شمال لبنان يغلي وينتفض على قرار التعبئة العامة

شمال لبنان يغلي وينتفض على قرار التعبئة العامة

26 يناير 2021
احتجاجات طرابلس رفعت شعاراتٍ تؤكد أنّه قد طفح الكيل (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

عاد المعتصمون، اليوم الثلاثاء، إلى الخروج في احتجاجات بطرابلس، عاصمة شمال لبنان، حاملين شعاراتٍ تؤكد أنّه قد طفح الكيل، مجددين اعتراضهم على تمديد حالة التعبئة العامة في البلاد لمواجهة فيروس كورونا حتى الثامن من فبراير/ شباط المقبل.

وشهدت تظاهرة طرابلس لليوم الثاني مواجهات مع القوى الأمنية والجيش اللبناني أسفرت عن سقوط عدد من الجرحى.

وقام المتظاهرون بإحراق سيارة تابعة لقوى الأمن الداخلي، في حين عمدت العناصر الأمنية إلى إلقاء القنابل المسيلة للدموع لتفرقة المعتصمين.

ولوح المتظاهرون بالعصيان في وجه القرارات التي تتخذها السلطة لمواجهة انتشار كورونا، وذلك بعد ليلة حامية شهدتها طرابلس، حيث تطوّرت الاحتجاجات على تدهور الأوضاع المعيشية إلى مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية سقط خلالها عدد من الجرحى.
وردا على ذلك، عمد متظاهرون اليوم إلى قطع عددٍ من الطرقات الفرعية بطرابلس بالإطارات المشتعلة، والحاويات، وقاموا برمي الحجارة على سرايا طرابلس احتجاجاً على توقيف معتصمين، وسط انتشار أمني وعسكري كثيف لمنع تطوّر الأوضاع والحؤول دون حصول مواجهات وإشكالات.

ويعود مشهد قطع الطرقات في لبنان من بوابة التعبئة العامة لمواجهة فيروس كورونا، وتداعيات الإقفال العام الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي باتت بالنسبة إلى كثيرين أخطر من الوباء في حد ذاته، في ظلّ تقاعس الدولة اللبنانية عن تأمين أبسط مقوّمات الصمود، وتقديم البدائل والمساعدات للعائلات الأكثر حاجة وتضرراً.
وقالت الناشطة تيما سمير التي تشارك في احتجاجات طرابلس التي توصف بـ"عروس الثورة" ، لـ"العربي الجديد"، إن المدينة كانت قبل الأزمات النقدية والاقتصادية وانتشار الوباء وتداعياته الكارثية "الأكثر فقراً" على ساحل البحر الأبيض المتوسّط، فكيف بها الحال اليوم، في ظلّ الكوارث الاجتماعية والمعيشية والصحية؟
واعتبرت سمير أن "قرار الإقفال العام مجحف جداً كونه لا يؤمن بدائل أو مساعدات للمواطنين لا على الصعيد الطبي أو الخدماتي أو المعيشي، وهناك أشخاص يعيشون من دون مأكل أو مشرب أو دواء، في حين تعمد القوى الأمنية إلى التشديد في تسطير محاضر ضبط حتى لمن يعيشون ويقطنون في محالهم بحجة أنها مفتوحة وتخرق قرار التعبئة العامة، في مشهدٍ يؤكد أن الإنسانية باتت شبه معدومة، ما أدى إلى غليان الشارع".
ولفتت الناشطة إلى أنّ "التحركات لن تتوقف هنا بالطبع، وسيكون هناك خطوات مقبلة من تظاهرات ومسيرات، ونحن نحرص على أن تكون السلمية أساس التحركات، فمشكلتنا ليست مع الجيش أو القوى الأمنية لكن في بعض الأحيان تخرج الأمور عن السيطرة وتسجل أعمال شغب، ونحن لا نعتبر هؤلاء مدسوسين، أو طابورا خامسا، بل مجرد ردة فعل على الممارسات القمعية التي يتعرّض لها الشارع".

التحرّكات المتنقلة التي كانت أكثرها توتراً في طرابلس، سجلت أيضاً في البقاع، حيث قطع محتجون عدداً من الطرقات منها تعلبايا، أوتوستراد شتورا – زحلة عند مفرق المرج، وأكدوا أنهم لن يتركوا الشارع وسيواصلون تظاهراتهم اعتراضاً على قرار الإقفال العام والغلاء المعيشي، والفساد المستمرّ في مؤسسات الدولة، في ظلّ غياب الرقابة الفعلية والمحاسبة.
كذلك برزت دعوات من قبل مجموعات مدنية شاركت في انتفاضة 17 أكتوبر للنزول إلى الشارع في كل المناطق اللبنانية وملء الساحات، ولا سيما في بيروت، مثل جسر الرينغ وساحة الشهداء حيث التظاهرات الأكبر كانت تحدث. لكن المشاركة كانت خجولة على صعيد العاصمة اللبنانية، رغم قطع الطرقات في بعض الشوارع والأوتوسترادات، فيما شهدت مدينة برجا (قضاء الشوف)، تحركاً احتجاجياً رفع شعارات تطالب السلطة الحاكمة بالرحيل، وفتح البلاد من جديد بعد الانعكاسات السلبية لقرار الإقفال.

الصورة

جنوباً، نظم محتجون اعتصاماً في صيدا – ساحة إيليا، وأكد عددٌ من الناشطين أنّ المطالب الأساسية التي تُرفَع تركز على تأمين بدائل للمواطنين، في ظل جائحة كورونا وضرورات الإقفال العام سواء غذاء أو دواء أو مستلزمات العيش الأساسية.
وأوضحوا أنّ الأزمة الصحية ومخاطر الوباء حالت دون نزول الناس في وقتٍ سابق إلى الشارع بكثافة، لكنهم دائماً متشبتون بدعوة الطبقة السياسية الحاكمة إلى الرحيل، هي التي تثبت فشلها في كلّ الاستحقاقات وتعجز عن إدارة الأزمات. ويقول محمد بابا من الناشطين في صيدا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاعتصامات والتحركات مستمرّة ولن تقتصر على صيدا، بل ستكون على مساحة الوطن، لأن الوضع لم يعد يحتمل على مختلف الأصعدة".

في المقابل، تخشى أوساط سياسية مقرّبة من "التيار الوطني الحر" استغلال بعض الأحزاب، وعلى رأسها "تيار المستقبل" الذي يرأسه رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، لوجع الناس والأزمات المعيشية للضغط باتجاه قبول الرئيس اللبناني، ميشال عون بتشكيلة الحريري الحكومية والرضوخ لشروطه، ولا سيما في حال زاد التوتر في التحركات، خصوصاً أنها تجري في مناطق محسوبة على "تيار المستقبل"، وتحمل شعارات تدعو عون إلى الرحيل وتهاجم فريق الثامن من آذار فقط دون غيره، بحسب ما علمه "العربي الجديد" من تلك الأوساط. وهو سيناريو يرفضه ناشطون مدنيون، مشاركون في الاحتجاجات.
ويقول الناشط في البقاع، ربيع البقاعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الناشطين الذين يشاركون في التحركات هم ضد الطبقة السياسية، ومن ضمنهم "تيار المستقبل"، لا بل يدعون كل مناصري الأحزاب للنزول إلى الشارع. وأوضح أن "الكل يعاني من الوضع الاقتصادي والاجتماعي والكل جياع من دون استثناء، لكن للأسف دائماً ما يصار إلى وضع هذه المناطق في خانة التيار، باعتبار أنهم أيضاً بأكثريتهم من الطائفة السنية".

ويرى البقاعي أن التحركات قد لا تدوم طويلاً، ولا سيما أنها تحصل في الليل، و"شغل الليل مريح للدولة البوليسية" على حدّ قوله، هو الذي سبق أن تعرّض للقنص في تظاهرات سابقة.
وزاد موضحا "الأعداد تكون أقل في هذا التوقيت، مع العلم أن من ينزل إلى الشارع اليوم هم نفسهم من نزلوا في 17 أكتوبر، لكن بشعارات مختلفة بعض الشيء، وتتمحور اليوم حول الأوضاع المعيشية وارتفاع معدل الفقر والبطالة والجوع، لكن لا مجموعات جديدة تشارك في التحركات".
وفي سياق التعبئة العامة، علم "العربي الجديد"، أنّ اللجنة الوزارية المختصة بملف كورونا قد تبحث موضوع مراجعة الإقفال العام في حال تطوّر الأوضاع في الشارع اللبناني، ومن المرجح كذلك أن تتخذ بعض القرارات الجديدة تهم توسيع رقعة الاستثناءات، ولا سيما أنها على يقين بتداعيات التعبئة الاقتصادية والمعيشية القاسية.

المساهمون