استمع إلى الملخص
- الحزب الديمقراطي ضعيف أمام سياسات البيت الأبيض، بينما يدعم الجمهوريون ترامب. هناك مخاوف من أزمة دستورية بسبب عدم التزام ترامب بالأحكام القضائية المعارضة لقراراته.
- سياسات واشنطن الخارجية غامضة، خاصة في الشرق الأوسط وأوكرانيا، مع تراجع عن مشاريع غير قابلة للتنفيذ وبحث عن بدائل بالتعاون مع الدول العربية.
تعيش واشنطن هذه الأيام في حالة "حيص بيص" سياسي، يختلط فيها الحابل بالنابل، أهل القرار في حالة اشتباك مع القانون، وهذا الأخير يتعرّض لتدوير الزوايا، والبيت الأبيض لا يستقر على حال. ما يعتمده اليوم قد يتراجع عنه أو يعمل على تعديله غداً، كله مرهون بمدى التجاوب وردود الفعل. وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى تزايد القلق والخوف، خصوصاً أن بعض طروحات واشنطن عصية على التصديق، وكذلك أداؤها. وتتساوى في ذلك السياسات المحلية والخارجية التي يحتكر الرئيس دونالد ترامب رسم مساراتها، وليس هناك من رقيب أو حسيب.
الحزب الديمقراطي الذي تقزّم حضوره، لا يقوى على الوقوف بوجه جرّافة البيت الأبيض. والجمهوري يمشي خلف الرئيس بانضباط وشبه إجماع تام من دون اعتراض إلّا وراء الأبواب المغلقة ومن خلال التسريبات التي تعكس الضيق من تعيينات ترامب في الإدارة، كما من بعض قراراته وخياراته. على رأسها قراره بتفويض الملياردير إيلون ماسك القيام بعملية تحجيم لمؤسسات الدولة الفيدرالية وجهازها الإداري، الذي قد يقتطع التسريح منه عشرات آلاف الموظفين. ورغم الاعتراف بأن الإدارة فيها انتفاخ بالحجم والإنفاق، غير أن أسلوب إيلون العشوائي وتصرفه الاستعلائي أثارا حالة رفض بدأت تنعكس سلباً على رصيد الرئيس. صورة ماسك قبل يومين وهو يشرح برنامجه في المكتب البيضاوي وبحضور الرئيس وهو يحمل طفله على كتفيه، أثار الاستغراب والنفور وترك الانطباع وكأنه حاكم بأمره. صحيح أن هناك سوابق من هذا النوع، في زمن الرئيس أندرو جاكسون 1828 – 1836، لكن التسريح كان محدوداً في إدارة صغيرة لم يتجاوز عمرها آنذاك الأربعين سنة بعد. كذلك جرت محاولة تسريح لجميع موظفي إحدى الوكالات الحكومية وإقفال أبوابها، خلال رئاسة ليندون جونسون 1973، لكن الرئيس اضطر إلى التراجع بأمر من المحكمة.
الخشية الآن من أن الرئيس ترامب قد لا يلتزم الأحكام النهائية للقضاء، الذي أوقف بعضه العمل بقرارات الرئيس التي تناولت فصل موظفين أو إلغاء مؤسسات. وقد أعطى أكثر من إشارة بأنه لا يعتزم التراجع أمام القضاء وبما يؤدي في هذه الحالة إلى أزمة دستورية لا توجد آلية قانونية جاهزة للتعامل معها، خصوصاً بوجود كونغرس يسيطر الرئيس على غالبيته في المجلسين. الخشية الثانية من أن يؤدي التسريح الواسع إلى انعكاسات سلبية على فعالية عمل مؤسسات الدولة. وهذه احتمالات يحذر منها المتخوفون من تدحرج الأزمة إلى نقطة الاستعصاء.
ترامب قد لا يلتزم بالأحكام النهائية للقضاء، الذي أوقف بعضه العمل بقرارات الرئيس
والحال ليست بأفضل كثيراً على الصعيد الخارجي، حيث تتواصل سياسة الالتباس والغموض من الشرق الاوسط إلى أوكرانيا، التي لم يأتِ على ذكرها نائب الرئيس جي دي فانس في خطابه الجمعة في مؤتمر الأمن الدولي المنعقد في مدينة ميونخ بألمانيا، الذي تضمن إشارات تستبطن التباعد مع الأوروبيين. وهو ما أثار عدم ارتياح أوساط أميركية كثيرة، ومن بينها جمهوريون.
أما بشأن المنطقة، وغزة بخاصة، فقد بقي خطاب الإدارة يراوح بين الدعوة إلى وقف النار وسياسة "فتح نار جهنم". وفي هذا السياق يبدو وكأن الإدارة قامت بعملية استدراك في ما يخص إعلان الرئيس ترامب عن عزمه على وضع اليد على القطاع، وذلك في ضوء شبه استحالة تسويق المشروع حتى في الولايات المتحدة. وتمثل ذلك بالإسراع إلى فتح ممر للتراجع عنه، عبر دعوة الجانب العربي إلى طرح بديل أعرب وزير الخارجية ماركو روبيو عن استعداد إدارة ترامب "للنظر فيه". وتشير الأجواء إلى أن زيارة الوزير للمنطقة في نهاية هذا الأسبوع، رُتِّبَت لأكثر من غرض، منها استخراج صيغة جديدة "لليوم التالي" في غزة، تكون المدخل لصرف النظر عن مشروع "الريفييرا" الترامبية غير القابل للحياة أصلاً. ومن المتوقع أن يكون فتح موضوع التطبيع الذي يراهن عليه الرئيس ترامب، من ضمن جدول أعمال مهمته. وحسب هذه القراءة، فإن الرئيس ترامب طرح فكرته، وغالباً بحضّ من نتنياهو، باعتبارها ورقة ضغط أو محاولة للمقايضة، مدركاً أن عملية التهجير غير قادرة على أن تبصر النور. مع ذلك، ما زال هناك من يحذر من تجاهل جدّية الرئيس ترامب بشأن مشروعه.
المشهد في واشنطن سوريالي بامتياز. جوانبه المحلية صاخبة في تغييراتها وإشكالاتها ومآلاتها المحتملة، مع كل ما تنطوي عليه من انعكاسات على السياسة الخارجية التي انطلقت بإعلان الحرب التجارية والتلويح بحروب "نار جهنم" في الشرق الأوسط. وهذا قبل أن ينتهي الشهر الأول من الولاية الثانية.