استمع إلى الملخص
- تركزت الحملات في بصرى الشام وحوض اليرموك، حيث نفذت عمليات مداهمة لمنازل قيادات سابقة ومخابئ أسلحة، مما أدى إلى مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة، رغم استمرار حوادث العنف.
- تتباين ردود فعل السكان بين الترحيب والمخاوف من الاعتقالات الانتقائية، وتسعى الحكومة لتعزيز الأمن وخلق عقد اجتماعي جديد يعزز الثقة بين الدولة والمجتمع.
تشهد محافظة درعا جنوبي سورية تحولاً أمنياً غير مسبوق مع تصاعد الحملات الحكومية لجمع الأسلحة من المدنيين والفصائل المسلحة، في إطار سيناريو يستهدف فرض السيطرة الرسمية، وتبديد مخاوف أهالي المنطقة من عودة القمع أو نشوء فراغ أمني. وقال مصدر أمني من قوى الأمن العام في درعا لـ"العربي الجديد" إن الحملة تهدف إلى "حصر السلاح بيد الدولة"، معتبراً أن "من لا يريد التسوية، فإن باستطاعته المغادرة خارج البلاد".
وشكل حل فصيل "اللواء الثامن" نقطة فارقة في تكريس سيطرة الحكومة السورية على المحافظة الجنوبية، إذ كان "اللواء الثامن" يعتبر لسنوات رمزاً للسلطة شبه المستقلة في المنطقة. وأعلن في 13 إبريل/نيسان 2025 تسليم أسلحته لوزارة الدفاع السورية، مُنهياً وجوده الذي بدأ (بهذا الاسم، وحمل قبل ذلك أسماء أخرى) في عام 2018 باعتباره جزءاً من اتفاقيات التسوية الروسية. وبحسب البيانات الرسمية، انتقل بين 300 إلى 400 من عناصر "اللواء الثامن" إلى المؤسسات العسكرية الحكومية، بينما نُقلت دبابات وعربات ثقيلة من معقله الرئيسي في بصرى الشام، إلى مواقع غير معلنة.
وتتصدر بصرى الشام، المعقل السابق لـ"اللواء الثامن"، قائمة المناطق الأكثر تأثراً بالحملات، تليها مناطق حوض اليرموك مثل الشجرة وتل شهاب، حيث تُركّز البحث عن أسلحة مخبأة. بينما تشهد مناطق اللجاة وريف درعا الجنوبي، المتاخمة للحدود مع إسرائيل، تعزيزاً أمنياً بعد توغلات عسكرية إسرائيلية متكررة.
ونفذت قوات الأمن العام وقوات من الجيش السوري الجديد، منذ 10 إبريل، أكثر من 30 عملية مداهمة في 10 مناطق على الأقل مستهدفة منازل قيادات سابقة ومخابئ أسلحة. ففي بلدة الشجرة غربي درعا، في منطقة حوض اليرموك، صادرت القوات أسلحة وذخائر وأجهزة اتصال لاسلكية من منزل ثامر العلي الحلقي، القيادي السابق في "لواء شهداء اليرموك". بينما عُثر في بصرى الشام على صواريخ "مالوتكا" و"كاتيوشا" مخبأة داخل شاحنة ببلدة السهوة.
وفي ريف درعا الغربي، امتدت المداهمات إلى قرى دير البخت وموثبين والفقيع، حيث ضُبطت أسلحة خفيفة وثقيلة. وبحسب مصادر محلية، تواصل معها "العربي الجديد" بلغت حصيلة الأسلحة التي صودرت حتى 19 إبريل أكثر من 100 قطعة سلاح ثقيل، و500 قطعة خفيفة و15 جهاز اتصال. وقُتل منذ مطلع إبريل 10 أشخاص وأصيب 14 آخرون في حوادث مختلفة. ففي بلدة تسيل، أدى انفجار ذخيرة إلى مقتل أربعة أشخاص بينهم أطفال، وفي المزيريب قُتل عنصران من الأمن العام خلال هجوم مسلح، بينما لقي فرد من مجموعة مسلحة مصرعه في اشتباك مع دورية أمنية بمنطقة الشيخ مسكين. كذلك لم تكن بصرى الشام بمنأى عن العنف، حيث أُصيب 3 شبان في حادثة أمنية.
أهالي درعا بين مرحب ومتخوف
وفي المقابل، تبرز مخاوف السكان المحليين، حيث يعتبر أحمد، ناشط من بصرى الشام فضل إخفاء اسمه لأسباب أمنية، في حديث مع "العربي الجديد" أن "جمع السلاح قد يوقف الاغتيالات"، لكنه لا يوقف المخاوف من أن تتحول الحملات إلى ذريعة لاعتقالات انتقائية ضد من انتقدوا "هيئة تحرير الشام" أو الحكومة الحالية، أو أحد القياديين الجدد. فيما يبدي آخرون ارتياحهم لبسط الدولة سلطتها، وقالت عائشة الحريري لـ"العربي الجديد": "ابني كان ضمن المعارضة المسلحة أيام النظام البائد. اليوم، أتنفس الصعداء لأنه لن يُجبر على حمل السلاح مجدداً". لكن هذا التفاؤل يصطدم بتحذيرات من فراغ أمني، حيث يُعلق ناشط من بصرى الشام طلب عدم ذكر اسمه، قائلاً إن "تفكيك الفصائل دون تعويضها بوجود أمني فعّال منضبط قد يفتح الباب أمام مليشيات جديدة ذات توجه ديني متطرف".
وفي محاولات لاحتواء هذه المخاوف، افتتحت الحكومة عدداً من المخافر والمفارز الأمنية بهدف تعزيز الأمن في مناطق المحافظة، كان آخرها افتتاح مفرزة أمنية في بلدة تسيل، تغطي ست مناطق مجاورة، ويقول أحمد: "سنرى إن كانت هذه المفرزة ستُحسن الأمن أو ستكون أداة للتحكم"، مضيفاً: "الأمل الوحيد هو ألا نعيش ما حدث في بصرى الشام من مداهمات".
ولا يمكن اختزال أزمة درعا على أنها صراع بين السلاح والدولة، بل هي اختبار لاستعادة الثقة المفقودة. فبينما تُظهر الأرقام تقدماً في نزع الأسلحة، تظل الأسئلة عن العدالة والمحاسبة غائبة. كذلك فإن افتتاح المفارز الأمنية، وإن كان خطوة جيدة، إلا أنها تطرح تساؤلات عن قدرة النظام الجديد على تقديم نموذج أمني مختلف عما سبق. وفي النهاية، يبقى تحدي درعا الأكبر في تحويل الحملة الأمنية إلى فرصة لبناء عقد اجتماعي جديد، حيث لا يكون السلاح بديلاً من القانون، ولا يكون القانون غطاءً للانتقام.