شهر على شبه هدنة في لبنان: استباحة إسرائيلية ودور شكلي للجنة المراقبة
استمع إلى الملخص
- توترات في جنوب لبنان بسبب التوغلات الإسرائيلية التي أدت إلى نزوح الأهالي وتدمير البنية التحتية، مع تهديد حزب الله بالرد وتعزيز الجيش اللبناني انتشاره بالتنسيق مع قوات اليونيفيل.
- تحديات أمام تنفيذ الاتفاق مع تجاوز الخروقات الإسرائيلية 300 خرق، وانتقادات لأداء اللجنة الخماسية في فرض الالتزام بالاتفاق وتحقيق السلام والاستقرار.
مع مرور شهر على دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيّز التنفيذ، يتصدّر المشهد عنوانان أساسيان، الأول يتمثل في خرق الاحتلال الإسرائيلي المتواصل للأراضي والأجواء اللبنانية مع استغلاله مهلة الستين يوماً للتوغل ونسف وتفجير وتدمير منازل ودخول قرى لم يتمكن من الدخول اليها إبان المواجهة البرية مع حزب الله، والثاني يعبّر عنه عجز اللجنة المكلفة مراقبة تنفيذ الاتفاق عن القيام بدورها ووضع حدٍّ لهذه الانتهاكات، ليكون الوضع عملياً عبارة عن شبه هدنة في لبنان وأقرب ما تكون إلى أحادية الجانب يلتزم بها حزب الله والجيش اللبناني فقط.
ويقضي الاتفاق، الذي يتألف من 13 بنداً، بانسحاب الاحتلال من جنوب لبنان، وهو ما سيمكّن المدنيين من العودة إلى منازلهم، وعلى مدى الأيام الستين، سوف تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي التي دخلتها في جنوب لبنان، بينما يؤكد حق الدفاع عن النفس للطرفين بما يتفق مع القانون الدولي. ورداً على الخروقات الإسرائيلية التي تخطّت الـ300، نفذ حزب الله في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الحالي، عملية عسكرية واحدة، وصفها بالدفاعية التحذيرية، باستهدافه موقع رويسات العلم التابع لجيش الاحتلال في تلال كفرشوبا المحتلة، مهدداً بمزيد من العمليات في حال تمادي الاحتلال.
تقدم الاحتلال إلى وادي الحجير
وفي إطار خرق الاحتلال المتواصل لشبه الهدنة في لبنان، تقدمت آلياته، أمس الخميس، إلى وادي الحجير جنوب لبنان، والذي يبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة نحو سبعة كيلومترات، ويعتبر من مواقع الخط الثاني لحزب الله. وقامت آليات الاحتلال بعمليات تمشيط واسعة بالأسلحة الرشاشة الثقيلة خلال تقدمها، بحسب الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، والتي أشارت إلى أنه وعلى أثر توغل جيش الاحتلال بشكل مفاجئ باتجاه بلدة القنطرة، نزح منها الأهالي إلى بلدة الغندورية. وسارع الجيش اللبناني إلى إقفال الطريق المؤدية إلى وادي الحجير، بدءاً من مركزه عند جسر قعقعية الجسر، فيما كانت دبابات الاحتلال تجول في الوادي بالتزامن مع تمشيط كثيف لأحراجه. كما خطفت قوة من الاحتلال المواطن اللبناني حسام فواز من بلدة تبنين، خلال توجهه إلى مركز عمله في مركز الكتيبة الإندونيسية التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" في بلدة عدشيت القصير - قضاء مرجعيون.
وأعلن الجيش اللبناني، في بيان أمس الخميس، أن "العدو الإسرائيلي يواصل تماديه في خرق اتفاق وقف إطلاق النار، والاعتداء على سيادة لبنان ومواطنيه وتدمير القرى والبلدات الجنوبية. وفي هذا الإطار، توغلت قوات تابعة للعدو الإسرائيلي بتاريخ 26 ديسمبر 2024 في عدة نقاط في مناطق القنطرة وعدشيت القصير ووادي الحجير في الجنوب، وقد عزز الجيش اللبناني انتشاره في هذه المناطق، فيما تتابع قيادة الجيش الوضع بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) واللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار".
تقدمت آليات الاحتلال إلى وادي الحجير جنوب لبنان، والذي يعتبر من مواقع الخط الثاني لحزب الله
كما واصلت المُسيّرات الإسرائيلية، أمس الخميس، خرق الأجواء في القطاعين الأوسط والغربي في جنوب لبنان، لا سيما فوق الناقورة جنوباً وحتى أجواء بنت حبيل وصولاً لمنطقة طلوسة والقنطرة ووادي الحجير والسلوقي. وكانت قوات الاحتلال نقلت مستوى خروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار بلبنان لمرحلة جديدة، مع شن غارة جوية على منطقة البقاع شرق لبنان فجر الأربعاء الماضي، هي الأولى في هذه المنطقة منذ وقف إطلاق النار.
ويستعد جيش الاحتلال أيضاً لاحتمال البقاء في جنوب لبنان بعد انتهاء فترة الـ60 يوماً المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار، التي من المفترض أن يكتمل فيها انسحاب القوات من المنطقة. ويرر الجيش الإسرائيلي، وفق ما نقلته صحيفة هآرتس، أول من أمس الأربعاء، هذا التوجه بأنه "إذا لم يلتزم الجيش اللبناني تعهداته في الاتفاق، ولم يحقق السيطرة الكاملة على جنوب لبنان، فسيتعيّن على الجيش الإسرائيلي البقاء هناك حتى يفي الجيش اللبناني بالتزاماته". ويقول جيش الاحتلال إن هجماته قتلت منذ وقف النار بلبنان 44 من نشطاء حزب الله، زاعماً انتهاكهم للاتفاق، وأنه نفذ حوالى 25 هجوماً في لبنان "رداً على انتهاكات حزب الله". وزعم تسجيله حوالى 120 انتهاكاً الشهر الماضي. ومع ذلك، فإن الجيش "راضٍ" حتى الآن عن تنفيذ اتفاق هدنة في لبنان ودور الولايات المتحدة في فرضه بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
وفي رصد لـ"العربي الجديد" لتقارير وزارة الصحة الصادرة منذ 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فقد أُعلِن عن استشهاد 27 شخصاً وجرح 26، في غارات إسرائيلية سُجِّلت بعد دخول قرار وقف النار بلبنان حيز التنفيذ، وارتُكبت في بلدات مجدل زون، البيسارية، جديدة مرجعيون، حاريص، طلوسة، شبعا، عيترون، بيت ليف، دير سريان، دبين، عيناتا، بنت جبيل، الخيام، الخردلي، والنجارية.
وعلى الرغم من تكرار الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار فإن لجنة مراقبة وقف إطلاق النار تبدو عملياً بلا أي قدرات على ضبط الوضع وهو ما يجعل من وجودها شبه شكلي تماماً كما أن الاتفاق أقرب إلى شبه هدنة في لبنان حيث عقدت اللجنة الخماسية، برئاسة أميركية وعضوية فرنسية، وممثلين عن الجيش اللبناني والاحتلال واليونيفيل، اجتماعين منذ 28 نوفمبر الماضي، في رأس الناقورة، مقرّ القوات الأممية. علماً أن الاجتماع الأول طال كثيراً ودفع الحكومة اللبنانية إلى رفع الصوت والمناشدة ببدء العمل خصوصاً في ظل الخروقات الإسرائيلية التي تهدّد الاتفاق، فكانت أن انعقدت جلسة في التاسع من ديسمبر الحالي، ومن ثم في 18 منه، وخرجتا ببيانين شبيهين، وهما التأكيد على أهمية الاجتماع بوتيرة منتظمة وتنسيق العمل بشكل وثيق لتحقيق التقدّم في تطبيق اتفاق وقف النار بلبنان والقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
رصد "العربي الجديد" للخروقات منذ 28 نوفمبر
ودخل اتفاق هدنة في لبنان حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي، بعد عدوان استمر منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأسفر عن استشهاد نحو 4 آلاف شخص وجرح ما يزيد عن 16 ألفاً، مع سقوط 20 شهيداً للجيش اللبناني، فيما قتل هجوم البيجر 39 عنصراً بحزب الله، وأصاب 3200 آخرين. وأدى العدوان إلى تدمير آلاف المباني والوحدات السكنية، والثروة البيئية، مع تقدير البنك الدولي أن كلفة إعادة الإعمار تحتاج ما لا يقلّ عن خمس مليارات دولار. ومنذ تاريخ بدء سريان هدنة الستين يوماً التي نص عليها الاتفاق، سُجّل أكثر من 300 خرق إسرائيلي في العديد من القرى والبلدات الجنوبية، منها بعيدة من الحدود، ومن أخطرها دخول مستوطنين إلى مارون الراس. واعتمد الاحتلال خلال هذه الفترة سياسة التفجير والنسف، حتى أن نسبة التدمير فاقت تلك المسجلة قبل 27 نوفمبر الماضي، خصوصاً في بلدة الناقورة وزادت عن 70%، بعدما كانت 35%. كما واصل تحليقه في الأجواء على علو منخفض ضمنها في العاصمة بيروت وضاحيتها. وبحسب تقرير للمجلس الوطني للبحوث العلمية، والمركز الوطني للمخاطر الطبيعية والإنذار المبكر، في لبنان، فإن محافظة النبطية، نالت القسط الأكبر من العدوان، بـ8574 اعتداء منذ الثامن من أكتوبر العام الماضي، تليها بقية مناطق الجنوب، ثم محافظة بعلبك الهرمل، وجبل لبنان، في إشارة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت ومحيطها. ونالت قرى منطقة مرجعيون، النصيب الأوفر من القصف بالقنابل الفوسفورية والحارقة، بحسب التقرير، الذي أكد أن الاحتلال تعمد قصف القرى المجاورة لنهر الليطاني، بهذا النوع من القنابل. ولناحية الأضرار، فإن 2192 هكتاراً من الأراضي اللبنانية، هي إجمالي الأراضي المحروقة بالقصف الإسرائيلي، ويعد قضاء بنت جبيل الأكثر تضرراً في قطاعه الزراعي بنسبة 100%. ودمّر كلّياً خلال الحرب 353 مبنى في الضاحية الجنوبية.
وارتكب جيش الاحتلال خلال مرحلة تطبيق وقف النار في لبنان سلسلة تفجيرات ونسف لمبانٍ وتدمير طرقات في بلدات الحافة الأمامية، منها الأحياء الشرقية لمدينة الخيام، كفركلا، ميس الجبل، مارون الراس، طيرحرفا، ويارون، إلى جانب قيام الجرافات الإسرائيلية بارتكاب مجازر بيئية من خلال تجريف واقتلاع أشجار الزيتون. كما شنّ العديد من الاعتداءات في عيترون، مجدل زون، سهل الماري، أطراف راشيا، مرجعيون، مرتفعات حلتا، كفرشوبا، حانين، إقليم التفاح، بيت ليف، شبعا، وغيرها. كذلك، استغل الاحتلال وقف النار في لبنان للدخول إلى بلدات لم يتمكن من الدخول إليها أثناء المواجهات البرية مع حزب الله، منها الأحياء الغربية لمدينة الخيام، وبلدة بني حيان، وتنفيذ عمليات هدم وتجريف، والتقدّم إلى ساحة بلدة مركبا، حيث قام بتجريف الطرقات فيها، مستخدماً القنابل والرشاشات خلال عملية التوغل، في حين ماطل بالانسحاب من عدة بلدات عملاً بالمراحل المذكورة في اتفاق وقف إطلاق النار، منها تلة الحمامص، ما أخرّ دخول الجيش اللبناني اليها.
وفي السياق أيضاً، تتواصل التحذيرات الإسرائيلية اليومية إلى سكان أكثر من 60 قرية جنوبية من العودة إليها، والانتقال إلى خط القرى ومحيطها، وإلا "يعرضون نفسهم للخطر". ومن بين هذه القرى، الضهيرة، الطيبة، الطيري، الناقورة، ابل السقي، البياضة، الجبين، الخريبة، الخيام، خربة، مطمورة، مرجعيون، حلتا، حانين، طيرحرفا، يحمر، يارون، يارين، كفركلا، كفرشوبا، محيبيب، ميس الجبل، ميسات، رب ثلاثين، رامية، رميش، راشيا الفخار، شبعا، شيحين، شمع، طلوسة، مارون الراس، عيناتا، عيتا الشعب، علما الشعب، عيترون، وغيرها.
ولم تقتصر الخروقات الإسرائيلية على استهداف المدنيين، والمناطق الجنوبية، بزعم ضرب أهداف لحزب الله، بيد أنها طاولت مواقع قريبة من الجيش اللبناني، منها استهداف سيارة قرب حاجزه في بنت جبيل ما أدى إلى استشهاد مواطنة وإصابة أربعة عسكريين بجروح. ووصلت خروقاته إلى البقاع، حيث استهدفت مسيرة للعدو الإسرائيلي جرافة للجيش اللبناني أثناء تنفيذها أعمال تحصين داخل مركز العبّارة العسكري في منطقة حوش السيد علي- الهرمل، ما أدى إلى إصابة أحد العسكريين بجروح متوسطة.
حزب الله: التفجيرات حرب نفسية
وتعتبر أوساط حزب الله تحدثت لـ"العربي الجديد" أن "التفجيرات التي يقوم بها الاحتلال تأتي في إطار الحرب النفسية، ولردع الأهالي عن العودة إلى البلدات ومحاولة تيئيسهم حتى انتهاء مهلة الستين يوماً، خصوصاً أنه منذ لحظة دخول قرار وقف النار في لبنان حيّز التنفيذ غص الجنوب بالعائدين، وهي أيضاً مجرد إثبات لحضوره لا أكثر". وتشير إلى أن "حزب الله كما ردّ في عمليته الأولى على الخروقات والمجازر التي ارتكبها الاحتلال، فهو جاهز للرد عندما يتمادى العدو، والمقاومة تتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بمنع التمادي إلى حين دخول الجيش اللبناني إلى كافة القرى الحدودية مع فلسطين المحتلة". وتشدد الأوساط على أن "الحزب يثق بالجيش اللبناني، وهو يقف إلى جانبه، وعلى لجنة الإشراف والمجتمع الدولي أن يلجم إسرائيل ويضع حداً لخروقاتها، وقد أثبتت هذه الفترة من يلتزم بالقرارات الدولية ومن ينتهكها".
وفي السياق، قال النائب عن حزب الله علي فياض، أمس الخميس في تصريح صحافي، إنّ توغّل قوات العدو الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية وصولاً إلى وادي الحُجيْر، يشكّل تطوراً شديد الخطورة وتهديداً جدياً لإعلان الإجراءات التنفيذية للقرار 1701 وتقويضاً للمصداقية الواهنة للجنة المشرفة على تنفيذه. واعتبر أن "هذا التطور الذي يظهر تعاطياً إسرائيلياً خارج أي التزام أو إجراءات، وكأن لا وجود لأي تفاهم أو التزامات، يوجب على الدولة اللبنانية حكومةً وجيشاً وجهات معنية، إعادة تقويم الموقف بصورة فورية، ومراجعة الأداء الحالي الذي أظهر فشلاً ذريعاً في الحد من الإمعان الإسرائيلي في إستمرار الأعمال العدائية على المستويات كافة بما فيها التوغل في الأراضي اللبنانية وقتل واعتقال المدنيين اللبنانيين".
علي أبي رعد: كل الخروقات تحصل تحت أنظار اللجنة، التي هناك العديد من الملاحظات على أدائها
من جانبه، يكتفي مصدر في "اليونيفيل" بالقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحذر والقلق يبقى موجوداً، خصوصاً في ظل استمرار الخروقات للاتفاق، لكن هناك آمال بأن تلتزم الأطراف بالقرار، وبأن لا نتيجة من أي عمل عسكري، والحل السياسي الدبلوماسي يبقى الأنسب للجميع". واعتبرت قوات "اليونيفيل"، في بيان أمس الخميس، أن "أي أعمال تهدد وقف الأعمال العدائية الهشّ يجب أن تتوقف". وقالت: "لقد أكّد كل من إسرائيل ولبنان التزامهما بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1701. ولمعالجة القضايا العالقة، فإنهما مدعوان إلى الاستفادة من الآلية التي أنشئت حديثاً على النحو المتفق عليه في التفاهم". وتابعت: "تستمر يونيفيل في حثّ الجيش الإسرائيلي على الانسحاب في الوقت المحدد ونشر القوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان والتنفيذ الكامل للقرار 1701 في مسار شامل نحو السلام". وأوضح البيان أن "يونيفيل تعمل بشكل وثيق مع القوات المسلحة اللبنانية بينما تقوم بتسريع جهود التجنيد وإعادة نشر القوات إلى الجنوب. إن البعثة مستعدة للقيام بدورها في دعم البلدين في الوفاء بالتزاماتهما وفي مراقبة التقدّم، ويشمل ذلك ضمان خلو المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من أي أفراد مسلحين أو أصول أو أسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان واليونيفيل، فضلاً عن احترام الخط الأزرق (الخط الحدودي)". وتابعت: "هناك قلق إزاء استمرار التدمير الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي في المناطق السكنية والأراضي الزراعية وشبكات الطرق في جنوب لبنان، وهذا يشكل انتهاكاً للقرار 1701".
رهانات نتنياهو من وراء خرق شبه هدنة في لبنان
في السياق، يقول الخبير العسكري اللبناني، العميد علي أبي رعد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخروقات الإسرائيلية التي تجاوزت الـ249 خرقاً، يمكن وضعها في إطارات عدة، الأول الحرب النفسية الإسرائيلية التي تترافق مع تصريحات شبه يومية عن أن الاتفاق مؤقت، مع محاولة إظهار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نفسه بموقع المنتصر، مدعياً بأن لديه ضمانات أميركية بموجب ورقة مكتوبة تمنحه حرية الحركة. علماً أن نص الاتفاق الحرفي، سواء باللغة العربية أو الإنكليزية، لم يلحظ ببنوده الـ13 هذا الموضوع، وأي اتفاق بين طرفين لا يلزم الطرف الثالث، أي الدولة اللبنانية".
ويحاول نتنياهو، بحسب أبي رعد، أن يظهر بخانة المتحكم بمجريات الميدان، والأرجح أيضاً أنه يحاول الرد على الداخل الإسرائيلي والمواقف المعارضة للاتفاق باعتباره خضوعا لشروط حزب الله فيما كان يجب برأيهم استغلال الفرصة للقضاء عليه. ويضيف أبي رعد: "يسعى نتنياهو لفرض وقائع معينة يُطمئن من خلالها الداخل الإسرائيلي، بأنه قادر على فرض سيطرة حديدية ساعة يشاء، ويريد بهذا الإطار الحصول على غطاء أميركي عملي وضمانات أميركية تتجاوز إطار الاتفاق الحالي". ويعتبر أن "هذه التجاوزات تأتي في إطار الاختبار، ومدى استعداد الجانب الأميركي تقديم هذا الغطاء، سواء العملي أو النظري المتمثل بورقة الضمانات، ويبدو أنه قادر على ذلك، ربطاً باجتماعات اللجنة الخماسية التي يرأسها جنرال أميركي، وعقدت حتى الآن اجتماعين شكليين، آخرهما على وقع الاعتداءات الإسرائيلية على الناقورة".
ويشير الخبير العسكري إلى أن "كل الخروقات تحصل تحت أنظار اللجنة، التي هناك العديد من الملاحظات على أدائها، خصوصاً مع تأخير وصول رئيسها الجنرال الأميركي ومعاونه الفرنسي، وبفارق نحو 13 إلى 14 يوماً"، لافتاً إلى أنه "قد يكون هناك إشكاليات تؤخر عمل اللجنة، ضمنها الخلاف في موضوع حق اليونيفيل بمداهمة وتفكيك مصانع أسلحة ومراكز عسكرية. فحسب القرار وآلية التنفيذ لا يحق لأحد غير الجيش اللبناني بأن يقوم بهذا الدور، وقد يكون الأميركي وبإصرار من إسرائيل، يريد أن يمنح هذا الحق لليونيفيل أو حتى القوات الإسرائيلية بالمشاركة والمراقبة، إذ من أحد الطلبات الإسرائيلية أنه في حال لم يبادر الجيش اللبناني لمعالجة الشكوى، للاحتلال حق التدخل".
في المقابل، يرى أبي رعد أن "المقاومة تريد أن تقوم الحكومة والجيش بدورهما بحماية الأرض وصون السيادة استناداً إلى ورقة الإجراءات التنفيذية للقرار وجوهرها انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية واحترام السيادة اللبنانية، وهي لم ترد إلا بعملية واحدة شكلية، لأنها لا تريد أن تعطي أي ذريعة لإسرائيل. من هنا على أميركا وفرنسا تحمّل مسؤولياتهما في لجم الخروقات". تبعاً لذلك كله، يعتبر أبي رعد أن الاحتلال إما يكون خائف من تجربة عام 2006 ويخشى الوقوع بالفخ، وأرعبته مشاهد عودة الناس الفورية، ويحاول منع العودة أو جعل المنطقة عازلة وغير صالحة للسكن إلا قبل سنة أو سنتين على الأقل، فيقوم بكل عمليات التدمير، خصوصاً أنه يعتبر عودة السكان غطاء لعدم انسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، ما يعني إفشال المخطط الإسرائيلي.
جاد طعمه: أميركا وفرنسا توجهان الضغوط حصراً تجاه الطرف اللبناني
إلى جانب ذلك، يعتبر أبي رعد أن هناك رهانا إسرائيليا أيضاً على عامل الوقت، بغية أن تتضح صورة ما يجري في سورية بعد سقوط النظام، لأن ما حصل زلزال سيرتد على المنطقة بأكملها من لبنان وسورية والأردن وصولاً إلى العراق، وأكبر دليل وصول نتنياهو إلى قمة جبل الشيخ (الجزء الذي كان تحت السيطرة السورية) وإعلانه أنه لن ينسحب منها إلا بعد ترتيبات معينة، وأعتقد أن لهذا الأمر علاقة بموضوع الحكم بسورية، من دون أن ننسى أن موقع جبل الشيخ مهم استراتيجياً وجيوسياسياً، من ناحية كونه يشرف على الأردن وفلسطين المحتلة وسورية ولبنان، ومن يتواجد على القمة، بشرف كلياً على كامل الأراضي السورية والجزء الغربي من سهل البقاع الذي يعتبره الإسرائيلي العمق الاستراتيجي للمقاومة.
اتفاق غير متوازن بين لبنان وإسرائيل
من جهته، يقول الناشط الحقوقي المحامي جاد طعمه، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الاتفاق غير موقّع وبالتالي يستمد قوته الإلزامية من التزام الأطراف به، والضغط الذي يمكن أن تمارسه الدول الراعية له، أي الولايات المتحدة وفرنسا اللتين يبدو جلياً أنهما توجهان الضغوط حصراً تجاه الطرف اللبناني في حين تترك كامل حرية الحركة ميدانياً للجانب الإسرائيلي الذي خرق الاتفاق لأكثر من 200 مرة منذ دخوله حيز التنفيذ". ويضيف أن "جيش الاحتلال ينسف القرى ويفجر المنازل ويجرف الأراضي ويغتال عبر المُسيّرات ويستضيف مستوطنين أعلنوا عن عمليات بيع للأراضي اللبنانية، ويقصف محيط قوات اليونيفيل، وما من رقيب ولا حسيب، وقد سقط خلال هذه الخروقات شهداء وجرحى".
ويلفت طعمه إلى أن "إسرائيل تشترط لقبول مهام الجانب الفرنسي في اللجنة الخماسية استنكارها ورفضها لمذكرات التوقيف الصادرة بحق رئيس حكومتها ووزير أمنه السابق (يوآف غالانت). أما اللجنة الخماسية فهي تكتفي حتى الساعة بإصدار البيانات وإبداء القلق والاستنكار، ورصد عدد الانتهاكات الإسرائيلية والكشف على مواقع محتملة للمقاومة داخل الأراضي اللبنانية". ويعتبر الناشط الحقوقي اللبناني أن "هذا الاتفاق غير متوازن، ولا يمتلك آلية فعالة لتطبيق بنوده، أقله تجاه الجانب الإسرائيلي. وامتلك قناعة أنّ الاتفاق جاء لفرض الشروط الإسرائيلية على الجانب اللبناني الذي لن يستطيع أن يخالف بنوده نتيجة تأكيد الحكومة اللبنانية على احترام بنوده تماماً كما قيادة حزب الله".