سورية: محاولات من فلول النظام المخلوع لزعزعة الاستقرار

26 يناير 2025
عنصر من إدارة العمليات في اللاذقية، 18 يناير 2025 (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الإدارة الجديدة في سوريا تحديات أمنية بسبب تمرد فلول النظام المخلوع في الساحل السوري، حيث يحاولون استغلال الانتهاكات الفردية لإثارة الفتنة الطائفية وزعزعة الاستقرار.
- شنت الإدارة حملات أمنية لملاحقة فلول النظام في الساحل، مع تسيير رتل عسكري كبير، ونفت السلطات المحلية شائعات انسحاب القوات، مؤكدة استمرار العمليات.
- يرى المحللون أن محاولات الفلول تفتقر للدعم الشعبي، ويستمر المجتمع المحلي في نبذهم، بينما تفتح الإدارة باب التسويات للعائدين للحياة المدنية.

لا يزال الوضع الأمني يشكّل هاجساً للإدارة الجديدة في سورية التي تواجه تمرد فلول النظام المخلوع في منطقة الساحل السوري من عسكريين وشبيحة، الذين يتخذون من انتهاكات فردية تحدث في بعض المناطق، ذرائع لمحاولة ضرب السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار، فيما يبدو أنهم غير مقتنعين بالواقع الجديد في البلاد. ويلعب فلول النظام المخلوع على الوتر المذهبي لإثارة الخلافات بين السوريين، كما حصل أول من أمس الجمعة، حين حاولوا إظهار ما جرى من انتهاكات في قرية مريمين بريف حمص الشمالي الغربي، بحق بعض السكان على أنه "تهديد وجودي" للطائفة العلوية في البلاد.

ولم تحاول الإدارة الجديدة إنكار وجود انتهاكات، بل أعرب المكتب الإعلامي في محافظة حمص التابع للإدارة في بيان عن استنكاره وإدانته "ما شهدته قرية مريمين من إساءة للمعتقدات والمقدسات الدينية وانتهاكات غير مقبولة عقب انسحاب القوات الأمنية". وأشار إلى أن مجموعة "استغلت هذا الظرف لارتكاب تجاوزات بحق الأهالي، منتحلة صفة أمنية"، مؤكداً أن "أي تجاوزات من أفراد أو مجموعات سيتم التعامل معها بحزم وفق القوانين النافذة". وزار محافظ حمص عبد الرحمن الأعمى القرية مساء الجمعة، واطلع مباشرة على مجريات الأحداث فيها إذ استمع إلى شهادات الأهالي، متوعداً بمحاسبة مرتكبي التجاوزات التي جرت خلال عملية تفتيش القرية. في السياق، ذكر مصدر إعلامي من المنطقة لـ"العربي الجديد"، أن ما جرى في بلدة مريمين هو انتهاكات مرفوضة من سكان المنطقة، مؤكداً أن ما يشاع عن سقوط عدد كبير من القتلى غير صحيح. وأوضح أن الانتهاكات شملت فقط عمليات ضرب وإهانة لشبان من سكان قرية مريمين قام بها مسلحون باسم الأمن العام.

تحرك فلول النظام المخلوع

في موازاة ذلك، تناقلت صفحات على وسائل التواصل، أول من أمس الجمعة، أنباء عن انسحاب قوات الأمن العام من عدة مواقع في محافظة اللاذقية. وحاولت هذه الحسابات بث شائعات في الشارع السوري من قبيل انسحاب الإدارة الجديدة من اللاذقية ووصول ماهر الأسد (شقيق بشار الأسد المخلوع) إلى الساحل السوري بمساعدة من الجانب الروسي. ونفى مدير الأمن في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي ما تناقلته هذه الصفحات. وأشار في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية إلى أن "بعض العناصر الخارجين عن القانون استغلوا هذه الأنباء لتنفيذ أعمال إجرامية باستهداف مواقع تابعة لوزارة الداخلية"، مؤكداً فشل هذه المحاولات و"تحييد ثلاثة من المهاجمين"، مضيفاً: "تستمر عملياتنا في ملاحقة المجرمين الفارّين. سنتخذ إجراءات صارمة ضد أي شخص يحاول المساس بأمن البلاد".

فايز الأسمر: لم يقتنع فلول النظام المخلوع بأن تغييراً جوهرياً حدث في سورية

ويبدو أن هذه الشائعة التي سرعان ما تبيّن زيفها دفعت عدداً من فلول النظام المخلوع للتحرك في ريف اللاذقية في محاولة لفرض سيطرة ميدانية على بعض المناطق، وهو ما دفع إدارة العمليات العسكرية لشن حملة أمنية جديدة، فيما خرجت تظاهرات مؤيدة للإدارة الجديدة في مدينة اللاذقية مساء الجمعة، وذلك رداً على محاولات الترويج لشائعات هدفها ضرب السلم الأهلي في المحافظة. وذكرت وسائل إعلام سورية أمس السبت، أن الإدارة الجديدة سيّرت رتلاً عسكرياً كبيراً باتجاه الساحل السوري بعد ظهور بؤر تمرد جديدة من فلول النظام المخلوع خصوصاً في ريف اللاذقية، مشيرة إلى أن الطيران المروحي يشارك في الحملة الأمنية. ومنذ تسلمها مقاليد الأمور في البلاد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، شنت إدارة العمليات العسكرية حملات أمنية متكررة لملاحقة فلول النظام المخلوع في الساحل من عسكريين وأمنيين وشبيحة، ممن يتلطون وراء انتهاكات جرت وما تزال تجري في بعض القرى أثناء عمليات التمشيط التي تجريها إدارة الأمن العام في الإدارة الجديدة، من أجل بث الشائعات وتأليب الشارع.

وذكر صفوان س، وهو أحد الذين شاركوا في التظاهرات، لـ"العربي الجديد"، أن الساحل السوري "لم يشهد أي انتهاكات بحق المدنيين"، مشيراً إلى أن فلول النظام المخلوع "تعتبر القبض على مرتكبي الجرائم بحق السوريين طيلة 14 عاماً أو ملاحقتهم انتهاكات". في السياق، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس السبت، أن الحملات التي نفذتها إدارة العمليات العسكرية "لم تشهد حالات تنكيل بالمدنيين"، مضيفاً: "قبيل مغادرة المنازل التي تم تفتيشها كان العناصر من الإدارة الجديدة يطالبون الأهالي بتفقد أثاثهم وأموالهم للتأكيد أن الحملة كانت نزيهة وأخلاقية بامتياز".

من جانبه، رأى المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الانتهاكات التي وصفها بـ"الفردية والمحدودة"، التي تجري بين يوم وآخر بحق مدنيين في مناطق كان يُنظر إليها على أنها موالية للأسد "ليست هي السبب الوحيد للاحتقان والتوتر في الساحل وقرى في ريف حمص ظلت على مدى 14 عاماً الخزان البشري للنظام وأجهزته القمعية". وبرأيه فإن السبب الأول والأهم هو "عدم وصول فلول النظام المخلوع من العسكريين والأمنيين إلى قناعة بأن تغييراً جوهرياً حدث في سورية، وأنها لم تعد كما كانت مزرعة خاصة لهم ولعائلة الأسد يفعلون بها ما يشاؤون من الموبقات والجرائم ومن دون أي حساب أو مساءلة". وتابع: كما يبدو أن كبار ضباط أجهزة الأمن والجيش في النظام المخلوع من مجرمي الحرب والمطلوبين للعدالة الانتقالية، يحاولون تهديد السلم الأهلي للضغط على إدارة العمليات للدخول معهم في مفاوضات بغية إصدار عفو عنهم.


عبد الله الأسعد: ليس هناك بيئة حاضنة للشبيحة يمكن أن تساعدهم

محاولات يائسة للنظام المخلوع

تعليقاً على التوتر الذي تشهده مناطق في الساحل السوري، رأى المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما يجري "محاولات يائسة لزعزعة الاستقرار من مجموعات كانت مصالحها مرتبطة بنظام الأسد المخلوع"، مضيفاً: "هؤلاء وجدوا أن المكاسب التي حصلوا عليها من نظام الأسد المخلوع بغير وجه حق باتت مهددة". وأكد الأسعد أن هذه المجموعات "غير منظمة"، مضيفاً: هؤلاء يحاولون تأجيج هواجس زرعها نظام الأسد في البيئة التي كانت موالية عن مخاطر التغيير في البلاد. استبعد الأسعد قدرة هذه المجموعات على زعزعة الاستقرار أو استقطاب تعاطف محلي، مضيفاً: "في الأساس هؤلاء الشبيحة منبوذون من المجتمع وانتهاكاتهم كانت تطاول جميع سكان الساحل السوري على اختلاف طوائفهم، ومن ثم لن يكون لهم أي حضور وليس لديهم بيئة حاضنة يمكن أن تساعدهم".

والساحل السوري الذي يضم محافظتي اللاذقية وطرطوس كان ينحدر منه أغلب الضباط في الأجهزة الأمنية التي كانت تابعة للنظام المخلوع، فضلاً عن الشبيحة الذين كانوا منضوين في مليشيات مارست مختلف صنوف الانتهاكات بحق السوريين على مدى نحو 14 عاماً. وفتحت الإدارة باب تسويات لكل عناصر النظام المخلوع العسكريين والأمنيين، إلا أن عدداً منهم رفض هذه التسويات وواصل محاولات زعزعة الأمن غربي البلاد مستفيدين من التضاريس الصعبة. وما زال هؤلاء يحتفظون بأسلحة فردية ومتوسطة ينفذون فيها بين وقت وآخر عمليات ضد مقرات الأمن العام في ريفي طرطوس واللاذقية، أبرزها تلك التي جرت في 26 ديسمبر الماضي، وأدت إلى مقتل وإصابة عدد من عناصر الأمن العام التابعين لوزارة الداخلية.