شروط باكو ومصالح موسكو تهدد اتفاق سلام أرمينيا وأذربيجان

12 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 04:06 (توقيت القدس)
نقطة تفتيش أذربيجانية في أغالي، 26 سبتمبر 2023 (إيمانويل دونان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تطورات السلام بين أرمينيا وأذربيجان: تعثرت المفاوضات بسبب شروط أذربيجان، مثل إلغاء مادة ضم ناغورنو كاراباخ من الدستور الأرميني، بينما تسعى أرمينيا لمصالحة تدريجية وتعزيز علاقاتها العسكرية مع فرنسا والهند.

- التحديات الدستورية والسياسية: تطالب أذربيجان بإلغاء مجموعة مينسك وتعديل الدستور الأرميني، وتصر على تنظيم استفتاء قبل توقيع المعاهدة لضمان سلطتها على ناغورنو كاراباخ.

- الدور الإقليمي والدولي: تسعى دول المنطقة لفتح ممرات نقل لتعزيز التواصل الاقتصادي، بينما تراقب أذربيجان التطورات الدولية لتحديد استراتيجيتها المستقبلية.

بعد نحو شهر على إعلان أرمينيا وأذربيجان التوصل إلى مسودة اتفاق سلام ينهي صراعاً مستمراً منذ نهاية الحقبة السوفييتية (1917 ـ 1991) على إقليم ناغورنو كاراباخ، بدا أن الشروط اللاحقة التي طالبت بها باكو تعطل التوقيع على الاتفاق. وفيما سمح انشغال روسيا في حربها على أوكرانيا لدول جنوب القوقاز في تبني سياسات أكثر استقلالاً، والانفتاح أكثر على أطراف خارجية في القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، فإن هناك مؤشرات إلى قرب انتهاء الحرب في أوكرانيا، مما يمنح الكرملين فرصة للتركيز على جنوب القوقاز، المنطقة الحيوية المتاخمة لما يمكن وصفه بـ"خاصرة روسيا الضعيفة" في شمال القوقاز، وتعطيل التوقيع على الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان ومنع تركيا من توسيع نفوذها وتعطيل مشروعاتها مع الاتحاد الأوروبي لفتح ممرات نقل، تمتد من آسيا الوسطى إلى أوروبا متجاوزة الأراضي الروسية.

تطلب أذربيجان إلغاء مادة ضم ناغورنو كاراباخ من الدستور الأرميني

سلام أرمينيا وأذربيجان

في 13 مارس/ آذار الماضي، أعلنت أرمينيا وأذربيجان إتمام صياغة معاهدة سلام، ما بعث الأمل في إنهاء النزاع بينهما. وتتصرف أذربيجان من منطق القوة، وترغب في اتفاق يثبت انتصاراتها السابقة، فنتيجة لحرب 2020، استعادت باكو معظم الأراضي المتنازع عليها في إقليم ناغورنو كاراباخ، وفي خريف 2023 أحكمت السيطرة على الإقليم، مع نزوح جميع سكانه وإغلاق الباب عملياً للتفاوض حول مستقبل الإقليم، الذي كان مصدراً للحروب بين أرمينيا وأذربيجان منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وتتألف مسودة الاتفاق الحالية من 17 بنداً من ضمنها عودة العلاقات الدبلوماسية، والتخلي عن أي مطالبات بأراضي الطرف المقابل، ووقف النزاعات القانونية والقضائية، وسحب بعثات حفظ السلام الأجنبية. واستمرت المفاوضات لأربع سنوات للخروج بوثيقة شاملة متكاملة، تمنع إمكانية بروز أي خلافات مستقبلاً، وذلك بعد عقود من انعدام الثقة بين الأرمن والأذربيجانيين. وربما يعود سبب طول المفاوضات أيضاً إلى أن أرمينيا سعت لمصالحة تدريجية، للتخفيف من النقمة الشعبية على الحكومة في حال أقرت بالهزيمة مباشرة، وربما راهن رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان على تغيرات في موازين القوى ومواقف الأطراف الدولية، وسعى إلى تمتين علاقاته العسكرية مع فرنسا والهند. وفي نهاية عهد إدارة الرئيس جو بايدن (2021 ـ 2025) وقع اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة في بداية العام الحالي.

ورغم أن باشينيان سعى إلى المماطلة في المفاوضات لتخفيف تأثير التنازلات على حظوظه وحظوظ حزبه في الحكم بعد الهزائم المدوية في 2020 و2023، فإن الظروف الدولية أجبرته على ما يبدو على تقديم تنازلات الحد الأقصى. وفي 26 مارس الماضي وتزامناً مع موافقة البرلمان على تقديم طلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، دعا باشينيان في كلمة إلى إنهاء التحرك بشأن ناغورنو كاراباخ، مما يعني ضمنياً التخلي عن المطالبة بها، وسابقاً اعترف بأذربيجان بحدودها المتضمنة الإقليم. في المقابل، لم تكن باكو في عجلة من أمرها بعد استعادة أراضيها في ناغورنو كاراباخ والمناطق المحاذية لها والتي خسرتها نتيجة حرب 1992 ـ 1994. وواصلت المفاوضات لتثبيت قانوني وسياسي لنتائج حربها، مواظبة على طرح مزيد من الشروط. وفي مطلع الشهر الحالي، قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف: "شروطنا معروفة لأرمينيا، وهي ليست جديدة"، وحدد شرطين هما: إلغاء مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتعديل الدستور الأرميني. وخلص علييف إلى أنه "بمجرد استيفاء هذين الشرطين، لن يكون هناك أي عائق أمام توقيع معاهدة سلام. وكما يُقال، الكرة في ملعب أرمينيا".

وتأسست مجموعة مينسك التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في أوروبا في عام 1992 لحل النزاع في ناغورنو كاراباخ، وتبادلت فرنسا والولايات المتحدة وروسيا رئاستها الدورية، وفي السنوات الأخيرة توقف عمل المجموعة عملياً. وإلغاء مجموعة مينسك يعني انتفاء سبب وجودها، وبالتالي إغلاق ملف ناغورنو كاراباخ نهائياً. وأبدى باشينيان استعداداً لتلبية هذه المطلب، موضحاً أن حل المجموعة يحتاج إلى موافقة فرنسا والولايات المتحدة وروسيا، وقرار من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وأشار في السياق إلى أن الاجتماع المقبل للمنظمة سيعقد في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. أما بشأن تعديل الدستور الأرميني، فإن أذربيجان تنطلق من أنه رغم زوال الجمهورية الانفصالية في ناغورنو كاراباخ وتسميتها الأرمينية "أرتساخ" والإعلان عن حلها، فإن إعلان استقلال أرمينيا عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991 نصّ على "إعادة توحيد" ناغورنو كاراباخ مع أرمينيا. وتطالب أذربيجان بشطب مادة دستورية تشير إلى هذا الإعلان، مؤكدة أن السلام مستحيل من دون هذا الشرط. وتخشى باكو من أنه حتى لو كان باشينيان وناخبوه مستعدين الآن للتخلي عن ناغورنو كاراباخ إلى الأبد، فقد يصل إلى السلطة في يريفان ذات يوم انتقاميون سيستغلون الإشارة إلى ناغورنو كاراباخ في الدستور الأرميني.

موسكو زادت حراكها في جنوب القوقاز بعد تقدمها على الأرض في أوكرانيا

مشكلة دستورية

وحاولت الحكومة الأرمينية طمأنة باكو، وذلك بإعلان المحكمة الدستورية في يريفان أن القانون الأساسي للبلاد لا يتضمن مطالبات إقليمية ضد دول أخرى. كما تنص مادة في مسودة معاهدة السلام بين أرمينيا وأذربيجان على الاعتراف المتبادل بسلامة الأراضي، فضلاً عن حظر الاستعانة بالقوانين الداخلية لانتهاك المعاهدة. ولفت باشينيان إلى أن دستور أذربيجان يشير إلى إعلان استقلال الجمهورية الأولى عام 1918، والتي ادّعت ملكيتها لأكثر من نصف أرمينيا الحديثة، معتبراً أن "السلطات الأذربيجانية تطلق على أراضي أرمينيا اسم أذربيجان الغربية، أليست هذه مطالبات إقليمية؟". ومع فشلها في إقناع أذربيجان بالتنازل عن هذا المطلب، بدأت أرمينيا عملية إعداد مواطنيها للاستفتاء على تعديل الدستور، مع تشديد باشينيان على أن الحاجة إلى دستور جديد لا ترتبط بمطالب علييف، لكن الواضح أنها مرتبطة أساساً بإرضاء أذربيجان. ومن المستبعد تنظيم استفتاء منفصل حول الدستور، والأرجح أن ينظم تزامناً مع الانتخابات البرلمانية في أرمينيا، في صيف عام 2026. ولكن باكو تصر على ما يبدو على تنظيم الاستفتاء قبل توقيع المعاهدة، نظراً لأنه لا توجد ضمانات مؤكدة بأن نتيجة الاستفتاء ستكون بالموافقة على تعديل الدستور، بما يضمن تكريس سلطتها على ناغورنو كاراباخ نهائياً.

تقارير دولية
التحديثات الحية

ويرتبط التوصل إلى اتفاق سلام دائم بمحاولات بلدان آسيا الوسطى فضلاً عن أرمينيا وأذربيجان والاتحاد الأوروبي وتركيا، من أجل فتح طرق المواصلات، خصوصاً ممر زنغزور، هو عبارة عن شريط بري بطول 40 كيلومتراً، يمر عبر منطقة زنغزور الأرمينية، ويربط أذربيجان بإقليم ناخشيفان المتمتع بالحكم الذاتي، التابع لأذربيجان إدارياً، والمنفصل عنها جغرافياً، لكونه محاطاً بالأراضي الأرمينية. واستكملت أرمينيا استعداداتها لفتح معبر مارغارا الأرميني على الحدود مع تركيا، الذي من المقرر أن يفتح الطريق إلى ناخيشفان. وفيما ترى يريفان أن فتح المعبر والممر يساعد اقتصادها، لكنها تعمل على إطار قانوني لتأمين عبور البضائع وعمليات المراقبة مع عدم الانتقاص من سيادتها نظراً لأن الممر يقطع أراضيها. في المقابل، تصر تركيا على أن معاهدة السلام بين أرمينيا وأذربيجان شرط اساسي لفتح الحدود. وفي 13 مارس الماضي، قال المستشار الأول للرئيس التركي لشؤون السياسة الخارجية وقضايا الأمن، عاكف تشاغطاي قليج، إن إعادة فتح الحدود تعتمد على توصل أرمينيا إلى اتفاق مع حليف تركيا الاستراتيجي، أذربيجان.

ومن الواضح أن العناصر الأساسية للاتفاق على إنهاء الصراع بين أرمينيا وأذربيجان موجودة، ولكن إذا تأخرت باكو ويريفان كثيراً، فقد تضيع الفرصة. وفي حال توصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا، قد يتمكن الكرملين من زيادة التركيز على جنوب القوقاز، والحد من الدور التركي المتصاعد في هذه المنطقة، وقد يمارس ضغوطاً عسكرية واقتصادية على يريفان لتعطيل توقيع اتفاقية السلام، أو تقديم مغريات. في المقابل، فإن باشينيان وصل إلى الحد الأقصى للتنازلات وربما قد يتلقف إشارات من موسكو لعدم تقديم تنازلات إضافية تمثل انتحاراً سياسياً. وبدا أن موسكو زادت حراكها في جنوب القوقاز، بعد تقدمها على الأرض في أوكرانيا، والنتائج الايجابية للمفاوضات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إنهاء الحرب، مع إشارات إلى عدم ممانعة ترامب إلى محافظة روسيا على مناطق نفوذها، بما لا يهدد مصالح واشنطن التي لا تنطلق من أهمية كبيرة لمنطقة جنوب القوقاز.

يحتل ممر زنغزور أولوية لباكو ويريفان ومحيطهما الإقليمي

إسقاط الروس طائرة أذربيجانية

وعمل الكرملين في الأسابيع الأخيرة على تجاوز الخلافات مع باكو، بعد إسقاط طائرة ركاب أذربيجانية بنيران الدفاعات الجوية الروسية في ديسمبر الماضي، وقدم زعيم الشيشان رمضان قديروف جوائز لطاقم طائرة الخطوط الأذربيجانية الذين نجوا من الحادث. وقبل صدور نتائج أي تحقيق رسمي بشأن الحادثة، أعلنت شركات التأمين الروسية أنها ستدفع تعويضات لأسر الضحايا. وفي الوقت نفسه تقريباً، بدأت أعمال بناء نصب تذكاري للزعيم الأذربيجاني الراحل حيدر علييف (والد الرئيس الحالي إلهام) في وسط موسكو. ولم ترد روسيا بقودة على طرد باكو ممثلي وكالة سبوتنيك للأنباء، ومؤسسة روسية معنية بنشر القوة الناعمة لموسكو. ويكشف تجاوب علييف مع جهود تسوية حادثة الطائرة، والموافقة على حضور احتفالات عيد النصر (ذكرى الانتصار على النازيين في الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945) في 9 مايو/ أيار المقبل في موسكو، عن إدراك في أذربيجان بأن انتهاء الحرب في أوكرانيا قد يفتح الباب على زيادة التنسيق مع أرمينيا في المجالات الاقتصادية والسياسية، وربما العسكرية، مما يشجع باشينيان على رفض شروط علييف الأخيرة بانتظار تغير الأوضاع لمصلحته.

وكما كان علييف بارعاً في التقاط اللحظات الحساسة لإطلاق حربه في 2020 واستكمالها في 2023، بدا أن باشينيان يسعى إلى انتهاز فرصة انتهاء حرب أوكرانيا، على أمل أن يكون الرد الروسي مختلفاً، في ظل التغيرات الكبيرة لمصلحة تركيا في جنوب القوقاز وسورية. وفي مارس الماضي أرسل باشينيان تعليمات للهيئات الحكومية بإعادة العلاقات مع نظيراتها الروسية والمشاركة في الفعاليات المشتركة، وذلك على خلفية "التغيرات الجيوسياسية الأخيرة"، حسبما أفادت صحيفة "هاراباراك" في 20 مارس الماضي. كذلك، أرسلت يريفان إشارات إلى استعدادها لتعليق اندفاعها نحو الاندماج في الاتحاد الأوروبي. وبعد إقرار البرلمان الأرميني في 26 مارس الماضي قانون "بدء عملية انضمام جمهورية أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي"، قال رئيس لجنة التكامل الأوروبي في البرلمان النائب أرمين يغويان، إن يريفان لا تخطط لتقديم طلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.