سورية: استمرار التوتر في جرمانا ومرجعيات درزية تحذّر من الفتنة

29 ابريل 2025
انتشار أمني في جرمانا عقب الاشتباكات، 29 إبريل 2025 (عبد الله السعد/العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- دعت وزارة العدل السورية إلى الالتزام بالقانون وتجنب خطاب الفتنة بعد تسجيلات مسيئة للنبي محمد، مؤكدة على أهمية اللجوء إلى القضاء لحماية المقدسات والرموز الدينية.
- شهدت جرمانا توتراً أمنياً بسبب نزاع مسلح إثر تسجيل صوتي مسيء، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وتعمل الجهات الأمنية على احتواء التصعيد.
- حذر الشيخ حكمت الهجري من مخاطر الفتنة والانقسامات، داعياً إلى حلول جذرية، وعُقد اجتماع في السويداء لتعزيز السلم الأهلي ومحاسبة المحرضين.

دعت وزارة العدل السورية، في بيان صدر عنها اليوم الثلاثاء، المواطنين إلى الالتزام بأحكام القانون وتجنب الانجرار نحو خطاب الفتنة والتجييش، وذلك على خلفية انتشار تسجيلات وصفتها وزارة الداخلية السورية بأنها "مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم"، وتسببت بسقوط قتلى وجرحى في مدينة جرمانا بريف دمشق.

وقالت الوزارة في بيانها إنها تتابع الأحداث الأخيرة، وتؤكد أهمية اللجوء إلى القضاء سبيلاً مشروعاً لمحاسبة المجرمين ومثيري الفتن من خلال الإجراءات القانونية، مؤكدةً حرصها على حماية المقدسات والرموز الدينية، وعدم التهاون في ملاحقة الاعتداءات، خاصة تلك الموجهة إلى جناب الرسول الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام. ودعت الوزارة في بيانها "المواطنين إلى الالتزام بأحكام القانون وتجنب الانجرار نحو خطاب الفتنة والتجييش"، مؤكدة أن "هذه الأفعال تعد جرائم يعاقب عليها القانون"، إلى جانب متابعتها الإجراءات اللازمة بالتعاون مع النيابة العامة والجهات المختصة في وزارة الداخلية.

وتشهد مدينة جرمانا توتراً أمنياً كبيراً عقب اندلاع نزاع مسلح بين سكان المدينة وسكان بلدة المليحة المجاورة، على خلفية انتشار تسجيل صوتي منسوب لفؤاد مراد، أحد المرتبطين بالقيادي السابق في قوات النظام المخلوع عصام زهر الدين، تضمّن إساءات دينية تمس الذات الإلهية، والنبي محمد. وارتفعت حصيلة الضحايا في الاشتباكات المسلحة، التي اندلعت فجر اليوم الثلاثاء، إلى 12 قتيلاً (ستة من كل طرف)، وأكثر من 15 جريحاً، وفق مصادر محلية.

بدورها، أوضحت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن وجهاء مدينة جرمانا يعملون مع الجهات الأمنية السورية على احتواء التصعيد في المدينة، إلى جانب مساعي التهدئة، والتي بدأت تلمس نتائجها بعد توقف الاشتباكات وانتشار قوى الأمن العام في محيط المدينة.

وقال أحد عناصر الأمن العام في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن التسجيل المتداول أثار غضباً شديداً لدى أهالي بلدة المليحة، الذين هاجموا جرمانا بشكل مخالف للقانون، ما دفع سكان الأخيرة للرد بإطلاق نار كثيف دفاعا عن النفس، وأدى ذلك إلى حالة من عدم الاستقرار، أسفرت عن سقوط قتلى من عناصر الأمن العام، وآخرين من مسلحي المنطقة، وعدد من الإصابات، بعضها في حال حرجة.

وأكدت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، أن وفداً سياسياً من الحكومة السورية دخل إلى منطقة جرمانا لاستلام جثامين قتلى الأمن العام، وطرح بنود للاتفاق، في محاولة لاحتواء التصعيد. وأفادت وزارة الداخلية باستمرار عمليات الانتشار الأمني من قبل وزارتي الدفاع والداخلية، مؤكدة ضرورة عدم الانجرار خلف الفتنة، ومعلنة أن البحث جارٍ عن صاحب التسجيلات المسيئة.

الصورة
توتر في جرمانا عقب الاشتباكات التي أدت إلى مقتل عناصر أمن، 29 إبريل 2025 (عبد الله السعد/العربي الجديد)
توتر في جرمانا عقب الاشتباكات التي أدت إلى مقتل عناصر أمن، 29 إبريل 2025 (عبد الله السعد/العربي الجديد)

وفي السياق، أفاد ناشط ميداني مقيم في جرمانا، بأن المدينة تشهد هدوءا نسبياً، في ظل إغلاق كامل للأسواق، وحركة مدنية محدودة، مع انتشار واسع لمسلحين خارجين عن القانون، بينهم عدد كبير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً، يحملون أسلحة خفيفة ويتنقلون على دراجات نارية. كما فرضت قوات الجيش السوري طوقاً أمنياً على المدينة، ومنعت مؤقتاً دخول وخروج المركبات، مع السماح للمشاة والدراجات بالتنقل. وأوضحت الوزارة أن الطائرات المحلّقة في أجواء جرمانا تابعة لسلاح الجو، ضمن كتائب "شاهين"، وتأتي ضمن إجراءات احترازية لضمان الاستقرار.

مرجعيات دينية درزية تحذر من الفتنة

إلى ذلك، حذر الرئيس الروحي لطائفة الموحدين المسلمين الدروز في سورية الشيخ حكمت الهجري، في بيان صدر اليوم الثلاثاء، من مخاطر استمرار إشعال الفتنة والانقسامات المجتمعية، مؤكداً أن "نار الفتن ستأكل الجميع"، إذا لم يتمّ وضع حد لثقافة الكراهية والإقصاء السائدة.

وأشار الهجري إلى أن الشعب السوري لم يجنِ ثمار الانتصار المعلن بعد سنوات الحرب، منتقداً غياب دستور عادل يلبّي تطلعات السوريين، ويصحح مسارات الدولة، فيما لا تزال الأزمات الأمنية والاقتصادية تعصف بالمناطق المختلفة. وطالب بتبني حلول جذرية تقوم على "القوانين العادلة" و"العدالة الانتقالية"، التي لا تقتصر على المحاسبة، بل تشمل توزيع المهام بشكلٍ عادل ومنع الانتقام العشوائي، داعياً إلى تمكين الكوادر السورية الواعية لقيادة مرحلة البناء.

ووجّه الشيخ الهجري انتقادات لاذعة للمؤسسات السياسية والأمنية التي وصفها بـ"المترهلة"، متسائلاً: "ما الذي يعطل سلطة الدولة؟"، ومجيباً عن السؤال بإشارة إلى هيمنة المليشيات وقادة الفصائل على مقاليد الأمور، كما دعا إلى محاسبة كل من "يستر الإرهاب" تحت شعارات زائفة، مؤكداً رفض استغلال العروبة أو الدين لتبرير المجازر. وأكد الهجري أن التحديات الراهنة تتطلب تعزيز التلاحم المجتمعي ورفض الخطابات التخريبية، قائلاً: "نحن في غنى عن الصيغ التدميرية.. السوريون يحتاجون للتضامن لا للعنف". وختم بتأكيده أن مسؤولية تصويب المسار تقع على عاتق "الشرفاء" في كافة المواقع، للحفاظ على المروءة العربية وبناء مستقبل آمن.

كما أعرب الشيخ الهجري عن رفضه المطلق لأي خطاب طائفي، أو أي إساءة للأنبياء والرسل والرموز المقدسة والأديان، مؤكداً أن ذلك ليس من شيم الموحدين الدروز أو السوريين.

من ناحية أخرى، عُقد اليوم اجتماع موسع في دار حسن الأطرش، أحد زعماء الطائفة الدرزية ببلدة عرى غربي مدينة السويداء، جمع نخبة من قادة الرأي والمجتمع، إلى جانب شيخي العقل حمود الحناوي ويوسف جربوع، والمتروبوليت أنطونيوس سعد ممثلاً للطائفة المسيحية، وممثلين لعشائر البدو في السويداء، بالإضافة إلى قادة فصائل محلية، بهدف مناقشة تداعيات الأحداث الأخيرة في جرمانا بريف دمشق، وإصدار موقف موحد يعزز السلم الأهلي ويتصدى لمحاولات زرع الفتنة.

وأجمع الحضور على نبذ كل أشكال التفرقة بين مكونات الشعب السوري، وشجبوا المساس بالذات النبوية، مستنكرين التسجيل الصوتي الذي مس بالنبي عليه السلام، وطالبوا بضرورة محاسبة المحرّضين على الفتنة وإراقة الدماء، مستغلين تسجيلات صوتية لشرخ النسيج المجتمعي، مشيرين إلى أن هؤلاء لا يمثلون إلا أجنداتهم الضيقة، بعيداً عن إرادة الشعب. كما حمّل المجتمعون السلطات السورية مسؤولية الاعتداءات التي حصلت ليل أمس الاثنين، وصباح اليوم، على بلدة جرمانا، وصمت الحكومة غير المبرر عمّا يحصل من أحداث تُراق فيها دماء السوريين، دون أدنى مسؤولية.

وناشد الشيخ حمود الحناوي، شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، السوريين بعدم الانجرار للفتنة وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن وسلامة الأرض والشعب السوري، وقال مخاطباً إياهم: "يا أيها السوريون ترفقوا بأبنائكم ونسائكم وأعراضكم ودمائكم". وطالب الحناوي بدولة حرة تحافظ على أبناء الوطن وعلى كرامة الشعب، وأيضاً بدستور شامل وجامع لكل حقوق الشعب السوري، متمنياً من الله رأب الصدع والحفاظ على كل السوريين.

وبدوره، وجه الأمير حسن الأطرش "رسالة محبة" باسم السويداء إلى كافة السوريين من كافة الأديان، وإلى الرئيس أحمد الشرع بصفته رئيس الجمهورية، مطالباً إياه بحماية حقوق السوريين، ووقف سفك الدماء في كل سورية، مطالباً كذلك بأن تكون سورية دولة مدنية آمنة للسوريين فقط، دون وجود أي أجنبي على الأراضي السورية.

إلى ذلك أكد أحد شيوخ عشائر البدو أن السويداء بكافة أطيافها لن تقبل بالتفرقة بين مكونات الشعب السوري، أو بتصنيفات "البدوي والدرزي والمسلم والمسيحي"، فالهوية وطنية والدين لله، والفاعل بما فعل. وأضاف إمام مدينة شهبا، الشيخ سليمان الهوارين: "إن أبناء السويداء من كل الطوائف أولى بالدفاع عن رسولنا محمد وكل الرسل والأنبياء، ويجب علينا أن نقف عند العدو المتربص بسلمنا الأهلي، وعيشنا المشترك، وثوابتنا الوطنية".

من جهته، دعا المتروبوليت أنطونيوس سعد، ممثل الطائفة المسيحية، إلى بناء سورية الموحدة الحضارية، والديمقراطية، وفق دستور مدني ديمقراطي يحاكي لغات العالم ويرفع شأن سورية إلى العالم. وأجمع الحضور على أن هذه الأفعال تتناقض مع تطلعات السوريين لبناء دولة مواطنة تحتضن كل الأطياف، مؤكدين أن ضعف الوعي السياسي والانتماء الوطني لدى البعض يجعلهم أداة في يد مخططات تهدف إلى تمزيق النسيج الوطني، وأن الدولة المتماسكة لا تقوم على مجتمع مفكك، مشددين على أن وحدة المجتمع هي الركيزة الأساسية لأي دولة تسعى للاستقرار.