سياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية: نحو عهد جديد؟

23 يناير 2025
كيم وترامب في بانمونجوم، 30 يونيو 2019 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصريحات ترامب حول كوريا الشمالية كقوة نووية أثارت تساؤلات حول سياسته المستقبلية، خاصة مع رفض واشنطن الاعتراف بوضعها النووي، مما أثار جدلاً في الصين وكوريا الجنوبية حول تأثيرها على الاستقرار الإقليمي.

- خلال ولايته الأولى، التقى ترامب كيم جونغ أون ثلاث مرات دون نتائج ملموسة، لكن كسر الجمود في العلاقات، مما أثار مخاوف أمنية بسبب شخصيته غير المقيدة بالبروتوكولات الدبلوماسية.

- يرى بعض الخبراء أن تصريحات ترامب قد تكون دعاية لتعزيز صورته كصانع سلام، بينما تظل كوريا الشمالية مصدر قلق دولي بسبب برنامجها النووي، مما قد يؤدي إلى توترات مع حلفاء واشنطن.

أثار تعليق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن بيونغ يانغ ووصفها بأنها قوة نووية، الكثير من التساؤلات حول سياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية التي سيتبعها خلال ولايته الثانية، وما إذا كان سيتعامل معها باعتبارها قوة نووية على غرار القوى العالمية الأخرى. علماً أن واشنطن ترفض منذ فترة طويلة الاعتراف بالوضع النووي لبيونغ يانغ، وذلك جزء من استراتيجية تهدف إلى تجنب إضفاء الشرعية على برنامجها النووي، إذ تخضع كوريا الشمالية منذ عام 2006 لسلسلة عقوبات اقتصادية وتجارية وعسكرية، بموجب قرارات يصدرها مجلس الأمن سنوياً منذ ذلك الحين.

أثناء توقيعه على سلسلة من الأوامر التنفيذية في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن، عقب تنصيبه الاثنين الماضي، قال ترامب في حديثه عن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون: "لقد أحبني، وأنا أحببته، لقد تفاهمنا بشكل جيد للغاية، الآن أصبح قوة نووية، أعتقد أنه سيكون سعيداً برؤيتي أعود". وكان مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع بيت هيغسيث قد وصف كوريا الشمالية بأنها "قوة نووية" خلال جلسة استماع تثبيت تعيينه في مجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي، والذي ينتظر نتائج تصويت المجلس في الأيام المقبلة. أثارت تعليقات ترامب جدلاً واسعاً في الصين وكوريا الجنوبية، إذ فسرها البعض بأنها إشارة إلى مبادرات دبلوماسية متجددة، في حين حذّر آخرون من المخاطر التي يشكلها مثل هذا الخطاب على الاستقرار الإقليمي وتحالف الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية.

تساؤلات حول سياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية

في سيول، قالت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، أمس الأول الثلاثاء، إن إشارة ترامب إلى كوريا الشمالية باعتبارها قوة نووية تتوافق مع نهجه السابق تجاه بيونغ يانغ، ما يشير إلى أنه لا ينبغي النظر إلى ذلك باعتباره اعترافاً بها دولةً نووية. كما أكدت الحكومة الكورية الجنوبية أنها ستواصل الضغط من أجل نزع السلاح النووي من جارتها الشمالية. من جهتها، ذكرت وسائل إعلام صينية، أمس الأربعاء، أن قبول بيونغ يانغ قوةً نووية لم يكن قط من سياسات الولايات المتحدة، ولم يسبق لأي رئيس أميركي أن وصفها بذلك، مشيرة إلى أن اعتراف ترامب بكوريا الشمالية قوةً نووية يخالف سنوات من السياسة الأميركية، ويضع سيول في حالة من التوتر. وأضافت أن هذه الخطوة تعيد تعريف عقود من السياسة الخارجية الأميركية تجاه بيونغ يانغ، متسائلة عما إذا كان ذلك يمثل بداية لانعكاس دراماتيكي في السياسة الخارجية الأميركية أو عودة إلى أسلوب ترامب في الدبلوماسية الشخصية.

خلال ولايته الأولى بين 2017 و2021، التقى ترامب الزعيم الكوري الشمالي ثلاث مرات، لم يسفر أي منها عن نتائج إيجابية. فقد شهدت تلك الفترة تكثيف بيونغ يانغ تجاربها الصاروخية بعدما تعهد كيم بتعزيز ترسانته النووية، فيما خاض الزعيمان حرباً كلامية وتهديدات متبادلة. وفي كلمة له بمناسبة رأس السنة في نهاية عام 2017، أعلن كيم أن بلاده أصبحت قوة نووية وأن جميع الأراضي الأميركية تقع تحت مرمى أسلحته النووية. كما أشار إلى أن الزر النووي دائماً على مكتبه، وأن ذلك واقع وليس تهديداً. بالمقابل، لم يتأخر رد ترامب آنذاك، الذي كتب على منصة إكس (كانت تويتر حينها)، أنه أيضاً لديه زر نووي، ولكنه "أكبر بكثير" من زر كيم، و"أكثر قوة". مع ذلك، شهدت تلك الفترة كسراً للجمود في العلاقات بين البلدين استمر لعدة عقود، إذ كان ترامب أول رئيس أميركي في منصبه يعبر الحدود إلى كوريا الشمالية منذ الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، وذلك بعد لقائه التاريخي في يونيو/ حزيران 2019 مع كيم جونغ أون في المنطقة منزوعة السلاح (بانمونجوم)، بين الكوريتين.

جيانغ قوه: تعكس تصريجات ترامب شخصيته غير المقيدة بالبروتوكولات الدبلوماسية

مخاوف وتوترات

في رده على سؤال لـ"العربي الجديد" حول تعليقات الرئيس الأميركي الأخيرة، وكذلك سياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية قال الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في بكين جيانغ قوه إنه "لا ينبغي تأويل مثل هذه التصريحات بأنها تمثل اعترافاً ضميناً بكوريا الشمالية قوةً نووية". وعزا ذلك إلى أن التصريحات هذه "في الحقيقة تعكس شخصية ترامب غير المقيدة بالبروتوكولات الدبلوماسية والسياسية المعتادة، مثلما حدث في ولايته الأولى عندما سجل اختراقاً في السياسة الخارجية الأميركية بلقائه بالزعيم كيم جونغ أون، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لا شيء". وأوضح أنه "على العكس، زادت بيونغ يانغ وتيرة تجاربها الصاروخية، ما تسبب في إثارة مخاوف أمنية كبيرة في شبه الجزيرة الكورية، فضلاً عن التهديدات التي طاولت الأراضي الأميركية ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة".

من جهته، قال الأستاذ في معهد لياونينغ للدراسات السياسية وانغ يوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تصريحات ترامب بشأن علاقته الجيدة مع كيم، وعبارات الإعجاب، هي جزء من الدعاية التي سيعمل عليها خلال ولايته الثانية في سبيل الحصول على نوبل للسلام، وهي الجائرة التي سعى إليها خلال ولايته الأولى". وربط سياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية بسياسات ينتهجها الرئيس الجمهوري تجاه صراعات أخرى، مشيراً إلى أن حرص ترامب "على إيقاف الحرب في غزة والتأكيد على ذلك في يوم تنصيبه، وتصريحه بأن عهده سيكون عهد سلام، إلى جانب تقديم إشارات إيجابية بشأن الأزمة الأوكرانية، وإبداء استعداده للقاء (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، كل هذه عوامل تؤكد أننا أمام تغييرات دراماتيكية في السياسة الخارجية الأميركية تجاه العديد من الملفات والقضايا الإقليمية، وفي مقدمتها الأزمة الكورية". قد تؤدي سياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية من جهة أخرى إلى توترات مع حلفاء واشنطن، إذ اعتبر الخبير في العلاقات الدولية المقيم في هونغ كونغ تشاو يين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بغض النظر عن نوايا ترامب، يظل البرنامج النووي لكوريا الشمالية مصدر قلق بالغ للمجتمع الدولي، وتهديداً مستمراً لجميع دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة".

تشاو يين: أي تقارب بين واشنطن وبيونغ يانغ يهدف في المقام الأول إلى جر الأخيرة لطاولة الحوار

وأضاف أن "واشنطن لن تقبل بأي حال من الأحوال أن تصبح بيونغ يانغ قوة نووية، وذلك لعدة أسباب، من بينها عدم الرغبة في التخلي عن مبادئها بشأن منع انتشار السلاح النووي"، إلى جانب "عدم إعطاء فرصة وأمل للدول الأخرى الطامحة إلى امتلاك أسلحة نووية بأن تسير على نهج كوريا الشمالية، بالإضافة إلى الحفاظ على الحلفاء في المنطقة (سيول وطوكيو)". لذلك، رأى تشاو أن "أي تقارب بين واشنطن وبيونغ يانغ بغض النظر عن الطريقة التي يسير فيها، يهدف في المقام الأول إلى جر الأخيرة لطاولة الحوار من أجل إقناعها بضرورة التخلي عن أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية وتقديم ضمانات أمنية".

المساهمون