سكوت واشنطن يشجّع التجويع الممنهج في غزة

24 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 10:09 (توقيت القدس)
الأمم المتحدة أكدت تفشي المجاعة في قطاع غزة، 30 يوليو 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- برزت أزمة التجويع في غزة في واشنطن، حيث يهدد الجوع نصف مليون غزاوي، وسط تواطؤ ضمني بين من يمارس سياسة التجويع ومن يوفر له الغطاء.
- حذرت لجنة "النظر في شؤون المجاعة" من مجاعة وشيكة، لكن إدارة بايدن اتخذت إجراءات غير فعالة، وزادت المساعدات مؤقتاً خلال معركة الرئاسة، ثم انخفضت بعد الانتخابات، مع تفهم أميركي لحصار إسرائيل.
- وافقت إسرائيل على زيادة المساعدات عبر "مؤسسة غزة الإنسانية"، لكن الواقع لم يتغير، وتزايدت المطالبات بفتح المعابر ووقف دعم الجهة المسؤولة عن توزيع المساعدات.

في الآونة الأخيرة، فرض مشهد التجويع في غزة نفسه بقوة في واشنطن، خاصة في الإعلام ومساحات الرأي وبعض دوائر الكونغرس من الحزبين. وكانت سيرته بارزة على مستوى الحضور، أما على مستوى القرار، فبقدر ما كان المشهد فاقعاً ودرامياً، بقدر ما كان مسكوتاً عنه وكأن هناك تواطؤاً بين من يمارس سياسة التجويع، عن سابق تصور وتصميم، وبين من يوفر له، بصورة أو بأخرى، الغطاء الواقي. وأدى هذا المسار إلى استفحال الأزمة التي صارت تهدد "نصف مليون غزاوي بجوع كارثي"، وفق ما جاء في تقرير الأمم المتحدة عن المجاعة، أول أمس الجمعة، والتوقعات بأن العدد مرشح للزيادة بوتيرة متسارعة، فالقضية تفاقمت بعد أن تُركت تتفاعل لحوالي سنة ونصف سنة، من دون رادع.

منذ مارس/آذار 2024 أطلقت لجنة "النظر في شؤون المجاعة" تحذيرها بأن المجاعة في غزة "وشيكة". يومذاك اكتفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإجراءات بهلوانية، مثل إقامة رصيف بحري متحرك لتأمين إمداد غزة بالمساعدات الانسانية بدلاً من إجبار إسرائيل على فتح كل المعابر لإدخال المعونات، لكن سرعان ما تبين عدم جدواها وتم صرف النظر عن هذا الرصيف وتفكيكه بعد حوالي شهرين، وفي مايو/أيار 2024 دقت جهات دولية جرس الإنذار لتنبّه من ظهور بوادر مجاعة.

في ذلك الوقت، ومع دخول معركة الرئاسة في أشهرها الأخيرة، تحركت الإدارة وبما أدى إلى زيادة دخول المساعدات إلى القطاع ولغاية عشية الانتخابات. وبعد مرور الاستحقاق الانتخابي، في نوفمبر/تشرين الثاني، هبطت كمية المعونات التي تصل إلى القطاع. وبقي الأمر على هذا المنوال لغاية مارس/آذار 2025، عندما جددت اللجنة أعلاه تحذيرها من "تفاقم أزمة الجوع مع التشديد على احتمال تمدد خطرها من الشمال إلى بقية أنحاء القطاع"، آنذاك أعلنت إسرائيل الحصار على القطاع بما أدى إلى اشتداد وطأة المجاعة، وبدلاً من أن ترد الإدارة بخطوات وضغوط مضادة للتصعيد تبنّت موقف المتفهم لخطوة إسرائيل بزعم أن "حماس تنهب" المساعدات بما يسبّب تجويع المدنيين، لكن هذه السردية لم تصمد أمام تعاظم الأزمة وتزايد الضجة الدولية بشأنها.

مع تزايد ضغوط إدارة دونالد ترامب لاحتواء الضجة الدولية، ارتضت إسرائيل برفع منسوب المساعدات لكن عبر "مؤسسة غزة الانسانية" المرتبطة بها والتي تتمتع بحماية أميركية. وبالرغم من اعتراضات كل الجهات والمنظمات الدولية المعنية بالمساعدات الإنسانية على تكليف هذه المؤسسة، لعدم استيفائها شروط القيام بهذا الدور، بقيت إسرائيل متمسكة بها وكذلك الإدارة التي كانت تنوه بدورها، رغم شبه الإجماع على تصنيفها بأنها ليست سوى مجرد أداة "لتنظيم المجاعة" ولضمان فوضى التوزيع، التي سبّبت سقوط مئات الجائعين برصاص القوات الإسرائيلية، ولم تفلح محاولات تلميعها في تغيير صورتها ومن ثم لم تفلح في إزالة مشهد المجاعة التي اعترف ترامب بوجودها، خلال مؤتمره الصحافي يوم 28 يوليو\ تموز في اسكوتلندا. كما اعترف بها نواب من عتاة الجمهوريين إضافة إلى كتلة واسعة من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، مع التشديد على وجوب التحرك لتدارك الأدهى.

المجاعة صارت مكشوفة وتهدد بأن تصبح مستعصية والاعتراف بها وحده لا يكفي، فالمطالبات تتزايد "لوقف دعم" الجهة، التي ما زالت تتولى توزيع المساعدات، واستبدالها بفتح المعابر أمام تدفق المعونات، والأهم مطالبة البيت الأبيض "بوضع فاصل" بينه وبين رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن الأجواء لا تشي بتحول في هذا الاتجاه، فالإدارة لا تمانع خيار احتلال كامل غزة، فضلاً عن أنها غير متحمسة لمفاوضات وقف النار، وفي ذلك هي على خطى نتنياهو.