سورية... السير نحو دولة فاشلة

سورية... السير نحو دولة فاشلة

09 ابريل 2021
رواية تحميل الخارج مسؤولية الواقع البائس ليست جديدة (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

الأمر لا يحتمل توصيف "أخبار زائفة" أو "مضللة"، ولا حتى تضخيم "تآمري" على "سورية الأسد". الجوع وتسارع الهبوط إلى حافة الفقر ترافقه حالة إنكار يعيشها أصلاً نظام بشار الأسد منذ 2011، ورمي مسؤوليات بعيداً عن نتائج الدولة الفاشلة.

ما يلفت في بروباغندا دمشق، وبعض مؤيدي نظامها، استدعاء يومي لبكائية "الحصار". فلا اقتراب، في سردية طلب الشفقة، من مقدمات رهن البلاد لانتدابات واحتلالات، حماية لسلالة الأسد الحاكمة منذ نصف قرن، وتسخير كل موارد البلد تطبيقاً لشعار: الأسد أو نحرق البلد.

التمسك بالسلطة، بكل التكاليف البشرية والمالية والسيادية، وتوسع طبقة الأوليغارشيا؛ المحلية والخارجية، المستفيدة من الحرب، هو ما أنتج هذا الواقع المأساوي، وليس "قانون قيصر" الأميركي، الذي لا تتم بالأساس مناقشة ما احتواه من فظائع في صور سوريين قتلوا على طريق "أو نحرق البلد".

يعرف السوريون والسوريات أنّ رواية تحميل الخارج مسؤولية الواقع البائس، ليست جديدة. ففي الثمانينيات، حكم حافظ الأسد، حين كان الموز والخبز يُهرّبان من لبنان، من خلال مافيا الشبيحة. حُمّل الخارج أيضاً مسؤولية تردي كل شيء، من الخدمات إلى القمع، واكتظاظ سجني تدمر والمزة بـ"المتآمرين".

الوضع اليوم أسوأ بمئات المرات من تلك الفترة. لكن المثير في العقلية التسلطية الفاشلة ارتباكها في تقديم أجوبة. فتارة يكون السبب "تهريب المليارات" إلى لبنان، وتارة أخرى تقع المسؤولية على الدكاكين البسيطة و"أطفال ربطات الخبز"، الملاحقين والمتهمين من خلال عدسات "إعلام" الأسد.

والإصرار على حالة الإنكار المجربة، إلى جانب رعاية الديكتاتورية للفساد وتحويل البلاد إلى مزرعة لآل الأسد وشركائهم، لن تجعل من "سورية المنتصرة" إلا أحد أسوأ نماذج الدول الفاشلة.

فكل التذاكي، وبمعية بعض العرب في دبلوماسية التباكي على وضع "الشعب" والاستعداد "لإنقاذ أوروبا من أزمة اللاجئين"، لاستدعاء مشروعية استمرار حكم السلالة، وجلب الأموال لتعزيز آلة القمع، لن ينقذ سورية من الفشل، الذي ستدفع وحدة سورية ونسيج مجتمعها ثمنه.

بالتأكيد يستطيع الأسد، بدعم المحتلين ومليشياتهم، الاستمرار في حكم "سورية المتجانسة"، لكنه ببساطة ماض إلى ما هو أسوأ من نظام سلالة كيم جون أون في بيونغ يانغ، أو فترة سقوط نظام سياد بري في الصومال عام 1990، ولو مات الملايين، حتى من بين "مؤيديه".

ولا يمكن بأي حال أن تساهم بعض السياسات العربية، والغربية الانتهازية، وخصوصاً في صفوف اليمين المتشدد، الساعية لشطب جرائم نظام دمشق، إلا بتعجيل الانهيار، وبفشل يدفع ثمنه ملايين السوريين، ومجتمعات الجوار، في ارتدادات مدمرة، بحجج واهية، لوقف إرادة الشعوب في نيل حريتها وبناء مجتمعها الديمقراطي.

وكل ما يطلق عليه "حلول إسعافية"، ومن بينها أوهام "احتواء" نظام الأسد، لإبعاده عن إيران، أو لأسباب تخص مصالح بعض الأنظمة العربية، وهو ما يمارسه حتى الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يخفي تفضيله بقاء نظام الأسد، على الرغم من قصفه شبه اليومي في سورية، يأتي ضمن سياق أشمل لإبقاء العرب محكومين بأنظمة غير ديمقراطية، ومتخلفة عن السياق العام العالمي الحقوقي، المتحول أكثر فأكثر نحو رفض العسكريتارية وتقييد الحريات.

ومن المؤسف عربياً، أمام تفاقم مآسي السوريين، والتطهير المذهبي، ومنع الناس من العودة إلى مناطقهم، بما يعمّق الشرخ في المجتمع، انحدار مواقف بعض الحكومات والقوى، بما فيها تلك المحسوبة على تيار "ممانع" وهي ترى السجالات الإسرائيلية عن تفضيل حكم الأسد، إلى مستوى رفض تقرير الشعب السوري مصيره بحرية وبنفسه، تحت سقف التعددية والعدالة. وتلك السياسات، تحت الطاولة وفوقها، هي التي تطيل بعمر النظام دبلوماسياً واقتصادياً، وتسرّع بتحويل سورية إلى دولة فاشلة. فكم يبدو المشهد محزناً أن يولي البعض العربي لروسيا تقرير ما يسمى "انتخابات الأسد" أو "دستور سورية"، فيما الفرجة أو دفع التكاليف المالية هي مهمة تلك الأنظمة أمام تغلغل طهران وغيرها في دمشق.

المساهمون