في الحقيقة هو أكبر من مجرد سؤال يمكن الإجابة عنه بنعم أو لا: هل نجح الاحتلال الإسرائيلي في الفصل بين سياق المواجهة القائمة مع المقاومة وعدوانه الغاشم على قطاع غزة والضفة، بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن كامل السياق المرتبط أساساً بوجود الاحتلال منذ سبعة عقود، وما ترتب عن ذلك من إعدام ممنهج لكل مقومات الحياة الممكنة لدى الفلسطينيين، كسبب مرجعي يفسر القضية الفلسطينية بكل أبعادها الإنسانية والسياسية ووجود الصدام والفعل المقاوم بكل أشكاله المختلفة؟
كان واضحاً أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول أن يبني كل مواقفه، ويؤسس مبرراته السياسية في العدوان على غزة، على قاعدة "المظلومية" وهجوم المقاومة في 7 أكتوبر. ويفسر هذا الأمر لماذا طغى الحديث عن "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، كعنوان سياسي كبير في الفترة الأولى من المواجهة والعدوان، انطوت تحته كل المواقف الغربية الداعمة للاحتلال، والعربية الملتبسة والناعمة تجاه إسرائيل، بل إن كثيراً من النخب الرخوة في المجتمعات العربية نفسها، تلك المتصادمة مع فكرة المقاومة في حد ذاتها، أو تحمل خصومة سياسية ومرجعية مع فصيل من فصائل المقاومة، بسبب توجه أو خيار، وضعت نفسها في النقطة نفسها التي ارتكز عليها الموقف الإسرائيلي.
بعد نحو شهرين من العدوان والمواجهة، وبغض النظر عن تطورات الوضع الميداني على الصعيد العسكري، فإن ما هو واضح بكل الموضوعية التي يقتضيها تقدير الموقف وتقييمه، أن العدوان الإسرائيلي أعاد، عكس حسابات قادة الكيان وتقديراتهم، ربط السياق بالسياق.
أعاد العدوان إنتاج وطرح كل الأسئلة عن فلسطين، والأهم من ذلك أنها أسئلة توسعت على طول المدى الغربي، عن جوهر المعضلة الفلسطينية والمتمثل في وجود الاحتلال وممارساته الوحشية، والأسباب العميقة التي تدفع الفلسطيني إلى المقاومة، وعن حق الوجود الفلسطيني شعباً ودولة وهوية.
ولم يكن الحديث عن ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية أكثر مما هو قائم في الوقت الحالي، بغض النظر عن شكلها وطبيعتها، وهذا كابوس سياسي كبير بالنسبة لإسرائيل.
لم تقنع إسرائيل أحداً بأن لا علاقة لسياق التطورات مع السياق الكلي لوجود الاحتلال، وعندما حاولت فصل سياق عن السياق، وجدت أنها ربطت الحدث الفلسطيني بكل الكرة الأرضية، وحضر الماضي الإسرائيلي البشع في كف الحاضر، وفي عين نبوءات المستقبل أيضاً، فقد سقطت من جيب إسرائيل أجندة مخيفة بشأن خطط تهجير وأفكار للتوسع من الفرات إلى النيل، كانت تعتقد أنها اللحظة المناسبة لذلك، لكن السفن لا تجري برياح إسرائيلية دائماً، لم تنجح إسرائيل في فصل سياق أكتوبر 2023، عن سياق احتلال توسعي وعنصري يمتد إلى زمن النكبة والنكسة، فقد فهم العالم، على المستوى الشعبي قبل الرسمي، أن زوال الاحتلال فقط هو السبيل، وما دون ذلك مكابرة ضد الزمن ليس أكثر.