القضاء بعد حل المجلس الأعلى للقضاء.
- سياسيون أكدوا تبعية القضاء للسلطة التنفيذية، مما يثير قلقاً حول استقلاليته ويدفع نحو انغلاق سياسي، مع غياب شروط المحاكمة العادلة.
أكد سياسيون في تونس أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية، أمس الأربعاء، في ما يُعرف بقضية "أنستالينغو"، ضد عشرات السياسيين المعارضين، قاسية وصادمة، وتمثل خيبة أمل كبرى في مسار التقاضي، وستزيد من تأزيم المشهد السياسي في البلاد. وشركة أنستالينغو هي شركة مختصة في صناعة المحتوى الإعلامي، أُثيرت حولها تحقيقات شملت شخصيات سياسية، وأمنية، ومدونين، وصحافيين، وُجهت إليهم تهم الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة، وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً، وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي، وارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة، والاعتداء على أمن الدولة الخارجي، ومحاولة المس بسلامة التراب التونسي.
وفي بيان لها مساء أمس الأربعاء، قالت جبهة الخلاص الوطني المعارضة، إنها تلقت "ببالغ الاستياء والاستنكار، الحكم الصادر عن الدائرة الجنائية الثانية بالمحكمة الابتدائية بتونس بإدانة وسجن عدد من المدونين والسياسيين والأمنيين في القضيّة المعروفة بقضية أنستالينغو". وقالت الجبهة إن "القضاء التونسي يعيش أحلك فتراته بعد حل المجلس الأعلى للقضاء، وحملة الإعفاءات، وتسيير القضاء الوظيفة بمذكّرات العمل الصادرة عن وزيرة العدل (ليلى جفال)".
واعتبرت الجبهة "هذه الأحكام التي بلغ مجموعها أكثر من 760 سنة، مؤشراً على أن موسم المحاكمات السياسية يعكس رغبة في التشفي والانتقام، توظف فيها السلطة الملفات القضائية الملفقة". وأدانت الجبهة "بأشد العبارات الحكم على رئيس البرلمان المنتخب ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بـ22 سنة سجناً دون أي أساس واقعي أو قانوني بحجة أن موقعه في الحزب وفي الدولة يجعله مطلعاً بالضرورة على مثل هذه الملفات". ونبّهت الجبهة إلى أن "هذا الحكم الظالم قد يكون مؤشراً إلى توجه السلطة التنفيذية، المسؤولة واقعياً عن إدارة الوظيفة القضائية، إلى المرور من الانتقام والتشفي من معارضيها إلى شكل من التطهير السياسي غير المسبوق".
ويضم الملف 48 متهماً، من بينهم رئيس الحكومة الأسبق هشام المشيشي الذي حوكم بـ35 سنة سجن، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي حوكم بـ22 سنة وخطية قدرها 80 ألف دينار، و34 سنة لصهره ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، و35 سنة للقيادي السابق في "النهضة" لطفي زيتون، و25 سنة لسمية الغنوشي (ابنة الغنوشي)، و35 سنة لمعاذ الغنوشي (ابنه) و28 سنة لمدير شركة أنستالينغو هيثم الكحيلي، و54 سنة لمؤسس الشركة سالم الكحيلي، و38 سنة لشقيقه يحيى الكحيلي. كما قضت المحكمة بـ13 سنة للقيادي في حركة النهضة سيد الفرجاني، مع 50 ألف دينار غرامة، ومصادرة أملاكه.
وصدر حكم ضد وزير الاستثمار والتعاون الدولي سابقاً، رياض بالطيب بـ8 سنوات، و8 سنوات للمدير المركزي الأسبق للاستعلامات توفيق السبعي، والمدير العام السابق لقناة الجزيرة وضاح خنفر بـ35 سنة سجن، و12 سنة سجن في حق المدون سليم الجبالي، و5 سنوات سجن في حق الصحافية شذى حاج مبارك، و6 سنوات سجن في حق المدون أشرف بربوش. وتم الحكم بسجن الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي بـ13 سنة سجن، أما القيادي الأمني السابق لزهر لونغو، فقد نال 15سنة سجن مع خطية مالية بـ300 ألف دينار، وقضت الهيئة بـ27 سنة سجن ضد الصحافية شهرزاد عكاشة.
وقال الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الأحكام الصادرة في قضية أنستالينغو هي هروب للأمام من قبل السلطة التنفيذية، فعوض أن تواجه مشاكل البلاد، وتدفع نحو الوحدة الوطنية والحوار حتى تتجنب التداعيات الإقليمية والدولية، فإنها تتجه نحو مزيد من الغطرسة والأحكام الظالمة". وأضاف أن "تونس لم تشهد مثل هذه الأحكام حتى في تاريخها الحالك، خاصة الحكم الصادر على رئيس البرلمان راشد الغنوشي بـ22 عاماً"، مضيفاً أن "الغنوشي قاطع كل الإجراءات من تحقيقات، والحضور خلال الجلسات، وذلك نظراً لغياب شروط المحاكمة العادلة".
وأشار الخميري إلى أن "هذه المحاكمات لا تتوفر فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة، وهو ما أكده لسان الدفاع الذي واكب جل المحاكمات والإيقافات والتحقيقات، وصولاً إلى أحكام اليوم، والتي تُعبّر في الحقيقة عن أزمة حقيقية، وتنبه إلى ما وصلت إليه السلطة من أزمة في معالجة الوضع".
من جانبه، قال رئيس حزب التكتل من أجل العمل والحريات خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الأحكام الصادرة تفوق الخيال من ناحية طبيعة الأحكام السجنية والتي شملت حتى رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي الذي اختاره الرئيس الحالي قيس سعيّد لمنصب رئاسة الحكومة، ولكن الدولة وكأنها لم تعد دولة، وعلى المسؤولين في القضاء أن يفسروا هذه الأحكام الصادرة".
وتساءل "كيف أن رئيس حكومة سابقاً ومنتخباً، وكان يسيّر الدولة ويوقّع على قرارات هامة، أن نجده يحاكم بـ34 عاماً سجناً؟ فماذا فعل وأي جرم اقترف؟ ومن حق أي مواطن أن يفهم ما يحصل"، مشيراً إلى أن "صورة الدولة والبلاد على المحك".
من جهته، أكد الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الأحكام الصادرة تأتي لتفنيد الشائعات التي راجت أخيراً حول النزوع إلى التهدئة في البلاد، وهذه الأحكام أكدت مرة أخرى أن التفكير في هدنة وطي صفحة الماضي هي مجرد شعارات"، مبيناً أن "هناك شبه إجماع من قبل مختلف الهيئات القضائية على أن القضاء يعيش تبعية مطلقة للسلطة التنفيذية، وبالتالي لا يمكن انتظار أحكام منصفة أو ذات أثر ملموس، فالحقيقة الوحيدة هي أن القضاء أصبح مجرد أداة للسلطة التنفيذية، والتمشي واضح وهو التنكيل بالخصوم وبكل نفس مستقل عن السلطة، والذهاب نحو مزيد من الانغلاق".
ولفت إلى أن "ما كان يروج في الكواليس حول الحوار هو بالونات اختبار، وهناك في الحقيقة حالة استياء، وخيبة أمل وقلق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، مما يؤكد كل ما تم استشرافه سابقاً". وبيّن أن "محاكمة المتهمين في قضية التآمر ستكون يوم 4 مارس/ آذار المقبل، والأحكام قد تصل إلى الإعدام، ولكن المعركة مستمرة لأن هذه القضية تعني كل تونسي"، مؤكداً أنه "سيتم الانطلاق في حملة واسعة للضغط من أجل علنية المحاكمة، ولكي تتدارك الجهات القضائية ما يمكن أن يكون لعبة مفضوحة لعدم نقل حيثيات هذه الجلسة، ولا يوجد أي مبرر لعدم علنيتها".