سلفيت تغرق بالاستيطان: الاحتلال يساوم لمنع العمل بمناطق "ج"

سلفيت تغرق بالاستيطان: الاحتلال يساوم لمنع العمل بمناطق "ج"

07 أكتوبر 2021
التلوّث الناجم عن البؤر الاستيطانية يهدد بيئة سلفيت (عصام الريماوي/الأناضول)
+ الخط -

فشلت كل محاولات الاحتلال الإسرائيلي في وضع حدّ لإصرار الفلسطينيين في محافظة سلفيت، شمالي الضفة الغربية المحتلة، على مواصلة العمل والبناء وشق الطرق وتأهيلها في المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو. وهو الاتفاق الذي ترك تلك المناطق، التي تُشكّل نحو 60 في المائة من مساحة الضفة لقمة سائغة بيد الاحتلال، وهو ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى اللجوء لسياسة المساومة، مقابل تعهّد الفلسطينيين بعدم استكمال عملهم في تلك المناطق. القصة التي يرويها رئيس بلدية سلفيت عبد الكريم الزبيدي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بدأت عندما استولت قوة تابعة لجيش الاحتلال قبل أسابيع على آلية جرف تابعة للبلدية كانت تعمل في منطقة الراس، المصنفة "ج"، والتي شرع مستوطنون في إقامة بؤرة استيطانية فيها. ويقول الزبيدي: "طلبنا من هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية التدخل لدى الاحتلال لإعادة الآلية، إلا أن الاحتلال اشترط أن نرسل نحن في البلدية تعهداً مكتوباً بعدم العمل في تلك المنطقة بشكل خاص، والمناطق المصنفة (ج) من أراضي سلفيت بشكل عام".


شقّت بلدية سلفيت 46 كيلومتراً من الطرق في مناطق (ج)

ويؤكد الزبيدي أنه رفض وبشكل قاطع توقيع التعهد، ويشدّد على عدم الاعتراف "أصلاً بهذه التقسيمات، بل نعمل في كل المناطق، صحيح أنهم يأتون لعرقلتنا فنتوقف في منطقة ما، لكننا فوراً ننتقل للعمل في موقع آخر". وينوّه إلى أنه "عملنا على شق 46 كيلومتراً من الطرق في مناطق (ج)، لذلك كان ردنا لهم بأن يبقوا على الآلية لديهم، في مقابل عدم توقيعنا على التعهّد، الذي يعني إقراراً رسمياً من طرفنا بملكيتهم لتلك الأراضي". ويلفت إلى أن "سلفيت تُعدّ الثانية بعد القدس المحتلة من ناحية الاستهداف الاستيطاني، حيث يقيم الاحتلال على أراضيها نحو 25 مستوطنة وتجمعاً استيطانياً سكنياً وصناعياً، في مقابل 19 تجمعاً فلسطينياً. ويستغل الاحتلال كون 60 في المائة من مساحة سلفيت تقع ضمن المناطق المصنّفة (ج)، وتبلغ نسبة الأراضي المخصصة للبناء الفلسطيني في المحافظة حوالي 6 في المائة فقط من المساحة الإجمالية، في مقابل 9 في المائة لصالح المستوطنين". ويعلق الزبيدي على ذلك بقوله: "لكن هذا لا يعني أنها ليست أراضي فلسطينية خالصة، فأصحابها يملكون أوراقاً ثبوتية (كواشين) تؤكد أحقيتهم بها، وما دامت لنا، لماذا لا نعمل بها ونعمّرها رغماً عن الاحتلال؟ هم لا يعترفون بالتقسيمات، ونحن أيضاً لن نعترف بها، هي عملية كرّ وفرّ، وسيكون نفسنا أطول وسننتصر عليهم".

وكانت اتفاقية أوسلو (الموقعة عام 1993) قد قسّمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: "أ" التي من المفترض أن تتبع سيادتها الأمنية والإدارية بشكل كامل للسلطة الفلسطينية، و"ب" التي تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية، ومدنية وإدارية للسلطة الفلسطينية، و"ج" التي تخضع لسيطرة أمنية ومدنية وإدارية إسرائيلية. لكن الواقع على الأرض مخالف لذلك بشكل جلي، إذ لم تعد تلتزم قوات الاحتلال بأي تقسيمات، وتقتحم كل المناطق وتعتدي على المواطنين فيها. ويحرم الاحتلال وما يسمى بـ"سلطة بيئة الاحتلال" المزارعين من وضع صهاريج مياه، أو خرطوم لري مزروعاتهم، أو حراثة أراضيهم بواسطة جرار زراعي، أو استخدام جرافة في تمهيد طرقهم الزراعية. كما يهدم السلاسل الحجرية للفلاحين، بينما يقيم مستوطنات وبؤراً عشوائية وبيوتاً متنقلة ومسارات سياحية للمستوطنين.

يأتي هذا بعد أقل من 24 ساعة على الكشف عن مخطط لإقامة مشروع استيطاني للصرف الصحي يربط بين المستوطنات المقامة في شمال الضفة، يمرّ من أراضي بلدة دير استيا، غربي سلفيت، الذي يعني مصادرة آلاف الدونمات من أراضي المواطنين لصالح التوسع الاستيطاني، ويشكل كارثة بيئية. مسار مشروع خط الصرف الصحي الاستيطاني يمتد بطول ثمانية كيلومترات وبعرض 30 متراً، ويربط بين تجمّع "عمانوئيل" الاستيطاني، مروراً بأراضي بلدة دير استيا التي تُعرف بمنطقة المساحيل وواد جبارة وواد القعدة والمناطق المجاورة، وصولاً إلى وادي قانا. وهذا الخط سيدمّر الأراضي الزراعية التي سيمر خلالها، ويلوث عيون المياه في وادي قانا.

وفي بيان صادر عن بلدية دير استيا، يظهر أن هناك خوفاً حقيقياً على المزارعين وأراضيهم، إذ أن عشرات العائلات تعتاش على زراعة الحمضيات واللوزيات وغيرها من المزروعات. كما أن ينابيع المياه الموجودة في الواد ستتعرض للتلوث، ما سيسبب الأمراض للبشر والشجر. وكشفت بلدية دير استيا عن وجود مشروع صرف صحي قديم يمرّ من الوادي، يبدأ من بلدة حوارة، جنوبي نابلس، ويمتد بطول 30 كيلومتراً حتى بلدة جلجولية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وتسبب هذا المشروع في أضرار بيئية خطيرة على المزروعات وينابيع المياه، وهو ما دفع البلدية في دير استيا إلى إجراء ثلاثة اختبارات للمياه، فوجدت نسبة التلوث فيها أكثر من 55 في المائة.


سيُهدد مشروع الصرف الصحي الجديد مساحات زراعية واسعة من وادي قانا

أما في حال تنفيذ مشروع الصرف الصحي الجديد، فسيهدد مساحات شاسعة من وادي قانا، سواء المزروعة أو البور، وستكون له نتائج كارثية على آلاف الأشجار المثمرة، خصوصاً الزيتون، والليمون، والبرتقال، لأن الاحتلال، وفق بيان البلدية، يسعى من خلال المشروع الجديد إلى التخلص من الصرف الصحي والنفايات الناجمة من تجمع "عمانوئيل" الاستيطاني الصناعي. وهو ما سيدمّر الوضعين السياحي والاقتصادي لوادي قانا، الذي ينتعش في فترتي الربيع والصيف، ويرتاده أسبوعياً آلاف الفلسطينيين من مختلف مناطق الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وسبق ذلك تسليم سلطات الاحتلال، إخطارات بمصادرة عشرات الدونمات من أراضي قرى حارس وسرطة وبروقين، غربي سلفيت، بغرض توسيع المشروع الاستيطاني، القائم على فتح طريق تربط بين مستوطنة "بركان" والشارع المسمى "عابر السامرة".

ويقول الناشط في مقاومة الاستيطان عايد زاهد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إنه "من المتوقع أن يتم الاستيلاء على أضعاف ما تم من إصدار إخطارات بشأنها، بسبب درايتنا بطبيعة الشارع الذي يستعد الاحتلال لشقه، لأن الأرقام في الواقع تختلف عن تلك التي يتحدث عنها الاحتلال في الإخطارات". ويؤكد زاهد: "يربط طريق عابر السامرة بين تل أبيب والأغوار، وعلى جانبيه شُيّدت عشرات المستوطنات، وجرت تعديلات وتغييرات وعمليات توسيع على الطريق، أدت إلى تغيّر معالم محافظة سلفيت، وسرقة آلاف الدونمات الزراعية من أراضيها". ويجدّد زاهد التأكيد أن استهداف سلفيت بهذه الهجمة الاستيطانية يأتي نظراً لموقعها الاستراتيجي والمركزي على هضاب جبال الضفة الغربية وجبالها، ولأنها تعتبر حلقة الوصل بين المناطق الساحلية من الجهة الغربية وغور الأردن من الجهة الشرقية. 

وتُعتبر مستوطنة "أريئيل" المقامة على أراضي سلفيت من أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، بعد التهامها آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين. ويسعى الاحتلال إلى ضمّها لـ"السيادة الإسرائيلية" ضمن مخطط يشمل الأغوار وعددا من المستوطنات المقامة الكبرى على أراضي الضفة، بما فيها القدس. وتبلغ مساحة محافظة سلفيت بحدودها الإدارية الحالية 204 كيلومترات مربعّة ويسكنها حوالي 75 ألف فلسطيني، بحسب "الإحصاء الفلسطيني" الصادر عام 2017.

المساهمون