سلاح درعا معضلة أمام القيادة السورية الجديدة

13 يناير 2025
مقاتلون في درعا، 27 ديسمبر 2024 (زهرة بن سمرة/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه وزارة الدفاع السورية تحديات في دمج الفصائل المسلحة في جيش وطني، خاصة في درعا، حيث ترفض الفصائل تسليم أسلحتها بسبب التهديدات الأمنية.
- "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة يضم 1500 مقاتل في ريف درعا الشرقي، ويشترط الانضمام ككتلة موحدة دون حل الفصيل، مع الاحتفاظ بالسلاح الثقيل.
- تسعى الإدارة الجديدة للتفاهم مع الفصائل، مثل "هيئة تحرير الشام"، للاندماج في الجيش دون صدامات، مع اعتماد أساليب متدرجة رغم استغراقها وقتاً طويلاً.

تبدو مهمة تفكيك المشهد الفصائلي وجمع السلاح في محافظة درعا في الجنوب السوري، من أبرز المعضلات التي تواجه وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية التي شرعت في خطوات تستهدف تشكيل جيش وطني تنضوي تحت رايته كل الفصائل المسلحة التي قاتلت النظام خلال سنوات الثورة، وصولاً إلى إسقاطه في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024. ويواصل وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية، مرهف أبو قصرة، وعدد من ضباط قيادة الأركان في الوزارة، التباحث مع وفود تمثل فصائل وتشكيلات عسكرية في البلاد في آليات دمجها في الهيكل التنظيمي لوزارة الدفاع. ويبدو أن هذه المهمة ستكون من أكبر المعضلات التي تواجه الإدارة الجديدة في البلاد، والتي اصطدمت برفض أو تريّث العديد من الفصائل والمجموعات في تسليم سلاحها، وفي مقدمتها تلك الموجودة في محافظة درعا. ووضعت هذه المجموعات شروطاً قبل الانضواء في الجيش الجديد، متذرعة بعدم انتفاء الأسباب التي تدفع لبقاء السلاح بيديها، ومنها استمرار التهديدات الأمنية خصوصاً لجهة فلول النظام، أو احتمالية عودة تنظيمات متشددة مثل "داعش" إلى النشاط، مستغلة حالة "عدم اليقين" التي تمر بها البلاد.


أحمد حسين: أحمد العودة يريد لعب دور أكبر في مستقبل سورية

فصائل درعا

لكن يبدو أن قادة هذه الفصائل لديهم تحفظ على آليات العمل في وزارة الدفاع الجديدة، خصوصاً لجهة تعيين القائد العسكري لـ"هيئة تحرير الشام" مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع، وإقصاء كبار الضباط السوريين الذين انشقوا عن جيش النظام المخلوع. ولا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المقاتلين المنضوين في فصائل درعا، التي يأتي "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة في مقدمتها لجهة العدد والتسليح والتأثير، فضلاً عن كونه الأكثر تنظيماً، فهو كان ضمن "الفيلق الخامس" الذي شكلته روسيا في البلاد، وضم عدداً كبيراً من المقاتلين المعارضين الذين كانوا أجروا تسويات مع النظام المخلوع. ويُعتقد أن عدد مقاتلي أحمد العودة نحو 1500 عنصر يتمركزون خصوصاً في ريف درعا الشرقي. وإلى جانب فصيل العودة، هناك عدة مجموعات محلية تشكل ما يُعرف بـ"غرفة عمليات الجنوب". كما تملك "هيئة تحرير الشام" حضوراً كبيراً في محافظة درعا، تعزز أكثر بعد الثامن من ديسمبر الماضي. ويُنظر إلى أحمد العودة على أنه "رجل روسيا" في الجنوب السوري، ويريد الانخراط في الجيش السوري الجديد، ولكن وفق شروطه، منها الدخول بالجيش ككتله موحدة وعدم حل الفصيل الذي يقوده، والاحتفاظ بمواقعه في الجنوب السوري على الحدود الأردنية والحدود مع فلسطين المحتلة.

وبحسب أحمد حسين، وهو أحد الناشطين في محافظة درعا، فإن العودة "له علاقات متشعبة ومتشابكة ومعقدة وارتباطات إقليمية مكّنته من لعب دور مهم في المحافظة قبل سقوط بشار الأسد"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "يبدو أنه يريد لعب دور أكبر في مستقبل سورية والجيش السوري الجديد، مستفيداً من تجاذبات إقليمية وعربية حيال الإدارة الجديدة في البلاد". ونقل حسين عن مصدر مقرب من "اللواء الثامن" تأكيده أن هذا الفصيل بقيادته الحالية "لن يُحل" حتى تتشكل وزارة دفاع وجيش جديد وأن يدخل فيه الفصيل كجسم كامل بضباطه وعناصره وسلاحه. وبيّن أن هناك مناطق في محافظة درعا لا تخضع لسيطرة "اللواء الثامن"، قامت المجموعات فيها بتسليم سلاحها للإدارة الجديدة مثل: الصنمين واللجاة والريف الغربي، مشيراً إلى أن قيادة "اللواء الثامن" لم تبد حتى اللحظة أي استعداد لتسليم سلاحها الثقيل لإدارة العمليات.

ووفق مصادر محلية، فإن معظم أهل محافظة درعا يرفضون هذا التوجّه من قبل العودة وغرفة عمليات الجنوب، فـ"محافظة درعا جزء لا يتجزأ من سورية الموحدة"، وفق الشاب محمد م. (رفض الكشف عن هويته)، الذي رأى في حديث مع "العربي الجديد" أن أهالي درعا يرفضون "أي مشروع مناطقي أو تقسيمي"، مؤكداً أن الأهالي بغالبيتهم "يطالبون بمحاسبة الأشخاص الذين تلطخت أياديهم بالدماء وفق القانون".

وتعليقاً على المشهد الفصائلي في محافظة درعا، رأى الخبير العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المشهد العسكري في سورية برمته "معقد"، مشيراً إلى "تعدد ولاءات" القوى الموجودة في الشمال الشرقي وفي الجنوب، مضيفاً: "هناك "فلول" للنظام لن يسلموا أسلحتهم إلا بالقوة لأنهم يعرفون مصيرهم بسبب ارتكابهم للمجازر. وبيّن فرحات أن فصائل درعا "تطالب بالدخول إلى الجيش السوري الجديد كما هي"، مضيفاً: "في هذه الحالة سنكون أمام مشهد لا علاقة له بالجيش بل هو تجميع مليشيات في تشكيل واحد". وتابع: "الإدارة الجديدة تريد دخول عناصر هذه الفصائل سواء في درعا أو غيرها بشكل فردي وليس على شكل فصائلي. ووصف فرحات شروط الفصائل في درعا بـ"التعجيزية"، معتبراً أن تشكيل الجيش من الفصائل كما هي ينزع عنه صفة الوطنية ويكون عرضة للانقسام أمام أي مشكلة سياسية. وتابع: "الجيوش الوطنية تضم كل أطياف ومكونات أي بلد ولا يجوز تجميع فصائل محلية في أماكن بعينها. ولاء الجيش يجب أن يكون للوطن كله وليس لمنطقة معينة، أو لجهة خارجية".


مصطفى فرحات: تشكيل الجيش من الفصائل كما هي ينزع عنه صفة الوطنية

حضور "هيئة تحرير الشام"

من جهته، أوضح الباحث العسكري في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لـ"هيئة تحرير الشام حضوراً كبيراً في محافظة درعا"، مشيراً إلى أنها بدأت بتشكيل خلايا لها منذ عام 2023، مضيفاً: "السبت الماضي تم تعيين قيادي في الهيئة، كان في سجن صيدنايا وحُرر يوم السابع من ديسمبر الماضي، قائداً أمنياً في منطقة نوى بدرعا". وتابع: "يبدو أن الإدارة الجديدة تريد التفاهم مع كل الفصائل في سورية للاندماج في الجيش الجديد من دون خوض معارك معها لهذا الشأن". وأعرب عن اعتقاده بأن وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال "ستلجأ إلى الأساليب المتّبعة في أي مؤسسة عسكرية في العالم في تعاملها مع الحالة الفصائلية في البلاد، وستعتمد أسلوب العقوبات المتدرجة والحرمان من الامتيازات والتضييق على الفصائل التي ترفض تسليم السلاح ومن ثم التدخل التدريجي السلمي للسيطرة على زمام الأمور". بيد أن حوراني رأى أن لهذا الأسلوب بعداً سلبياً وهو أنه "يستهلك وقتاً طويلاً وهو ليس في مصلحة السلطة الجديدة في دمشق".

واستبعد أي صدام عسكري بين إدارة العمليات العسكرية وفصائل درعا، خصوصاً أن هناك قبولاً شعبياً لهذه الإدارة في محافظة درعا، مضيفاً: "أعتقد أن حضور السلطة الجديدة في جنوب سورية سيتطور بالتدريج للوصول في النهاية إلى استلام كل الملفات خصوصاً الأمنية والعسكرية. ويتحدر أحمد العودة من مدينة بصرى الشام، شرقي درعا، وقاد فصيل "شباب السنة" في المحافظة منذ عام 2012، والذي كان أحد أهم فصائل الجبهة الجنوبية المرتبطة بغرفة عمليات دولية في عمّان (الموك). وفي عام 2018 وبعد قيام النظام بالهجوم على محافظة درعا وتخلي "الموك" عن دعم فصائل الجبهة الجنوبية، قام العودة بالتفاوض مع روسيا بحضور مندوبي النظام لتسليم المنطقة وسلاحها الثقيل وإجراء مصالحة لمعارضي النظام وتشكيل "اللواء الثامن" والذي ضم منشقين عن قوات النظام ومطلوبين له. وعمل اللواء في منطقة بصرى الشام وبعض القرى والمدن في ريفي درعا الشرقي والغربي، وتلاحق بعض قادته اتهامات من قبل الأهالي بتنفيذ عمليات اغتيال وتصفية واعتقال لمصلحة النظام المخلوع.

المساهمون