سورية: رؤى متباينة حول شكل ومضامين المرحلة الانتقالية

20 ديسمبر 2024
في دمشق أمس الخميس (زهرة بنسمرا/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد إسقاط نظام بشار الأسد، ظهرت خلافات بين النخب السورية حول إدارة المرحلة الانتقالية، مع مطالبات بتنفيذ القرار الدولي 2254 لإنشاء هيئة حكم انتقالي وكتابة دستور جديد، بدعم من المجتمع الدولي.

- الإدارة السورية الجديدة تخطط لعقد مؤتمر وطني شامل لتشكيل مجلس يقوم بإجراءات مثل إلغاء الدستور الحالي وحل مجلس الشعب وتشكيل لجنة دستورية جديدة، مع إلغاء الأفرع الأمنية.

- المشهد السياسي السوري معقد بسبب تعدد الرؤى، بما في ذلك مطالب الأكراد باللامركزية، مع جهود لعقد حوار وطني لتأسيس جمعية لوضع دستور جديد، مع التأكيد على وحدة البلاد.

طفت على سطح المشهد السياسي المعقّد والمتشابك في سورية خلافات النخب والتيارات حول كيفية إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد بعد نحو أسبوعين فقط من إسقاط نظام بشار الأسد على يد "هيئة تحرير الشام" وفصائل متحالفة معها، التي باتت تملك اليوم القرار السياسي والإداري، وعيّنت حكومة تدير البلاد حتى مطلع مارس/آذار المقبل. وتطالب التيارات والمنصات السورية، بما فيها الائتلاف الوطني، بتنفيذ مضامين القرار الدولي 2254 الذي يدعو إلى إنشاء هيئة حكم انتقالي تشرف على كتابة دستور تجري على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية. ويدفع المجتمع الدولي بهذا الاتجاه، إذ دعا أعضاء مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي إلى تنفيذ عملية سياسية شاملة بقيادة وملكية سورية، تستند إلى المبادئ الأساسية للقرار المذكور بتسيير من الأمم المتحدة "تلبي التطلعات المشروعة لجميع السوريين، وتحميهم جميعاً وتمكنهم من تحديد مستقبلهم سلمياً ومستقلاً وديمقراطياً".

الانتقال السياسي في سورية

وعن المرحلة الانتقالية، قال عضو إدارة الشؤون السياسية في الإدارة السورية الجديدة محمد الخالد، لـ"العربي الجديد" أمس الخميس، إن "أول إجراء سنقوم به هو الدعوة لمؤتمر وطني جامع لكل أبناء محافظات سورية، وكل الطوائف الدينية، ومكونات المجتمع السوري"، موضحاً أن هذا المؤتمر الوطني سينبثق عنه مجلس يقوم بعدد من المهام والإجراءات. وعن مهام هذا المجلس، قال الخالد: "لا توجد مهام محددة حالياً لهذا المجلس، لكن تتم مناقشة بعض المهام، ومنها إلغاء الدستور، وحل مجلس الشعب، وتشكيل لجنة دستورية تبدأ بكتابة دستور جديد، تتكون من خبراء قانونيين ودستوريين"، موضحاً أنه قد تستغرق كتابة الدستور مدة سنة أو سنتين. وبيّن الخالد أنه "خلال المرحلة الجديدة سيتم إلغاء الأفرع الأمنية كلها وسيكون لدينا فقط جهاز استخبارات ووزارة داخلية".

وزار مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسن، العاصمة السورية دمشق خلال هذا الأسبوع، واجتمع مع قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، الذي طالب بتعديل القرار الدولي 2254 الذي صدر أواخر عام 2015، لأن الأحداث المتلاحقة تجاوزته، ولم تعد هناك جهة تمثل النظام المخلوع كما ينص القرار للتفاوض على تنفيذ بنوده. وبدأت ترتفع أصوات المنصات السياسية السورية في الآونة الأخيرة، التي تطالب بالمشاركة في رسم ملامح المرحلة الانتقالية في البلاد، ربما لخشيتها من تفرد "العمليات العسكرية" بالقرار وإقصاء هذه المنصات التي لا تملك رصيداً في الشارع السوري بسبب اتهامات بالفساد والفشل تلاحقها.

ترتفع أصوات المنصات السياسية السورية في الآونة الأخيرة مطالبة بالمشاركة في رسم ملامح المرحلة الانتقالية

ودعا رئيس الائتلاف الوطني هادي البحرة، في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، إلى "تشكيل حكومة انتقالية شاملة"، بعد انقضاء المدة المحددة لحكومة تسيير الأعمال الحالية التي يرأسها محمد البشير. وأشار البحرة إلى أن تنفيذ القرار الأممي 2254 مصلحة أساسية مشتركة للشعب السوري، وأنها ستكون عملية حوار سوري ـ سوري بين قوى الثورة والمعارضة ومكونات الشعب السوري كافة دون إقصاء أحد، معتبراً أن الائتلاف السوري في "قلب المعادلة"، ومشيراً إلى أن فصائل الجيش الوطني السوري، وهي جزء من هذا الائتلاف، كانت ضمن إدارة العمليات العسكرية، وأسهمت في تحرير سورية.

ولم يقتصر الحراك السياسي على المنصات السياسية المعروفة في المشهد السوري، بل دعا الرئيس الروحي للمسلمين الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، في كلمة له بُثت على وسائل التواصل الأربعاء، إلى "عقد مؤتمر وطني شامل يجمع ممثلين عن كل الأهالي بكل المحافظات"، بهدف "انتخاب لجان عمل تقوم بإقرار دستور جديد للدولة السورية بوجهة نظام لامركزي إداري مع فصل السلطات حفاظاً على مؤسسات الحكم ومنع تقسيم البلاد وعدم تسيير الأمور باتجاهات خاصة بأي جهة أو أي فئة".

مشهد سياسي معقّد

ويبدو أن العديد من الرؤى السياسية المختلفة وربما المتنافرة ستختلط في مشهد سوري معقّد للغاية، فالنظام المخلوع ترك البلاد بحالة اقتصادية واجتماعية وسياسية متهالكة، وهو ما يفسر الجدل المحتدم هذه الأيام حول شكل المرحلة الانتقالية ومضامينها، خصوصاً لجهة الدستور المقبل والجهة المخوّلة في كتابته وعرضه على الاستفتاء العام في داخل البلاد وخارجها وفق ما نص عليه القرار 2254. وفضلاً عن الهيئات والمنصات السياسية التي كانت قبل الثامن من الشهر الحالي في ضفة المعارضة، هناك الجانب الكردي في شمال شرق سورية الذي يدفع باتجاه اللامركزية التي تصل إلى حدود الفيدرالية، وهو ما ترفضه عموم المنصات السياسية وتعتبره مدخلا للتقسيم. وتطالب "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على الشمال الشرقي من البلاد، بأن تكون ضمن المنظومة العسكرية للبلاد، وأن يلعب الجانب الكردي دوراً في كتابة الدستور المقبل لضمان "حقوق الأكراد" في مستقبل البلاد.

ويبدو أن القوى السياسية والعسكرية الكردية بصدد تشكيل وفد يتوجه إلى العاصمة دمشق للتفاوض مع السلطة الجديدة التي أكدت أكثر من مرة رفضها لأي محاولة لتقسيم البلاد. وفي هذا الصدد، قال قائد الجناح العسكري في "هيئة تحرير الشام"، مرهف أبو قصرة الملقب بأبو حسن الحموي، في تصريحات الثلاثاء، إن المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات "قسد" ذات الطابع الكردي ستنضم إلى حكومة دمشق، مشدداً على أن "سورية لن تتجزأ ولن توجد فيها فيدراليات" وفق قوله.

عرابي عرابي: سيكون هناك حوار وطني شامل تشارك فيه كل القوى لتأسيس جمعية تعمل على وضع دستور جديد للبلاد

واستبعد الباحث السياسي عرابي عرابي، في حديث مع "العربي الجديد"، حدوث "صدام سياسي" في البلاد، مشيراً إلى أن الإدارة السياسية الحالية في العاصمة دمشق "من عدة أطياف"، مضيفاً: "هناك خطوات لعقد مؤتمر في العاصمة دمشق لكل القوى السياسية في البلاد، وهذا أمر مبشّر". وتابع: "نشهد اليوم ضخاً إعلامياً مضاداً لتسليط الضوء على تجاوزات فردية من المرجح وقوف فلول النظام المخلوع وراءها لإحداث بلبلة داخلية تؤثر في العهد الجديد سلباً". ورأى أنه "على الرغم من ذلك، فإن الأوضاع في سورية تسير في اتجاه صحيح"، مضيفاً: "سيكون هناك حوار وطني شامل تشارك فيه كل القوى، بما فيها الائتلاف، لتأسيس جمعية تعمل على وضع دستور جديد للبلاد".

من جهته، رأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "من الطبيعي أن يزخر المشهد السياسي السوري برؤى متعددة"، مضيفاً: "هناك تيارات تراوح بين أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فضلاً عن الطرفين الدرزي والكردي، إضافة إلى العلوي، وهذه أطراف لها رؤى سياسية محددة". وحول احتمالات الوصول إلى صدام سياسي، رأى القربي أن "هذا الأمر محكوم بالقوى السياسية والدينية والمذهبية والمجتمعية الموجودة"، مضيفاً: "هناك محددات سياسية يجب أن تكون من الخطوط الحمراء للسوريين عموماً، الأول: وحدة البلاد، بمعنى إدارة الخلافات تحت هذا العنوان، والثاني التدخّل الخارجي الذي لا يجلب إلا الويلات للبلاد، والثالث عدم استخدام العنف لحل الخلافات". وتابع: "الاختلاف أمر طبيعي وصحي في حال بقائه ضمن المحددات التي ذكرتها، فهذا كفيل بإيجاد حلول لكل القضايا والأزمات. يجب أن تتنازل كل القوى من أجل المصلحة العامة للبلاد. نحتاج إلى وعي لإدارة الاختلاف".

المساهمون