سقوط الأحزاب اللبنانية بانتخابات المهندسين: بروفا للاستحقاق النيابي؟

سقوط الأحزاب اللبنانية في انتخابات "المهندسين": بروفا للاستحقاق النيابي؟

20 يوليو 2021
اتحدت مجموعات 17 أكتوبر رغم تبايناتها (حسين بيضون)
+ الخط -

لا تتوقف أهمية نتائج انتخابات نقابة المهندسين في لبنان، التي جرت أول من أمس الأحد، على تحقيق مجموعات معارضة وُلدت من رحم انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، انتصاراً مدوياً وغير مسبوقٍ على أحزاب السلطة، بحصولها على 67 في المائة من الأصوات، بل يمكن قراءة هذا الانتصار كمقدمة للتغيير، قد تمتد إلى الانتخابات النيابية المتوقع إجراؤها في مايو/أيار 2022. ويأتي ذلك، خصوصاً مع نجاح المجموعات المتعددة المنبثقة عن "انتفاضة أكتوبر" في التوافق على لائحة واحدة للمنافسة، على الرغم من بعض التباينات في ما بينها. لكن هذا الانتصار، الذي يأتي تكملة لانتصارات حققتها المعارضة في نقابة محامي بيروت، وفي انتخابات جامعات عدة، يطرح تساؤلاً جدياً عن إمكان أن يكون أيضاً دافعاً للسلطة لتأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، خصوصاً مع تصاعد الغضب الشعبي ضد المنظومة الحاكمة في ظل تراكم الأزمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، والفشل في تشكيل حكومة تتخذ أي إجراء لوقف الانهيار الحاصل.

نجحت المجموعات المتعددة المنبثقة عن "انتفاضة أكتوبر" في التوافق على لائحة واحدة للمنافسة

وتلقّت أحزاب السلطة في لبنان ضربة جديدة أول من أمس، أطاحت بها في انتخابات نقابة المهندسين، بفوز مرشّح لائحة "النقابة تنتفض" (المشكّلة من قبل مجموعات من الحراك) عارف ياسين بمنصب نقيب المهندسين، بعد حصوله على 5798 صوتاً من أصل 8842 صوتاً. وجاء فوز ياسين بفارق 4270 صوتاً عن مرشح تحالف "تيار المستقبل" (بزعامة سعد الحريري) و"حركة أمل" (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، باسم العويني، الذي نال 1528 صوتاً، فيما جاء ثالثاً المرشح عبدو سكرية، الذي حصد 1289 صوتاً بعدما دعمه "حزب الله" و"القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" بشكل رئيسي.

وأتى فوز ياسين أيضاً مع 9 أعضاء في مجلس النقابة من أصل 10، علماً أنّ أحزاب السلطة اتحدت مجتمعةً ضده، وشنّت حملة شائعات كبيرة ضد اللائحة مع محاولة شدّ العصب الطائفي الذي تتسلّح به عند كلّ استحقاقٍ. كما حصدت "النقابة تنتفض" 4 أعضاء في الصندوق التقاعدي، بفارق 3 أضعاف من الأصوات، في خطوةٍ اعتبرتها مجموعات الانتفاضة بمثابة "تحرير نقابة المهندسين من سيطرة أحزاب السلطة".

وتقول نورا أبو شقرا، من "تحالف وطني" (إحدى مجموعات حراك 17 أكتوبر)، إن "انتخابات نقابة المهندسين تعتبر محطة أساسية في مسار التغيير الذي أرسته انتفاضة 17 أكتوبر، وتجربة مهمة جداً من حيث التنظيم وتغليب البرنامج على الأفراد بعكس الأسلوب الذي تنتهجه السلطة". وترى أبو شقرا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نتائج يوم الأحد تكملة لانتصارات الانتخابات الطالبية ونقابة المحامين ومسار التحرير والتحرّر من سلطة أحزاب المنظومة الفاسدة التي اقتربت نهايتها وباتت متهالكة وفاقدة للشعبية". وتشير إلى أنّ "أحزاب السلطة تحالفت معاً بوجه النقابة تنتفض، وعمدت طيلة المراحل الماضية إلى عرقلة الاستحقاق ومحاربة المجموعات المنتفضة بأسلحتها التقليدية التي تستخدمها عندما تشعر بأنها تفقد كل شيء سواء بتأجيله مرّات عدّة، أو بث الشائعات وتلفيق التهم وشدّ العصب الطائفي وتوزيع لوائح مخردقة (ملغومة) للنقابة تنتفض، واللجوء إلى حملات التخوين، ومع ذلك تمكّنت من استعادة النقابة التي كانت حكراً على المنظومة، وأثبتت أن الإحباط ليس قدراً في هذا البلد، فالأمل موجود بعيداً من فساد الطبقة السياسية التي لا يمكنها حتى أن تدير دكانة".

وتؤكد أبو شقرا أنّ التحالفات بين مجموعات 17 أكتوبر "مفترض أن تتكرّر في جميع الاستحقاقات، منها انتخابات نقابة المحامين قريباً، وكذلك النيابية، لنحمل شعار المجلس ينتفض ونتكاتف بيد واحدة في وجه سلطة نهبتنا ودمّرتنا وفجّرتنا". وأضافت: "نعلم أن المعركة صعبة وطويلة، وستضع السلطة الكثير من القنابل في طريقنا، وقد تلجأ إلى تأجيل الانتخابات النيابية بعد النتائج الأخيرة خوفاً من الهزيمة، لكننا معاً في وسعنا أن نحقق التغيير والانتصار".

قد يدفع انتصار مجموعات المعارضة السلطة إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة

ولم يكن انتصار ياسين، الذي يرفع شعار "صوتي بإيدي (في يدي) لتحرير النقابة"، سهلاً، خصوصاً أنه تعرّض لحملات منظمة قادتها بعض الأحزاب السياسية ودعمتها الجيوش الإلكترونية التابعة لمناصريها، وذلك من بوابة اتهامه بأنه ينتمي إلى الحزب الشيوعي ومدعوم من "حزب الله" في محاولةٍ للتأثير على التصويت له. فكان أن أكد النقيب الجديد أنه شطب المذهب عن إخراج قيده منذ سنوات طويلة، وهو مستقلٌّ وغير محسوب على أي جهة حزبية. كذلك، حاولت الأحزاب السياسية نشر أخبار كاذبة قبيل إقفال صناديق الاقتراع، بالإشارة إلى أنها انسحبت من المعركة وستدعم "النقابة تنتفض"، في محاولةٍ منها للتخفيف من عدد المقترعين والتأثير على العملية الانتخابية.

ويشرح المهندس ميشال أبي خليل، الذي نشط في دعم لائحة "النقابة تنتفض"، أن "نقابة المهندسين هي الأكبر على صعيد نقابات لبنان، والفوز الكاسح فيها يؤكد أننا أمام جيل جديد صوته لن ينطفئ وخياراته واضحة وثابتة، وهو أصبح بارقة الأمل الوحيدة الموجودة لقلب المعادلة كلياً". ويقول أبي خليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الانتصار الذي تحقق هو امتدادٌ لنتائج المرحلة الأولى قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، التي فازت فيها لائحة النقابة تنتفض بـ221 مقعداً ضمن هيئة المندوبين من أصل 232، إلى جانب فوز ثلاث لوائح مقفلة مؤلفة من 15 مرشحاً ضمن الفروع الثلاثة: المهندسون المدنيون الاستشاريون، المهندسون المعماريون الاستشاريون، والمهندسون الزراعيون ذوو الاختصاصات المختلفة".
ويشدد أبي خليل على أن "هذه النتائج لا يمكن أن نفصلها عن حراك 17 أكتوبر وصرخة اللبنانيين التي تنادي بالتغيير وإسقاط المنظومة السياسية الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى الانهيار الشامل، وأغرقته بشتى أنواع الأزمات، فكانت الرسالة يوم الأحد بأن الشعب وصل إلى مرحلةٍ نبذ فيها الأحزاب التقليدية وأصبح على كوكبٍ آخر لا مكان لها فيه".

ويتوقف أبي خليل عند تحالف المجموعات الناشطة في انتفاضة 17 أكتوبر التي أثبتت أنها "قادرة على الاتفاق والوقوف جنباً إلى جنب، وبخطوتها هذه تستطيع أن تكسر المنظومة التي تحكمنا وتتحكّم بنا، فكان أن اجتمعت حول آلية ومعايير وشروط واضحة وبرنامج موحّد للنقابة والنقيب، أهم ما فيه أنه كان واقعي ومنطقي، ولم يعطِ عناوين في هواء الأحلام، واستطاعت بفضل هذه العوامل أن تقود حملتها التي جرفت بنتائج الانتخابات الطبقة السياسية التي اتحدت، على الرغم من صراعاتها".

ولا يستبعد أبي خليل لجوء الأحزاب السياسية التقليدية إلى تأجيل الانتخابات النيابية المرتقبة في ربيع 2022 بعد الخسائر المتتالية التي مُنيت بها، خصوصاً على صعيد الانتخابات الطالبية وانتخابات نقابة المحامين، إذ إنها ستبذل ما في وسعها للبقاء في الحكم وفي مراكز القرار وعلى رأس السلطة، لكنه في المقابل يرى أنّ المجتمع الدولي يضغط باتجاه إجراء الاستحقاق في موعده، ومن المعروف أن القرار في لبنان في ظلّ وجود المنظومة نفسها يبقى في يد الخارج، على حدّ قوله.

وفي قراءة لنتائج الانتخابات، يقول مدير معهد "المشرق للشؤون الاستراتيجية"، المحلل السياسي سامي نادر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "النتائج تظهر تغييراً في المزاج العام، خصوصاً أنها أتت كاسحة في وجه منظومة حكم اجتمعت ضدّ مجموعات الانتفاضة، ولم يكن الفارق بسيطاً من حيث الأصوات".

نادر: قانون الانتخاب وغياب المال الانتخابي ساهما في الفوز

لكن نادر يعتبر أنه من المبكر معرفة مدى تأثير نتائج انتخابات نقابة المهندسين على مسار الانتخابات النيابية ونتائجها، فهناك عوامل كثيرة يجب أخذها بعين الاعتبار ساهمت في تحقيق الانتصار، سواء على صعيد المهندسين أو مختلف الانتخابات الطالبية والنقابية، أبرزها قانون الانتخاب الواضح والذي يراعي التمثيل الحقيقي، ما ترجم بنتائج بعيدة جداً من تلك التي يحققها القانون الذي يفصّل على قياس السلطة والأحزاب السياسية. إلى جانب ذلك، هناك عامل النزاهة والشفافية في الانتخابات، فالمال الانتخابي لا دور له في الاستحقاقات النقابية، بعكس النيابية، وهو من أبرز أسلحة الأحزاب، عدا عن التجييش الطائفي وغيره من الوسائل التي تلجأ إليها الطبقة السياسية للتأثير على النتائج، وفق نادر.

من ناحية ثانية، يرى نادر في تحالف المجموعات المدنية "دليلاً على ظهور نضوج سياسي مترافق مع ورش العمل السياسية التي تنمّ عن جهد كبير يحصل لصنع التغيير، وباتت هناك قناعة بأنّ التحالف يمكن أن يبنى على قاعدة الالتقاء على نقاط ومصالح مشتركة في شتّى المجالات، ولو أن الخلاف يقع على أمور كثيرة، وبالتالي فإنّ إدارة التنوع والاختلاف مسألة مهمة جداً في العمل الحزبي والسياسي الجدّي".

لكن نادر لا يعتقد أن "المجموعات قادرة على الانضواء في لوائح واحدة في الانتخابات النيابية، إلا أن من شأنها أن تحقق ذلك على مستوى التحالفات العريضة وفي بعض الدوائر، باعتبار أنه أصبح هناك إحساس بالمصير المشترك وبأن الاستحقاق المرتقب هو بمثابة الفرصة الأخيرة للنهوض بالبلاد، التي باتت محاصرة بالأزمات من جميع الاتجاهات، وهي خالية من المدخرات والقدرات".