سموتريتش يعلن "سنة الجفاف": الصهيونية تدفع ثمن تخريب طبيعة فلسطين
استمع إلى الملخص
- تواجه إسرائيل كارثة بيئية محتملة بسبب جفاف بحيرة طبرية وزيادة استهلاك المياه في الزراعة. يقترح مدير سلطة المياه إقامة محطات تحلية جديدة، رغم الانتقادات بأن التحذيرات قد تكون مبالغ فيها.
- تاريخياً، استغلت الحركة الصهيونية الموارد المائية لدعم مشاريعها الاستيطانية، مما أدى إلى استنزاف المياه الجوفية وتلوث التربة، مؤثراً سلباً على البيئة الفلسطينية.
وقع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالتعاون مع وزارتي الزراعة والأمن الغذائي، على مرسومٍ أعلن العام الجاري "سنة جفافٍ" على إسرائيل، ما سيتيح عملياً تعويضات لمزارعين إسرائيليين كُثر في مناطق مختلفة. وأتى المرسوم على أثر كميّة الأمطار الشحيحة التي هطلت في شتاء العام 2024، وموجات الحرّ الشديد منذ بداية الصيف الحالي.
المرسوم شمل إعلان مناطق عديدة في الشمال وغور الأردن والجنوب مناطق جفاف، بعدما تضررت المحاصيل الزراعية فيها بصورة غير مسبوقة، وفقاً لما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الثلاثاء.
مرسوم للحفاظ على القيم المهمة للصهيونية والاستيطان
يُفعّل المرسوم في كل عام يكون فيه نقص الأمطار سبباً للإضرار بمحاصيل الزراعة البعلية/الحقلية، حسبما يوضح مدير زراعة الحقول في النقب، يارون غريمبرغ. والذي لفت إلى أن المُغاير في المرسوم الجديد "هو توسيع نطاق مناطق الجفاف، بناءً على توصية لجنة الجفاف، لتطاول مناطق عديدة في إسرائيل".
وفي الواقع، فإن مرسوم "سنة الجفاف" هو آلية اقتصادية ينفذها صندوق التعويضات (ضريبة الأملاك)، وتوفّر تعويضاً لمزارعي الزراعة البعلية الذين تضرروا من قلة الأمطار. التعويضات تتيح للمزارعين ضمان أنهم، على الأقل، لن يخسروا تكاليف الإنتاج. وهكذا، بحسب غريمبرغ "يعرف المزارعون أنه حتى في سنة سيئة سيُعوضون عن التكاليف التي استثمروها، ما يوفر لهم الأمان الاقتصادي، ويشجعهم على الاستمرار في الحفاظ على أراضي الدولة وعلى القيم المهمة للصهيونية والاستيطان".
"كارثة مرتقبة": الأرض تدفع الثمن
المرسوم الذي وقعه سموتريتش أتى غداة تحذير أطلقه مدير سلطة المياه الإسرائيلية، يحزقيل ليفشيتس، أمس الاثنين، عبر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، من كارثة مرتقبة على إسرائيل؛ محملاً الطبيعة المسؤولية عن "جفاف" بحيرة طبرية والأنهر المتدفقة في منطقة الشمال، ملقياً باللوم على درجات الحرارة التي ما فتئت تحطم أرقاماً قياسية عاماً بعد آخر، متجاهلاً في الوقت ذاته عقوداً طويلة من تطويع الحركة الصهيونية لطبيعة فلسطين بما يتسق مع المشاريع التوسعيّة الاستيطانية التي قامت عليها إسرائيل منذ زمن مبكر.
ليفشيتس، الذي عرّفت سلطته هذه السنة بأنها "سنة جفاف لم يُشهد لها مثيل منذ قرن"، شدد على أنه يستند في ذلك إلى "معطيات وبيانات دقيقة" تؤشر على شُح المياه في منطقة الشمال، خصوصاً بعدما شارف نهر البانياس، الذي ينبع من سورية ويعد أحد روافد نهر الأردن، على الجفاف. وأوضح أن استهلاك الزراعة الإسرائيلية لكميات المياه المختلفة على أنواعها العذبة، المكررة والمالحة، والمقدرة بنحو 1.2 مليار متر مكعب سنوياً، يتصاعد في الوقت الذي "يزداد فيه عدد السكان والطلب على المياه كذلك، لكن كمية الأمطار لا تزداد بالوتيرة ذاتها، بل حتى تقل".
أمّا الحل الذي يقترحه مدير سلطة المياه لمواجهة "الكارثة"، فهو "إقامة مزيدٍ من محطات التحلية لأن أكبر مستهلك للمياه هو قطاع الزراعة". حلٌ يُذكر في الواقع بالتحذيرات من الجفاف والتي أطلقتها أطراف إسرائيلية معنية في السنوات الماضية، ليتبيّن بعدها "أن التحذيرات لم تكن متسقة مع الوقائع، وهدفت للترويج والتسويق لمحطات التحلية ودفع المزارعين للجوء إليها وخصوصاً في المناطق المربوطة بمشروع شبكة المياه القُطْرِيّة"، وفقما تُشير الباحثة الفلسطينية في هندسة البيئة، الدكتورة سميّة فلاح، في حديث لـ"العربي الجديد"، مستدركة بالقول إن "مسألة المناخ عموماً ليست هامشية فكمية الأمطار كانت قليلة في العام الفائت إلى جانب انخفاض منسوب المياه في الأنهر". وشددت فلاح على أن "الحركة الصهيونية على مدى عقود عبثت بالطبيعة الفلسطينية وطوّعتها لخدمة المشروع الإستيطاني وربط المستوطنين بالأرض عبر زراعتها".
في الواقع غيّرت الحركة الصهيونية عبر "الكرين كييمت" (الصندوق القومي اليهودي)، ومن خلال الاستيطان الزراعي الطبيعة في فلسطين، وغرست على مدى عقود مساحات شاسعة من الأراضي والجبال المحتلة بمزروعات وأشجار تتواءم مع طبيعة ومناخات الدول التي هاجر منها الغرباء. وفي المقابل، سلبت الفلسطينيين أراضيهم، ومن تبقى منهم، جرّدته الفلاحة والزراعة قاطعة "حبله السريّ" الذي يربطه بالأرض، ما أثر في الواقع ليس على الفلسطينيين فحسب، بل حتّى على طبيعة الكائنات الحية من حيوانات ونباتات تنمو وتعيش في الطبيعة والبريّة.
في هذه الأيام، تواجه الزراعة التي تُشكل عماد المستوطنات في الجليل والجولان مخاطر الجفاف بسبب خليط من العلاقات الطردية بين التغيّرات المناخية وتخريب الطبيعة؛ حيث توقف المزارعون في هذه المناطق عن زراعة المحاصيل الحقلية والبعلية، وهو ما دفع وزارة الزراعة إلى البحث عن حلول لمواجهة المعضلة جُلّها يستند إلى إقامة محطات تحلية مياه جديدة؛ إذ كما يقر ليفشيتس: "إسرائيل ليست تركيا أو إسبانيا؛ ففي حين شهدت الأخيرة جفافاً قبل عامين، ترتب عنه ارتفاع سعر زيت الزيتون، فإنه لدينا، عندما تجف الأشجار لا يرتفع السعر، بل لا يوجد زيتون".
المياه في ماضي الصهيونية وحاضرها ومستقبلها
في الواقع أقامت إسرائيل محطات تحلية عديدة في الخضيرة، عسقلان، وأسدود، وشورك وبلماخيم، ولكن المشكلة أن كل واحدة من هذه المحطات تستهلك نصفاً بالمئة من مجمل استهلاك الكهرباء في إسرائيل "وهي نسبه كبيرة" بحسب ليفشيتس، مقراً بأنه "بسبب الجفاف الحاد، قررت سلطة المياه زيادة كمية المياه التي تشتريها من محطات التحلية لتعويض النقص. وقريباً سنتوجه لمحطات التحلية ونطلب منها زيادة الإنتاج، حتى إن كان ذلك بتعرفة كهرباء أعلى".
ويتابع أنه حتى عام 2032 ستكون في إسرائيل ثماني محطات تحلية استعداداً لفترات الجفاف القادمة باحتساب انخفاض متوقع بنسبة 12% في الهطولات المطرية حتى عام 2050، وانخفاضاً أكبر بكثير حتّى عام 2100. وفي الواقع تستعد إسرائيل بحسبه، لأن تكون قدرتها الإنتاجية للمياه المحلاة 1.7 مليار متر مكعب بعد 25 عاماً، وهي كمية كبيرة جداً قياساً بقدرتها الحالية (800 مليون متر مكعب). ويختم بالقول إن "شتاء هذا العام حطم كل الرسوم البيانية. بحيرة طبرية لم ترتفع على الإطلاق. وهو أمر غير مسبوق".
التفكير الاستراتيجي الطويل الأمد بمسألة المياه ليس ميّزة للجيل الثالث من الإسرائيليين؛ فقبل نحو مئة عام، وتحديداً في 1939 على إثر صدور الكتاب الأبيض الذي حدد أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين، اندفعت الحركة الصهيونية نحو عملية تخطيط دؤوبة لتجيير الأرض والموارد الطبيعة لخدمة مشروعها وإقناع الانتداب البريطاني بأن فلسطين قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين.
مشاريع الحركة الصهيونية التي تمحورت حول الأرض والمياه وطابع الاستيطان الزراعي استلهمت من مشاريع مثيلة كانت تطوّر في العالم آنذاك؛ حيث جنّدت الحركة التي ربطت عقيدتها بـ"أرض داوود وسليمان الكبرى" مهندسين من أنحاء أوروبا لإخراج أفكارها إلى حيّز التنفيذ، وذلك باستخدام مياه أنهر الليطاني واليرموك والأردن لتغيير طبيعة بادية النقب الصحراوية جنوباً عبر نقل المياه إليها، فالمياه حجر أساس في مقوّمات البقاء البشري واستمراريته ولا يمكن للمستوطنين الجدد العيش في النقب دون ماء.
في وقت لاحق استقر الاختيار على نهر الأردن؛ حيث خططت الحركة عبر شركة "طاهل" التي اشتغلت بمياه الشرب حينها لحرف مسار النهر من الشمال بهدف إنشاء بحيرة تجميع للمياه في سهل البطوف بالجليل الأسفل. ولأن الفلسطينيين لم يكونوا في اعتبار الحركة الصهيونية قياساً بالاعتبارات الأمنية والاستيطانية المهمة لها، شمل مخطط البحيرة إغراق قرية كفر مندا وطرد أهلها لقرى أخرى.
بعد أعوام قليلة من النكبة وتحديداً في العام 1954 أصدر الحكم العسكري أمراً فعلياً لإخلاء القرية الواقعة بالجليل الأسفل لتنفيذ المشروع لكن الأهالي اشتبكوا بأجسادهم مع جنود الحكم العسكري ما أسفر عن وقوع جرحى ومعتقلين ومصادرة جزء من أراضيهم، فيما أُرّخ ذلك اليوم فلسطينياً باسم يوم الصمود، وعبرياً باسم "يوم أوري"، نسبة لأوري تاهون عنصر الاستخبارات الذي عاش بين الفلسطينيين وأتقن لغتهم، وعمل مع "طاهل" على تنفيذ المشروع.
على أثر ذلك، توجهت الأنظار الى الخطة "ب": بحيرة طبرية حيث بدأت الصهيونية عبر الشركات المعنية ببناء مضخات ضخمة في إطار "مشروع المياه القُطْري" الذي مد أنفاقاً تحت الأرض، وقنوات وأنابيب مرّت بسهل البطوف وصولاً إلى النقب جنوباً لنقل المياه إلى الأخير. وهو مشروع لم يسلم بالمناسبة من ضربات القوات السورية التي استهدفته فيما عُرف باسم "حرب المياه 1965"، لتجاوزه المعايير والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمحاصصة بالنسبة لكميات المياه.
إبان تنفيذ المشروع الذي أنجز في ستينيات القرن المنصرم، سنّت إسرائيل عام 1959 قانوناً سيطرت من خلاله على جميع مصادر المياه (جوفية، سطحية وأمطار) ما حرم سكان الأرض الأصليين من الاستفادة من مواردهم الطبيعة؛ ففيما وصلت المياه إلى مستوطنات النقب من خلال المشروع المذكور، حُرمت القرى الفلسطينية غير المعترف بها هناك حتّى اليوم من وصول مياه الشرب إليها.
بمرور السنوات استهلكت المشاريع الاستيطانية والزراعية كل المياه الجوفية، ما تسبب في نضوب منابع الأنهر وتسرّب مياه البحر إلى المياه الجوفية وهو ما لوّث الأرض بالملوحة. وبالعودة إلى بحيرة طبرية، التي أسهم تجفيف بحيرة الحولة شمالاً (من أجل استيطانها) بزيادة نسبة ملوحتها، فإن نقلها عبر مشروع المياه القُطري إلى البيئة الصحراوية جنوباً فاقم بحد ذاته ملوحة التربة. وفي حين يكثر الحديث هذه الأيام عن جفاف بحيرة طبرية، ويغدو ذلك "ترند" رائج في الشبكة الإلكترونية بسبب ارتباط البحيرة بمعتقدات ومرويات دينية عن "علامات ظهور يأجوج ومأجوج التي تتنبأ بنهاية العالم"، تستمر إسرائيل في الاعتداء على الطبيعة الفلسطينية بما يخدم مشاريعها الاستيطانية والزراعية، متسببةً بإخلال التوازن البيئي الذي ما فتئ يرتد عليها.