استمع إلى الملخص
- المحامي جمال عيد أشار إلى تقصير النيابة العامة في حماية القانون، بينما دعا محمد أنور السادات إلى تحقيقات شفافة ومحاسبة المسؤولين لضمان العدالة.
- أكد سعيد صادق على تحديث وزارة الداخلية للتعامل مع المجتمعات القبلية، وطالبت منظمات حقوقية بلجان تحقيق مستقلة لحماية الشهود وأسر الضحايا.
شهدت مصر خلال الأيام الماضية حوادث قتل دفعت عدداً من السياسيين والحقوقيين إلى التحذير من تداعياتها والمطالبة بتحقيقات شفافة ومحاسبة المسؤولين عنها، لا سيما أحداث مدينة النجيلة في محافظة مطروح، شمالي البلاد. وقتل ثلاثة من عناصر الشرطة، الثلاثاء الماضي، على يد أحد المطلوبين في النجيلة، وأعقب ذلك بحسب توثيق مركز حقوقي وشهود، اعتقال وزارة الداخلية سيدات من أهل المتهم وجيرانه للضغط عليه من أجل تسليم نفسه. وبينما أطلق سراح النسوة تباعاً، طلبت وزارة الداخلية التحقيق مع اثنين من الشبان لأنهما قد يحددان مكان وجود الجاني، وبعدما سلما نفسيهما بضمانة قبَلية ومحلية، أعلنت السلطات مقتلهما "أثناء مواجهة مسلحة مع الشرطة". كما قتل شاب ثالث يدعى محمود أسعد، بحسب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، قبل أيام، داخل قسم شرطة الخليفة بالقاهرة في ظروف لا تزال غامضة.
نمط يتكرر في مصر
وقال المحامي والحقوقي المصري جمال عيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ممارسات العنف والمعاملة القاسية قائمة"، موضحاً أن "نمط الحوادث ذاته يتكرر: وفاة في ظروف غامضة، ثم بيان رسمي ينكر وينفي، يعقبه تصاعد غضب المواطنين، ما يؤدي إلى مزيد من العنف". واعتبر أن "ما نشهده حالياً لا يعكس غياب الشفافية فقط، بل يكشف عن غياب سيادة القانون واحترامه". وبرأيه، فإن "الكارثة الحقيقية لا تكمن في العنف وحده، بل في تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب، وهي نتيجة مباشرة لتراجع دور النيابة العامة في مساءلة ومحاسبة ضباط الشرطة عن انتهاكاتهم المتكررة".
جمال عيد: النيابة العامة باتت غائبة عن تمثيل المجتمع وحماية سيادة القانون
وشدد عيد على أن "الآليات القانونية موجودة، والقانون ينص بوضوح على معاقبة من يرتكب الجرائم، لكن ما يغيب هو الإرادة السياسية لاحترام القانون وتطبيقه على الجميع". وأوضح في هذا الصدد أن "النيابة العامة، التي يُفترض أن تمثل المجتمع وتحمي سيادة القانون، باتت غائبة عن هذا الدور، في وقت ترتكب فيه وزارة الداخلية انتهاكات صارخة دون مساءلة تُذكر". من جهته، اعتبر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (في مصر)، محمد أنور السادات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جميع الوقائع التي شهدتها البلاد أخيراً تثير قلقنا بصفتنا مواطنين معنيين بالشأن العام، وممثلين عن أحزاب ومؤسسات تهتم بحقوق الإنسان وكرامته، وعلى رأسها المجلس القومي لحقوق الإنسان". وأشار تحديداً إلى "ما جرى في مطروح من مواجهات أسفرت عن سقوط قتلى من المواطنين أو من أفراد الشرطة، وما حدث في جزيرة الوراق من اشتباكات بين الأهالي والأمن وما نتج عنها من إصابات، وكذلك واقعة وفاة الشاب محمود أسعد داخل قسم شرطة الخليفة، والتي سبقتها أيضاً وفاة شاب آخر في مستشفى القصر العيني".
محمد أنور السادات: نحرص على اتباع نهج واقعي يتعامل مع جوهر الأزمات
وأضاف السادات: "نحن على تواصل مستمر مع الجهات المعنية، بما في ذلك النائب العام، ونطالب بإجراء تحقيقات شفافة وإعلان نتائجها للرأي العام، ومحاسبة كل من يثبت تقصيره أو مسؤوليته". ولفت إلى أنه "قد لا تكون تحركاتنا معلنة إعلامياً، لكنها قائمة بالفعل، لأن الهدف ليس إثارة الرأي العام أو تغذية مشاعر الاحتقان، بل الوصول إلى العدالة وحماية استقرار الدولة". وأوضح أن "بعض الأحزاب أعلنت مواقفها بشكل صريح، كما أن هناك نواباً مستقلين، سواء داخل البرلمان أو خارجه، عبّروا عن قلقهم، لكننا نحرص على اتباع نهج واقعي يتعامل مع جوهر الأزمات، دون السعي وراء الاستعراض الإعلامي، وذلك لضمان تحقيق نتائج حقيقية".
وتابع السادات: "نحن نطالب البرلمان بتشكيل لجان تقصي حقائق بشأن الأحداث التي شهدتها مناطق مثل مطروح وجزيرة الوراق، كما نطالب النيابة العامة بسرعة التحقيق في هذه الوقائع وكشف ملابساتها للرأي العام، خصوصاً في ظل انتشار الشائعات وغياب المعلومات الدقيقة". وأمل أن "تشهد الأيام المقبلة إفصاحاً رسمياً، لا سيما من النيابة العامة، بشأن حقيقة ما جرى في هذه الأحداث، لأننا لا نسعى فقط إلى التهدئة، بل إلى محاسبة حقيقية ورقابة فعلية على أداء جميع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارة الداخلية وأجهزتها".
تحديث وزارة الداخلية
أما أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مصر في "مرحلة ما بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 شهدت زخماً إعلامياً وسياسياً كبيراً نحو تحديث وزارة الداخلية". وأوضح أن "هذا التوجه كان جزءاً من دعوات أشمل لتحديث مؤسسات الدولة، وسياساتها، وبيروقراطيتها، ما يجعلها أكثر حداثة ومواكبة لمتطلبات العصر". إلا أن هذا الزخم تراجع، وفق صادق، تدريجياً "في ظل غياب الشفافية واستمرار وقوع حوادث تكشف بوضوح عن أن أجهزة الدولة لم تشهد التحديث المأمول".
سعيد صادق: النمط القبلي لا يزال قوياً والأمن يتعامل مع هذه المجتمعات بمنطق يثير التوترات
وأضاف أن البدو في مصر "يمثلون نحو 1% فقط من إجمالي السكان، ويقطنون في مناطق حدودية حساسة، وكان من المفترض أن تساهم عمليات التحديث في تقليص الطابع القبلي وتحويل هذه المجتمعات إلى مجتمعات حديثة". لكن ما حدث، بحسب صادق، هو أن "النمط القبلي بقي قوياً، واستمرت ثقافة التضامن والتكاتف داخل القبيلة، في وقت لا تزال فيه أجهزة الأمن تتعامل مع هذه المجتمعات بمنطق يثير التوترات ويستفز المشاعر".
وبرأيه، فإنّ "الحلّ يكمن في مضاعفة جهود تحديث المجتمع البدوي من ناحية، وتطوير أداء مؤسسات الدولة في التعامل مع تلك القضايا من ناحية أخرى، بما يحفظ الثقة في هذه المؤسسات". وشدد على ضرورة "أن يقوم المجلس القومي لحقوق الإنسان بدور فاعل في هذا السياق، من خلال التدخل السريع وإصدار بيانات موثقة حول حوادث كهذه، لضمان المحاسبة وتفادي تكرارها مستقبلاً". واعتبر أنّ "مؤسسات الدولة بحاجة إلى تعزيز ممارسات الشفافية ومحاسبة المتجاوزين داخل أجهزتها، إن كانت ترغب في الحفاظ على مصداقيتها واستعادة ثقة المواطنين بها".
مطالب بالمحاسبة
وكانت منظمات حقوقية قد طالبت بضرورة تشكيل لجان تحقيق مستقلة في الحوادث الثلاث المذكورة، تشمل خبراء قضائيين وحقوقيين، وتُمنح صلاحيات كاملة للاطلاع على ملابسات تلك الوقائع، مع ضمان حماية الشهود وأسر الضحايا. وقالت المنظمة المصرية للحقوق والحريات في بيان قبل أيام، إن "العدالة لا تُبنى بالتعتيم، بل بمحاسبة الجناة وإصلاح المنظومة الأمنية بما يضمن عدم تكرار الانتهاكات". كما دان المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ما وصفه بـ"القتل خارج إطار القانون واحتجاز رهائن من النساء" على يد قوات الأمن في مدينة النجيلة، مطالباً بفتح تحقيق فوري وشفاف في هذه الوقائع التي اعتبرها "جرائم شديدة الخطورة". وبحسب بيان للمركز، فإن قوات الأمن المصرية أقدمت على احتجاز رهائن من النساء في محاولة لإجبار أحد المطلوبين، الذي سبق أن قتل ثلاثة من رجال الشرطة، على تسليم نفسه. وعلى خلفية ذلك، سلّم شابان مراهقان نفسيهما طواعية عبر وساطة قيادات مجتمعية محلية، إلا أن قوات الأمن صفّتهما جسدياً لاحقاً. وبحسب رواية المركز وشهود محليين، فإن الضحيتين يوسف عيد فضل الشحاني (17 عاماً)، وفراج رباش الفزاري (18 عاماً)، كانا بريئين ولم توجه لهما أي اتهامات رسمية، وهو ما يتناقض مع بيان وزارة الداخلية الذي وصفهما بـ"مجرمين خطرين".