شهادات معتقلي غزة في سجون الاحتلال ومعسكراته تكشف عن انتهاكات مرعبة
استمع إلى الملخص
- يعاني المعتقلون من ظروف اعتقال قاسية تشمل الجوع وسوء التغذية وانتشار الأمراض مثل "الجرب"، نتيجة لحرمانهم من النظافة والعلاج، وتستخدم التحقيقات العسكرية أساليب تعذيب قاسية.
- منذ بدء الحرب في غزة، اعتقل الاحتلال آلاف المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، ويمارس الإخفاء القسري، مما أدى إلى استشهاد العشرات وتصاعد جرائم الاحتلال.
أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني اليوم الأربعاء، أنه بعد مرور نحو عامين على بدء حرب الإبادة المستمرة، وما رافقها من جرائم ممنهجة وانتهاكات جسيمة تُمارس بحقّ الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تبقى الشهادات المتواصلة من معتقلي غزة الأشد قسوة والأكثر فظاعة من حيث مستوى الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحقّهم، حيث ما زالوا يواجهون الجحيم في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعسكراته.
وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، في بيان صحافي، إن هذه الشهادات جاءت "استنادًا إلى مجموعة من الزيارات التي جرت للأسرى والمعتقلين أخيرًا في عدد من السجون والمعسكرات، ومنها قسم (ركيفت) في سجن (الرملة)، ومعسكر (سديه تيمان) اللذان شكّلا ولا يزالان أبرز العناوين لجرائم التعذيب الممنهجة بحقّ معتقلي غزة".
واستعرضت هيئة الأسرى ونادي الأسير، في إحاطة جديدة شملت الزيارات التي جرت ما بين نهاية يوليو/ تموز الماضي ومنتصف أغسطس/ آب الجاري، تفاصيل الجرائم والانتهاكات المستمرة بحقّهم.
وبحسب البيان، فإنه في قسم "ركيفت" الواقع تحت الأرض في سجن "الرملة" خرج المعتقلون للزيارة وهم يجهشون بالبكاء، وجميع المعتقلين تعرّضوا للتهديد والضرب قبل الزيارة لإجبارهم على الإقرار أمام المحامي بأنّ الوضع المعيشي في القسم "ممتاز"، كذلك مُنع المحامي من نقل أي معلومات عن العائلة أو أي شيء يتعلق بالوضع الخارجي والحرب المستمرة.
وأبرز ما عكسته الإفادات، وفق الهيئة والنادي، استمرار سياسة الضرب وتكسير أصابع المعتقلين، وعزلهم عزلاً شاملًا، حيث يُحرمون رؤية الشمس، ويُسمح لهم بالخروج إلى ساحة السجن "الفورة" يومًا بعد يوم لمدة 20 دقيقة فقط، وهم مكبّلو الأيدي ورؤوسهم منحنية إلى الأسفل.
كذلك تُوزَّع الفرش مساءً وتُسحَب صباحًا، ما يضطر المعتقلين إلى الجلوس على الحديد طوال اليوم، ويتعمد السجانون إذلالهم وشتمهم وإجبارهم على شتم أمهاتهم وعائلاتهم، إضافة إلى التهديد والإرهاب المستمر على مدار الساعة، حتى باتت حالة الرعب والخوف ظاهرة بشكل جليّ على المعتقلين.
وخرج عدد من الأسرى للزيارة وهم يجهشون بالبكاء خوفًا ورعبًا، وكان أحد المعتقلين قبل خروجه للزيارة واضحًا أنه تعرّض للضرب المبرح، والدموع تغطي وجهه، وآثار القيود على يديه، ولم يتمكن من الحديث عمّا جرى معه، واكتفى بمحاولات الإشارة بعينيه للمحامي، ولم تكن حالته فردية، فجميع المعتقلين كانوا في وضع نفسي بالغ الصعوبة، وكان الرعب يخيم على مشهد الزيارة.
ووفق الهيئة والنادي، تُشكّل مرحلة التحقيق إحدى أبرز المراحل التي عكست مستوى جرائم التعذيب والانتهاكات الجسيمة التي مارسها المحققون بحقّ معتقلي غزة.
ويقول المعتقل (أ. ي) في إفادته: "اعتُقلت في ديسمبر/ كانون الأول 2023، ونُقلت بعد اعتقالي إلى البركسات حيث مكثت ثمانية أيام، خضعت خلالها لتحقيق الديسكو أربعة أيام، ولاحقًا، تعرضت لتحقيق جديد من قبل جهاز المخابرات والجيش، ثم نُقلت إلى سجن عسقلان حيث احتُجزت في زنزانة لمدة شهر، من دون أن أعرف الليل من النهار، وخضعت لتحقيقات عسكرية قاسية جدًا".
وجاء في الإفادة: "كنتُ أُوضَع على الكرسي ثم يُرمى بي على الأرض وأنا مقيّد اليدين والقدمين، وتعرضت للضرب يوميًا على مدار 30 يومًا، واليوم أعاني من تمزق في الصدر وأوجاع شديدة بسبب تقييد يديّ إلى الخلف لفترات طويلة، وبعد سجن عسقلان نُقلت إلى سجن عوفر، حيث عُرضَت شاشة فيها خريطة لتحديد بيتي والاستفسار عن بعض المواقع في غزة".
شهادة معتقل: ضربت على رأسي بعنف ونتف شعر رأسي
اما المعتقل (ي. د) فقد قال: "حُقِّق معي ميدانيًا لمدة ساعة، ثم نُقلت إلى البركسات حيث تعرضت للضرب، ومن ثم إلى تحقيق الديسكو، حيث تعرضت للضرب المبرح والشبح، وفقدت الوعي عدة مرات، كانوا يسكبون الماء عليّ لإيقاظي، ومن شدة الضرب انخلعت القيود مرتين من يدي".
وبحسب الإفادة، "ضُربت على رأسي بعنف، ونُتف شعر رأسي، وأعاني اليوم من كسور في الجانب الأيمن من صدري، ولا أستطيع النوم. وتسبب التعذيب بتمزق في أذني اليسرى، وضعف في البصر، وأوجاع في الكلى".
فيما قال المعتقل (ع. ب) في إفادته: "اعتُقلت في اليوم الثاني من بداية الحرب، وكنت أعاني من إصابة في فكي، وخضعت لعملية جراحية. بعد اعتقالي نُقلت إلى سجن عسقلان، حيث مكثت شهرًا ونصف شهر، وخضعت لتحقيق عسكري استخدم فيه أساليب الشبح و(الموزة) والضرب، واستمر ذلك 17 يومًا منها خمسة أيام متواصلة".
وبحسب ما جاء في الإفادة، "تعمد المحققون ضربي على خصيتيّ والإمساك بهما للضغط عليّ وانتزاع الاعترافات، كذلك كانوا يعصبون عينيّ ويرمونني من الكرسي إلى الأرض. وبعد نقلي إلى سجن الرملة تعرضت لتحقيق جديد، حيث كسر السجانون أصابعي".
من جانب آخر، أكّد جميع المعتقلين الذين تمت زيارتهم أنهم يعانون الجوع الشديد، وأحدهم وصف الوضع بـ"المجاعة"، حيث لا يقدم لهم سوى القليل من اللقيمات، وغالبًا ما تكون غير صالحة للأكل.
ويجمع المعتقلون هذه اللقيمات لتكوين وجبة واحدة مساءً، والكمية التي تقدم لزنزانة كاملة بالكاد تكفي أسيرًا واحدًا، كذلك فإن معظمهم يعانون نقصًا حادًا في الوزن، وهزالًا وإرهاقًا شديدًا، إضافة إلى تفاقم أمراض ومشاكل صحية.
وإلى جانب جريمة التجويع، لا تزال الأمراض والأوبئة تنتشر، وعلى رأسها مرض "الجرب/ السكابيوس"، الذي يشكل اليوم إحدى أبرز القضايا التي يواجهها الأسرى، وقد ساهمت منظومة السجون عمدًا في انتشارها عبر حرمان المعتقلين مقومات النظافة والعلاج اللازم.
ووفق الهيئة والنادي، فإنه منذ بدء حرب الإبادة المستمرة بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة وتصاعد حملات الاعتقال غير المسبوقة، اعتقل الاحتلال آلاف المدنيين من مختلف أنحاء القطاع، بينهم عشرات النساء والأطفال وكبار السن، والجرحى، والطواقم الطبية، والصحافية.
ويواصل الاحتلال تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحقّ المئات من المعتقلين، ويرفض الإفصاح الكامل عن هوياتهم وأماكن احتجازهم، كذلك يرفض حتى اليوم السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم.
وفي ضوء بعض التعديلات القانونية، تمكّنت مؤسسات الأسرى من الكشف عن مصير مئات المعتقلين في سجون الاحتلال ومعتقلاته، وإجراء زيارات في غالبية السجون والمعسكرات، بينها معسكر "سديه تيمان" الذي شكّل عنوانًا بارزًا لجرائم التعذيب والجرائم الطبية، وكذلك قسم "ركيفت" تحت الأرض.
وشددت الهيئة والنادي على أنه لا تزال إفادات معتقلي غزة الأشد والأقسى من حيث ما عكسته من جرائم تعذيب واعتداءات جنسية (منها الاغتصاب)، وجرائم طبية، حيث شكّلت شهاداتهم تحولًا بارزًا في مستوى توحش منظومة الاحتلال، وأدت بمجملها إلى استشهاد العشرات من المعتقلين، فضلًا عن عمليات الإعدام الميداني التي نُفّذت بحق آخرين. وبلغ عدد الشهداء من معتقلي غزة، ممن عُرفت هوياتهم، 46 شهيدًا، من بين 76 أسيرًا ومعتقلًا استشهدوا منذ بدء حرب الإبادة.