سورية: الخدمة العسكرية الإلزامية تدفع إلى المنفى

سورية: الخدمة العسكرية الإلزامية تدفع إلى المنفى

25 فبراير 2021
تمتد الخدمة الإلزامية في صفوف قوات النظام لسنوات (فرانس برس)
+ الخط -

بعد عشر سنوات من اندلاع الحرب في سورية، يواصل العديد من الشباب التوافد إلى لبنان المجاور لتجنب الخدمة العسكرية، التي تعتبر إلزامية للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاماً. وعلى الرغم من بدء عودة بعض السوريين إلى المناطق التي استرجعها نظام بشار الأسد، إلا أن الشباب يتفادون ذلك، خشية اعتقالهم بصفتهم هارِبين من الخدمة العسكرية.

"أتيت إلى لبنان لأنه خياري الوحيد"، يقول ربيع (28 عاماً)، الذي تواصلنا معه عبر تطبيق محادثة معروف، في وقتٍ تعيش فيه بيروت حجراً صحياً آخر. غادر ربيع، المتحدر من مدينة السلمية قرب حماة، سورية في عام 2017 مباشرة بعد إنهاء دراسته، لتجنب الخدمة العسكرية الإلزامية داخل صفوف القوات المسلحة السورية. بموجب الدستور السوري، يُنادى على الشباب للخدمة العسكرية لفترة تتراوح ما بين 18 شهراً وعامين، مع بعض الاستثناءات. تُمنح الإعفاءات لأسباب طبية، ولابن الأسرة الوحيد (حتى لو كان لديه أخوات)، وأيضاً الطلاب، الذين يمكنهم تأجيل أداء خدمتهم العسكرية إلى غاية تخرجهم. بيد أن النظام منع تكرار السنة النهائية من الكلية أكثر من ثلاث مرات، منذ أن أدرك أن الطلاب يفشلون عمداً بغرض تأجيل وقت التحاقهم بالجيش.

حيلةٌ يعرفها مهدي جيداً. لقد كرّر هذا الدمشقي، ذو الـ 26 ربيعاً، عامه الرابع في الهندسة المعمارية من أجل "ربح الوقت"، حسب تعبيره، قبل الذهاب إلى البلد المجاور، حيث لا يتصور أي مستقبل له أو لمواطني بلده، إذ يواجه لبنان أزمة اقتصادية ومالية فاقمت منها الإجراءات الصحية المتخذة لمكافحة كورونا.

تحت ظلال الأرز

"لقد غيّر العام الماضي كل شيء. كان لدي عمل، وكنت أكسب أجراً جيداً في انتظار أن أتمكن من المغادرة إلى أوروبا. الآن ليس لدي ما يكفي من المال لأعيش من يوم إلى آخر، لذلك من العبث التفكير في السفر"، يقول مهدي متأسفاً، ثم يُضيف أنه، حتى قبل الأزمة، كان يعاني من العنصرية والتمييز بشكل يومي.

اختار لاجئون العودة إلى سورية "نتيجة للسياسات القاسية والظروف المتدهورة في لبنان"

اعتباراً من عام 2015، حظر لبنان تسجيل "اللاجئين" الجدد لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفقاً لوكالة الأمم المتحدة، فإن أقل من ربع السوريين المقيمين في لبنان في عام 2019 يتمتعون بوضع قانوني. وإذا نجح بعضهم في الحصول على تأشيرة طالب، أو على الإقامة لأن جزءاً من أسرهم يحمل الجنسية اللبنانية، فإن آخرين يخضعون لنظام الكفالة، على غرار رابح الذي يرى أن هذا الوضع يعرضه للمزاج العشوائي للكفيل اللبناني ويقيد من حريته. "أريد أن أعيش في مكان تُحترم فيه حقوقي"، يقول رابح، متألماً من عدم توفره على جواز سفر، كما هو حال العديد من الفارّين من الخدمة العسكرية، الذين يتجنبون المؤسسات السورية، خصوصاً السفارات، كما يتجنب المرء الطاعون.

ورداً على سؤال حول إمكانية عودته إلى سورية، يردّ رابح بشكل قاطع بأنه لا ينوي وضع قدميه في بلده الأصلي، طالما أن الخدمة العسكرية إلزامية وأن الطريقة الوحيدة لتفاديها هي ضريبة الإعفاء "بدل". تتراوح قيمة "بدل"، المشتقة من كلمة "بديل"، ما بين 7 آلاف و10 آلاف دولار (5825 إلى 8320 يورو)، وتعتمد قواعد تطبيقها على مزاج المسؤولين ومدى ميلهم للارتشاء. مبلغٌ يكاد يكون مستحيلاً تحصيله بالنسبة لمعظم الشباب السوريين في لبنان، الذي بات أكثر من نصف سكانه تحت عتبة الفقر منذ العام الماضي. بيد أن المسألة بالنسبة لرابح هي أيضاً قضية مبدأ: "لا أريد أن أدفع (مالاً) للحكومة لأنهم يستعملونه في اقتناء الأسلحة ولقتل الناس". عشية الذكرى العاشرة للحرب في سورية، أودى الصراع بحياة أكثر من 387 ألف شخص، من بينهم 117 ألف مدني.

عائق لإعادة الإعمار

بدأت السلطات اللبنانية منذ عام 2017، بالضغط على نظام دمشق للبدء في إعادة اللاجئين. وبالفعل، سمحت عمليات الإعادة "الطوعية" نصف الشهرية، بين إبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 2019، بعودة 10 آلاف لاجئ إلى سورية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس". بيد أن تقريراً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، صدر خلال نفس السنة، كشف أن هؤلاء اختاروا العودة "نتيجة للسياسات القاسية والظروف المتدهورة في لبنان". وفي تصريح لـ "أوريان 21"، أكد الباحث في مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط في بيروت، خضر خضّور، أن "النظام السوري لا يتوفر حالياً على الإمكانات الاقتصادية والأمنية لاستقبال العائدين. كما انه لا يملك الإرادة لذلك، لأنه يستعمل اللاجئين كورقة للتفاوض مع المانحين الأجانب". أمام سيطرة الحكومة على حوالي 70 في المائة من مساحة البلاد، لا يعتقد خضّور أن إحجام المنفيين عن العودة إلى البلاد ينبع بشكل أساسي من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، بل من قبضة جهاز الأمن التابع للنظام على المجتمع.

نظامٌ دفع جورج ثمنه، إذ أمضى ست سنوات وهو يلعب لعبة القط والفأر مع السلطات السورية لأنه لم يستجب في الوقت لموعد تجنيده الإلزامي، قبل أن يقرر عبور الحدود اللبنانية، بشكل غير قانوني، سنة 2018. في نهاية شهر مايو/أيار من كل عام، يتم إرسال أسماء الفارّين إلى نقاط التفتيش المنتشرة في المدن والطرق في سورية. بعدها، يصبح التنقل محفوفاً بالمخاطر لمن فضّلوا، أمثال جورج، الفرار على حمل السلاح. خيار طبيعي في نظر جورج، لأن شقيقه الأكبر أمضى ثماني سنوات في الخدمة العسكرية. وأملاً في ألا يضطر إلى العيش في الظل، انتهى المطاف بجورج في بيروت، حيث يعيش منذ ذلك الحين بشكل غير قانوني. عن تجربته في لبنان، لا يزال رأيه متبايناً: " إنه نوع مختلف من الضغط. لا أعرف ما سيحصل لي إذا تم القبض علي وتمت إعادتي إلى سورية"، حيث يخشى الأسوأ: السجن أو الجيش.

منذ مغادرته سورية، تغير الوضع. فاتفاقيات المصالحة، التي وضعها النظام في المناطق التي استعاد السيطرة عليها، تسمح تقنياً للفارين من الخدمة العسكرية والمتمردين بطي صفحة الماضي مع السلطات الحكومية. على أرض الواقع، تستنكر جمعيات، كالمرصد السوري لحقوق الإنسان، عمليات السجن التي تعرض لها عدد من الموقعين على الاتفاق المعني، بل وحالات وفيات خلال الاعتقال.

في عام 2015 حظر لبنان تسجيل "اللاجئين" الجدد لدى مفوضية اللاجئين

إلى جانب قلة موارد القوات المسلحة السورية وانخفاض حدة الاشتباكات، يرى خضر خضّور أن اتفاقيات المصالحة ساهمت في جعل "صناع القرار في دمشق لم يعودوا في حاجة إلى ممارسة نفس الضغط على الشباب كي ينضموا للجيش" موضحاً أن النظام الأمني تمت خصخصته في سورية، التي عرفت أيضاً زيادة في عدد المجموعات شبه العسكرية. "تدفع هذه المجموعات أكثر بكثير من الجيش مقابل الخدمة العسكرية، وهو ما يجعل الكثير من الشباب يفضلون الانضمام لهذا النظام البديل بدلاً من النظام الرسمي". من المستحيل تحديد حجم الظاهرة، بحسب خضّور، بيد أن مقالاً نُشر على الموقع الإلكتروني لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية اليومية يوضح أن الشباب السوريين يتم تجنيدهم من قبل أشخاص روس، لإرسالهم للقتال في ليبيا مقابل أجر يتراوح ما بين 830 و1250 يورو شهرياً. بديلٌ مربح مقارنة مع الخدمة العسكرية، ولكن ليس أكثر جاذبية، بالضرورة، لأولئك الذين يريدون تجنب القتال بأي ثمن.

مع القيود الحدودية التي فرضتها الأزمة الصحية، والمبالغ الباهظة التي يطالب بها المهربون، والوضع الكارثي في لبنان، ما هي الخيارات المتبقية للشباب الذين يرفضون ارتداء الزي الرسمي؟ في نظر خضر خضّور، يرتبط هذا السؤال ارتباطاً وثيقاً بمسألة إعادة إعمار سورية، التي دمرتها عشر سنوات من الحرب التي لا تزال نهايتها معلقة. ويلخص الأمر قائلاً: "إذا كان النظام يريد إعادة البناء، يجب عليه أن يحقق هدفًا يتمثل في جذب الناس للعودة. وإذا أراد تشجيعهم على ذلك، فعليه تعزيز إعادة الإعمار". دائرةٌ فاضلة، تجعلها إلزامية الخدمة العسكرية تنفيذها أمراً مستحيلاً في الوقت الحاضر.

يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"

https://orientxxi.info/ar