شرارة "حرب الخرائط" تعيد التوتر بين اليونان وتركيا

شرارة "حرب الخرائط" تعيد التوتر بين اليونان وتركيا

11 يوليو 2022
مبان وأبراج مراقبة وبطاريات مدفعية منتشرة في جزيرة بسيريموس في بحر إيجه (Getty)
+ الخط -

دعا رئيس وزراء اليونان، اليوم الاثنين، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تقديم تفسير بشأن خريطة صدرت عن أحد الحلفاء السياسيين لأردوغان، أظهرت عدة جزر يونانية كبيرة غير مأهولة باعتبارها تركية، وما إذا كانت تلك سياسة تركية رسمية.

ويسود خلاف بين تركيا واليونان منذ عقود حول سلسلة من القضايا، منها نزاعات حول حقوق تنقيب تحت مياه بحر إيجه، والسيادة على عدة جزر غير مأهولة.

ووصلت الجارتان إلى شفا الحرب ثلاث مرات خلال نصف القرن الماضي.

وتصاعدت التوترات خلال العامين الماضيين من جديد. وركزت النزاعات الأخيرة على جزر يونانية قبالة ساحل تركيا، حيث تتهم أنقرة جارتها أثينا بالاحتفاظ بوجود عسكري هناك في انتهاك للمعاهدات. وتجادل اليونان بأنها تتصرف وفقا للقانون الدولي وتدافع عن جزرها في وجه العداء التركي.

وكتب رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس على تويتر، اليوم الاثنين: "انظروا جيدا إلى هذه الخريطة. كريت ورودس وليسفوس وخيوس وساموس كلها مستولى عليها من تركيا"، ومعها صورة لدولت بهجلي، وهو زعيم حزب قومي متحالف مع أردوغان، ممسكا خريطة تظهر كريت، أكبر جزر اليونان، وكل جزر اليونان في بحر إيجه باعتبارها تركية.

وأضاف ميتسوتاكيس على تويتر: "حلم محموم من متطرفين أم سياسة رسمية لتركيا؟ استفزاز آخر أم هدف حقيقي؟ على الرئيس أردوغان توضيح موقفه من أحدث تصرفات شريكه الأصغر في الائتلاف".

وكانت الخريطة هدية لبهجلي من تنظيم الذئاب الرمادية القومي المتطرف، المرتبط بحزب بهجلي "حزب الحركة القومية".

ونشر زعيم التنظيم الشبابي، أحمد يغيت يلدريم، صورة بهجلي والخريطة يوم الأحد، قائلا إنها "تظهر حدود الوعي الوطني بجزرنا حيث رفرف العلم التركي المجيد مئات السنين، لكن اليونان اغتصبتها.

نزاع حول الغاز

وطفا ملف الصراع على جزر بحر إيجه مجددا على سطح الأحداث بعد اكتشاف حقول كبيرة من الغاز الطبيعي في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهو الأمر الذي جعل أنقرة تتجه إلى محاولة ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا، وفق بروتوكول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين الذي وُقّع يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وهو الأمر الذي أشعل الصراع بين اليونان وتركيا على الحدود البحرية.

تركيا التي تريد الحفاظ على حقها في التنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية في بحر إيجه، اصطدمت بمعارضة يونانية اتهمت من خلالها أثينا أنقرة بأنها خرقت المناطق الاقتصادية الخاصة بها، والتي تمتد على طول سواحل جزر بحر إيجه المتنازع عليها، والتي تعتبر أقرب جغرافياً للساحل التركي منها للساحل اليوناني.

وقد أثّر نزاع بحر إيجه بصورة قوية على العلاقات التركية اليونانية منذ سبعينيات القرن الماضي، وأدت مرتين إلى أزمات اقتربت من اندلاع القتال العسكري عام 1987 وبدايات عام 1996.

اتفاقيات في مهب الريح

تاريخيا، منحت اتفاقيتا لوزان عام 1923 وباريس عام 1947 اليونان سيادة على الجزر القريبة من الساحل التركي، والتي تبعد عن البر الرئيسي التركي مسافة لا تتجاوز 6 إلى 8 كيلومترات، بشرط تعهد أثينا بعدم تسليحها.

خلال محادثات اتفاقية لوزان، أصرّت تركيا على عدم تسليح اليونان تلك الجزر، بهدف منع أثينا من التفكير بمهاجمة الأراضي التركية أو تشكيل أي تهديد لها.

وبموجب اتفاقية باريس عام 1947، جرى تسليم الجزر التي كانت تحت سيطرة إيطاليا مجددا إلى اليونان رسميا، علما أن تركيا لم تكن واحدة من الأطراف الموقّعة على الاتفاقية.

في هذه الأثناء، تدخل الاتحاد السوفييتي وطالب بإصرار بعدم تسليح اليونان جزر بحر إيجه، وامتناع أثينا عن تأسيس أي قاعدة عسكرية فيها. وبرر موقفه هذا بسعيه لتوفير أمن السفن السوفييتية الحربية في أثناء عبورها هذا البحر.

التزمت اليونان بتعهداتها حيال إبقاء الجزر منزوعة السلاح إلى حين نشوب صراعات في جزيرة قبرص عامي 1963 و1964، عندما أطلقت تركيا ما سمتها عملية "السلام العسكرية" في قبرص (إبريل/نيسان 1974)، بغية حماية الأتراك من الهجمات التي كانوا يتعرضون لها، فبدأت أثينا تسليح الجزر بداعي وجود تهديد حقيقي من الجانب التركي على سلامة أراضيها.

وتطالب أنقرة اليوم اليونان بالالتزام باتفاقيتي لوزان وباريس، اللتين تنصان على إبقاء الجزر في بحر ايجه منزوعة السلاح.

كما قامت أثينا برفع مساحة مجالها الجوي إلى 12 ميلا، رغم أن اتفاقية البحار التي سنتها الأمم المتحدة تنص على وجوب موافقة الدولتين الجارتين على ذلك.

من جهتها، أكدت أثينا أنها تسلح جزر بحر إيجة استناداً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على "حق الدفاع عن النفس"؛ إذ أعلنت حكومتها مرارا أنها قامت بهذه الخطوة بغية التصدي لأي تهديد محتمل من تركيا. وأشارت إلى أن جيش "بحر إيجه"، الذي شكلته تركيا خارج قيادة الناتو، لديه أسطول إنزال على السواحل القريبة من الجزر.

إضافة إلى ذلك، قامت الولايات المتحدة الأميركية بتأسيس قاعدة عسكرية بمدينة ألكساندروبوليس التي تبعد على تركيا قرابة 40 كلم، بالإضافة لنشر قواتها في الجزر الموجودة في بحر ايجه، وهو الأمر الذي يستفز تركيا، خصوصا أن برتوكول التعاون العسكري الموقع بين أثينا وواشنطن في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ينص على تحديث قواعد عسكرية، أبرزها قاعدة سودا في جزيرة كريت الواقعة في بحر إيجه، بالإضافة لتأسيس قاعدة في جزيرة دادا آغاتش في سنة 2021.

هذا الاستفزاز اليوناني لتركيا تحدث عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما قال في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن اليونان أصبحت قاعدة عسكرية أميركية.

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

المساهمون