سويسرا تنافس تركيا والفاتيكان على استضافة مفاوضات روسيا وأوكرانيا
استمع إلى الملخص
- تراجعت احتمالية استضافة الفاتيكان للمفاوضات، حيث تعتبره روسيا غير جاد بسبب موقعه وقيود السفر المفروضة على المسؤولين الروس.
- يكتنف الغموض مستقبل المفاوضات بين البلدين، مع استمرار التوترات وتبادل الهجمات الجوية، مما يعكس تعقيد الوضع وصعوبة الوصول لتسوية سلمية.
ذكرت صحيفة إزفيستيا الروسية، في عددها الصادر اليوم الاثنين، أن سويسرا تسعى إلى أن تكون محفلاً للحوار بين موسكو وكييف اللتين استأنفتا المفاوضات المباشرة في إسطنبول بعد تعثرها لأكثر من ثلاث سنوات. ونقلت الصحيفة عن ناطق باسم وزارة الخارجية السويسرية، قوله إنّ بلاده تواصل الاتصالات مع روسيا وأوكرانيا على حد سواء، بُغية استضافة المفاوضات في المستقبل.
يأتي ذلك بعدما تردد أن الفاتيكان وسيط محتمل في المفاوضات، لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعتبر هذا الاحتمال غير واقعي من جهة عقد بلدين أرثوذكسيَين مفاوضات على أرض كاثوليكية، جازماً في الوقت نفسه بانعقاد جولة ثانية من المفاوضات، دون الكشف عن موعدها وموقعها. من جهته، كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي
، عقب محادثته مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، في 19 مايو/أيار الجاري، أن الدول المرشحة لاستضافة المفاوضات هي الفاتيكان وسويسرا وتركيا، التي قد احتضنت الجولة الأولى من المفاوضات قبل 10 أيام.وقال الناطق باسم الخارجية السويسرية لـ"إزفيستيا": "أخذت وزارة الخارجية علماً بتصريح زيلينسكي الذي اقترح سويسرا موقعاً محتملاً لعقد المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا. نواصل الاتصالات مع كل الأطراف المعنية على مختلف المستويات. لا تزال سويسرا مستعدة لعرض خدماتها الطيبة دعماً لعملية سلام حقيقية".
إلّا أن السفارة الروسية لدى سويسرا علقت على ذلك بالتأكيد أنه لا نقص في الدول الوسيطة المحتملة لإقامة اتصالات روسية أوكرانية، إذ قال ناطق باسم السفارة للصحيفة: "في حال بقاء الديناميكية الحالية والنهج الداعم صراحة لكييف الذي تتبناه السلطات السويسرية، فإن مسألة تنظيم مثل هذا اللقاء على أراضي الكونفيدرالية (السويسرية) تندرج ضمن المضاربات"، وأضاف الناطق أن السفارة لم تتلقَ طلبات من الجانب السويسري بهذا الخصوص، بينما لا يبادر الجانب الروسي بطرح هذه المسألة نظراً للأسباب المذكورة.
ورغم أن سويسرا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، إلّا أنها أيدت جميع حزم العقوبات الأوروبية بحق موسكو، لتشمل القيود السويسرية أكثر من ألفي شخص طبيعي واعتباري روسي، بالإضافة إلى تجميد أصول روسية بقيمة 7.7 مليارات فرانك سويسري، كما احتضنت سويسرا قمة السلام حول أوكرانيا في مدينة بورغنستوك في يونيو/ حزيران من العام الماضي، من دون مشاركة روسيا.
لماذا تراجعت حظوظ الفاتيكان في استضافة مفاوضات روسيا وأوكرانيا؟
وفي ما يتعلّق بإمكانية استضافة الفاتيكان محادثات بين موسكو وكييف، قالت ثلاثة مصادر روسية كبيرة لـ"رويترز"، إنّ روسيا لا ترى في الفاتيكان مكاناً جاداً لإجراء محادثات سلام مع أوكرانيا، لأن الكرسي الرسولي هو مقر الكنيسة الكاثوليكية، وتحيط به إيطاليا البلد العضو في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وأشاروا أيضاً إلى أن العديد من المسؤولين الروس لا يستطيعون حتى السفر إلى هناك بسبب القيود الغربية.
والتزم الفاتيكان علناً حتى الآن الصمت بشأن الفكرة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن البابا لاوون الرابع عشر يمكن أن يستضيف محادثات تهدف إلى إنهاء أكثر الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الأسبوع الماضي، إن البابا لاوون، أول بابا مولود في الولايات المتحدة، أكد استعداده لاستضافة المحادثات خلال مكالمة هاتفية معها، وقال مصدر روسي كبير مطلع على تفكير الكرملين، شريطة عدم ذكره بالاسم بسبب حساسية المسألة، "لا يُنظر إلى الفاتيكان بالتأكيد في روسيا على أنه قوة جادة قادرة على حل مثل هذا النزاع المعقد". ومن بين الأسباب التي ذكرتها المصادر الثلاثة، حقيقة أن كلاً من روسيا وأوكرانيا دولتان أرثوذكسيتان شرقيتان في الغالب، في حين أن الفاتيكان محاط بإيطاليا، عضو حلف شمال الأطلسي التي دعمت أوكرانيا وفرضت عقوبات متكرّرة على روسيا.
ولم يرد الكرملين والفاتيكان على طلبات للتعليق. وعندما سُئل الكرملين الأسبوع الماضي عن فكرة الفاتيكان قال إنه لم يجرِ اتخاذ قرار بعد. وشدّدت المصادر الروسية على أنه بالنسبة لمعظم كبار المسؤولين الروس، سيكون من الصعب للغاية حتى الوصول إلى الفاتيكان من موسكو، إذ جرى إلغاء الرحلات الجوية المباشرة بعد بدء الحرب في 24 فبراير/ شباط 2022، وهناك عدد لا يحصى من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على مسؤولين روس. وقال أحد المسؤولين الروس ساخراً، إن المكان الوحيد الأفضل من الفاتيكان هو لاهاي، مقرّ المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق بوتين بتهم ارتكاب جرائم حرب.
وبذلك، لا يزال الغموض سيّد الموقف في مسألة آفاق المفاوضات والتسوية الروسية الأوكرانية، إذ إن استكمال عملية تبادل الأسرى في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم قابله تبادل موسكو وكييف هجمات جوية مكثفة، وذلك بعد مرور أقل من أسبوع على مفاوضات إسطنبول التي دامت نحو ساعتين، وأسفرت عن الاتفاق على إجراء صفقة تبادل أسرى كبرى شملت ألف أسير من كل طرف.