استمع إلى الملخص
- ساهمت مستشارتا الأسد في استدعاء مرتزقة خارجيين بحجة وأد "الفتنة"، بينما صوّر النظام الشعب السوري كغير جدير بالحرية، مما أدى إلى تأجيج العواطف الطائفية واستخدام البسطاء كوقود للصراع.
- يجب التركيز على بناء سورية جديدة تقوم على المواطنة والمساواة، وتجنب العودة إلى الخطابات الطائفية التي تعيق التخلص من الحكم العسكريتاري-الأمني.
ذاب الثلج وبان المرج المزيف الذي بذره نظام آل الأسد. والمذهل أن السفير السوري لدى موسكو بشار الجعفري، الدبلوماسي الذي حرّض كثيراً على شعبه وتهكم على ضحايا القصف الكيميائي، يخبرنا أنه لم يكن نظاماً، بل عصابات مافيوزية. بالطبع ذلك ليس بكشف عبقري. ووسط حالة تملق وانتهازية ارتداء اللباس الثوري اضطر سوريون للسؤال تهكماً: أيعقل أننا كنا نحن "الشبيحة" وهم "الثوار"؟
أبان المرج حقائق كثيرة متعلقة باستدعاء مافيا الحكم "العلماني" للطائفية؛ إذ لم يترك جماعة إلا واستخدمها لتمجيد علمانيته الزائفة، مسيئاً أصلاً لمقاصدها. مستشارتا بشار الأسد، بثينة شعبان ولونا الشبل (قُتلت في يوليو/تموز الماضي في حادث سير) ساهمتا في التمهيد لاستدعاء مبكر لمرتزقة خارجيين بسقف طائفي وبحجة وأد "الفتنة"، في وقت كان يُهاجم فيه من وقف مع الثورة السورية ولو بالرأي والتحليل، بحجة أنها "مؤامرة كونية" على نظام "ممانع وحام للأقليات". لا أركان المافيا الحاكمة ولا الحلفاء الإيرانيون والروس، ومليشياتهما، قصروا في تصوير شعب سورية على أنه غير جدير بحريته، وبأنه "يتأهب" للانقضاض على إخوته في الوطن، وعلى "مراقد"، إلى جانب النفخ في هتاف شعارات طائفية، واختراع روايات أخرى، هذا رغم الهتاف المتواصل إلى اليوم "واحد واحد الشعب السوري واحد".
إذاً، في المحرقة السورية شُد عصب العاطفة الطائفية لاستخدام البسطاء كحشو بنادق. وبينما يفترض أن يكون التركيز الآن على ضرورة بناء سورية جديدة، دولة مواطنة ومساواة وعدالة، وحصر أقليات وأكثريات في السياسة وبما تفرزه صناديق الانتخاب، يحاول البعض العودة من نافذة "الحرص على الأقليات"، بوهم استعادة زمام المبادرة، بثورة مضادة تعيق تخلص البلد التام من الحكم العسكريتاري-الأمني. يوم الأربعاء الماضي بدا المشهد وكأنه محاولة استنساخ تفجير المرقدين (للإمامين الشيعيين علي الهادي وابنه الحسن العسكري) في سامراء العراقية في 2006 لتنفيذ تهديدات النفخ في حرب أهلية طائفية مدمرة.
بالطبع لا يمكن تجاهل مساهمة التصريحات الإيرانية بشأن سورية الجديدة في تأزيم فرص التصالحية المستقبلية مع شعبها، الذي لن يعود مطلقاً إلى قمقم الديكتاتورية. ولعله من المثير أن تساهم طهران، وغيرها، في جعل التنظير الصهيوني الأقلوي (كتقسيم عرب الداخل الفلسطيني منذ 1948، من شركس ومسيحيين ودروز وأحمديين وبهائيين، وغيرهم) أمراً "مشروعاً" للدفع نحو كانتونات مشرذمة لمحيطها ومشرعنة لـ"يهودية الدولة". سوريو 2025 ليسوا بحاجة لوصاية سياسية. وبلدهم ليس هامشياً، لا عربياً ولا إقليمياً. وأفضل ما يمكن أن يقدمه العرب الحريصون على مستقبل السوريين هو ألا يتركوا الفراغ تسده خطابات طائفية معروفة الأهداف في مرحلة انتقالية صعبة، وأن يمدوا أياديهم إلى السوريين على كافة المستويات ليقرر الشعب مصيره.