سقوط "قانون المواطنة" الإسرائيلي: فصل أول من معركة مواجهة العنصرية

سقوط "قانون المواطنة" الإسرائيلي: فصل أول من معركة مواجهة العنصرية

07 يوليو 2021
من تحرك الإثنين أمام الكنيست ضد القانون (مناحيم كهانا/ فرانس برس)
+ الخط -

"إسرائيل دولة للشعب اليهودي، وهدفنا هو وجود أغلبية يهودية"، و"من دون قانون المواطنة ستكون هناك زيادة في الإرهاب الفلسطيني"... تكفي هذه الكلمات لوزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد، التي كتبها الإثنين على "تويتر"، للدعوة إلى دعم "قانون المواطنة" لأنه "إحدى الأدوات التي تحافظ على أغلبية يهودية داخل دولة إسرائيل"، وفق قوله، لتأكيد خطورة هذا القانون الذي يمنع لمّ شمل العائلات الفلسطينية التي فيها زوج أو زوجة من عرب الداخل والآخر من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة، لكن دعوة لبيد لم تتحقق، إذ سقط تمديد هذا القانون في الكنيست أمس الثلاثاء، للمرة الأولى منذ إقراره عام 2003.

وفشلت حكومة نفتالي بينت في تمرير هذا القانون، خلال جلسة الكنيست التي امتدّت حتى الساعات الأولى من صباح أمس، إذ لم يحصل على الأصوات الـ61 المطلوبة لتمريره، فنال 59 صوتاً فقط مؤيداً من أصل 120 نائباً، مقابل امتناع نائبين عن التصويت، علماً أن الكنيست يمدد القانون سنوياً منذ صدوره عام 2003، في عهد رئيس الوزراء الراحل أرئيل شارون، بزعم أنه "قانون مؤقت"، منذ رفضته محكمة العدل العليا الإسرائيلية، واعتبرته غير قانوني.

وتسبّب هذا القانون الذي يُعتبر من الأكثر عنصرية في إسرائيل بمشاكل كبيرة لآلاف العائلات الفلسطينية، وحرمها من العيش منفصلة أو أجبرها على الانتقال إلى الخارج، ليتحوّل إلى ما يشبه العقاب الجماعي خلال نحو 18 عاماً. وعلى الرغم من أهمية إسقاط القانون أمس، إلا أنه يبقى انتصاراً مرحلياً، إذ يحظى وزير الداخلية الإسرائيلي بصلاحيات واسعة لقبول طلبات لمّ الشمل أو رفضها، علماً أن الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان" كانت قد نقلت قبل أيام عن وزيرة الداخلية الحالية أيليت شاكيد أنه في حال سقوط القانون بإمكانها استخدام صلاحياتها لرفض طلبات لمّ الشمل بشكل فردي.

أعلنت شاكيد أنه في حال سقوط القانون بإمكانها استخدام صلاحياتها لرفض طلبات لمّ الشمل بشكل فردي

وكان نفتالي بينت، الذي يرأس ائتلافاً حكومياً من ثمانية أحزاب، قد سعى إلى تمرير التجديد، وتحدثت شاكيد الإثنين عن أنه "تم التوصل إلى تفاهمات بين كتلة الائتلاف الحكومي على تمديد القانون لستة أشهر، وعلى أن يحصل 1600 فلسطيني وفلسطينية على الإقامة الدائمة في البلاد". لكن عضوين من "القائمة العربية الموحدة" (جزء من الائتلاف الحكومي) في الكنيست، هما سعيد الخرومي ومازن غنايم، امتنعا عن التصويت، فيما صوّت النائبان منصور عباس ووليد طه مع القانون.

وحاول رئيس "القائمة العربية الموحدة" منصور عباس، في بيان، تبرير آلية تصويت قائمته، قائلاً "إن موقفنا من القانون هو الرفض، ولذلك سعينا لتغيير موقف الحكومة خلال الأسابيع الماضية، ومنعنا تحويل القانون للتصويت قبل الاتفاق معنا على معالجة آثاره"، متابعاً "توصلنا إلى اتفاق جيد مع رئيس الحكومة ووزيرة الداخلية يعطي حلولاً عملية لعائلاتنا العربية، ولذلك قررنا الامتناع عن التصويت". وأضاف: "عندما تحول التصويت إلى تصويت لحجب الثقة عن الحكومة، قرر نواب الموحدة تصويت اثنين منهم بالامتناع لإسقاط القانون، واثنين مع الحكومة لمنع وصول المعارضة للحكم". واعتبر أن "سقوط القانون في الكنيست بعد تعادل الأصوات 59-59 لا يحل مشكلة منع لمّ الشمل، ويبقى التعويل على اتفاقنا مع الحكومة لتحصيل مكاسب واسعة لعائلاتنا العربية، والذي يعتبر ساري المفعول"، داعياً "عائلاتنا العربية للتوجه إلى أعضاء القائمة العربية الموحدة لمتابعة حقهم في لمّ الشمل، ونحن سنقوم بواجبنا تجاه أهلنا المتضررين من هذا القانون".

أما "القائمة المشتركة" التي صوّتت بكامل أعضائها ضد القانون، فقال النائب فيها عن "التجمّع الوطني الديمقراطي" سامي أبو شحادة، لـ"العربي الجديد"، إن "إسقاط هذا القانون هو إنجاز كبير جداً، لأن عشرات الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني يعانون منه منذ عام 2003، وفيه بُعد عنصري تاريخياً". ولفت إلى أن هذا القانون "من أهم القوانين العنصرية التي تميّز من خلالها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ولا شك في أن إسقاطه تخفيف من معاناة الناس وخطوة إلى الأمام". وشدد أبو شحادة على أن "هذا لا يعني أن معركتنا ضد التمييز العنصري في إسرائيل قد انتهت، ولا أن معاناة عشرات آلاف الفلسطينيين ستنتهي وسيأخذون الهوية الإسرائيلية، فهناك عراقيل كثيرة أخرى غير هذا القانون"، لكنه أضاف أن إسقاطه "سيقلل من معاناة الناس، لأن هذا التمديد العنصري عملياً يمنع الأزواج والعائلات الفلسطينية من كل الحقوق الأساسية، ولا يتم تسجيلهم بشكل رسمي ولا يحصلون على المواطنة، فيصبحون في وضع معقّد جداً وفي معاناة يومية". وتابع: "أي رجل وامرأة يعيشان في دولة حديثة لا يستطيعان الحصول على مستندات وأن يأخذا أي حق، مثل حق العمل وحق التنقل والخدمات الصحية"، مؤكداً استمرار العمل لتخفيف معاناة الناس.

أبو شحادة: إسقاط القانون إنجاز كبير جداً، لأن عشرات الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني يعانون منه منذ 2003، وفيه بُعد عنصري تاريخياً

ورأى أبو شحادة أن "القائمة المشتركة كانت قد قرأت الخريطة السياسية بشكل صحيح، وكنا نتوقع بسبب البنية السياسية الموجودة اليوم وموازين القوة بين الائتلاف والمعارضة في إسرائيل أن الأمور ستقف عند الصوت، وكل صوت مهم، والقائمة المشتركة كانت كلها طبعاً ضد القانون، بعد سلسلة اجتماعات مع العائلات والمشاركة في التظاهرات"، مشدداً على أن المعركة طويلة، ولكن ما حصل إنجاز لهذه المرحلة.

وتعليقاً على سقوط القانون، وصف مدير مركز "مساواة" جعفر فرح ذلك "بالانتصار المرحلي لمعركة طويلة مستمرة منذ 18 عاماً ولم تنته". وانتقد في تصريح القانون الذي يحرم "أكثر من 25 ألف عائلة عربية من العيش تحت سقف واحد"، ووصفه "بالعقاب الجماعي العنصري"، مشيراً إلى أن هذه العائلات "تجبر على العيش منفصلة، أو الانتقال إلى خارج البلاد أو العيش في إسرائيل تحت تهديد التهجير الدائم".

من جهته، قال مركز "عدالة" إنه "أحد القوانين الأكثر عنصرية في البلاد وعلى مستوى العالم"، آملاً متابعة ملفات وطلبات لمّ الشمل الفلسطيني بموضوعية ومهنية بعد إسقاط هذا القانون "الذي يمنع لمّ شمل العائلات الفلسطينية والحصول على كافة حقوقها العائلية التي هي بمثابة حقوق أساسية"، معلناً استمراره في متابعة القضية عن كثب للتأكد من عدم وجود أو خلق طريقة أخرى تمنع حق لمّ الشمل. ولفت إلى أن "الجهاز القضائي الإسرائيلي فشل بالمحافظة على الحقوق الأساسية للمواطنين الفلسطينيين كون حصولهم على هذه الحقوق مبنياً على أساس تمييزي وعنصري وفقاً لهويتهم العرقية والوطنية". لكن مدير مركز "عدالة" المحامي حسن جبارين قال إنه على الرغم من إيجابية عدم تمديد قانون المواطنة، لكن تبقى صلاحيات واسعة لوزير الداخلية بقبول طلبات لمّ الشمل، ولكن لا يمكن رفض طلبات لمّ الشمل من دون تسويغات مفصلة. وتابع أن "قانون منع لمّ الشمل عملياً كان جارفاً بمنعه لمّ الشمل حتى من دون تسويغات أو شرح لرفض الطلبات بمجرد أن صاحب الطلب من الأراضي المحتلة عام 1967 أو دولة معرفة كدولة عدو".

وفي السياق، روت المواطنة أسمهان جبالي (مواليد سنة 1978) من مدينة الطيبة بالمثلث الجنوبي في الداخل الفلسطيني، لـ"العربي الجديد"، تجربتها، قائلة إنها "ولدت في الطيبة لأب وأم من طوباس انتقلا للسكن من الضفة إلى الطيبة وحافظا على هويتهما الفلسطينية. وأنا تزوجت من رائد جبالي من الطيبة، فحصل أبنائي على الهوية الإسرائيلية لأنهم تابعون إلى والدهم وأنا لم أحصل عليها، وأحمل بطاقة إقامة تسمى "أ5"، يتم تجديدها كل سنتين في وزارة الداخلية". وتابعت: "أنا غير وصية على أبنائي لأني لا أحمل الجنسية الإسرائيلية ولا أستطيع التوقيع على طلب جواز سفر ولا موافقة على عملية جراحية... أبنائي يسافرون إلى خارج البلاد عن طريق مطار بن غوريون الإسرائيلي، وأنا أسافر عبر جسر الأردن". وأشارت إلى أن "عشرات آلاف العائلات تعاني من القانون من طرفي الخط الأخضر، وكان مطلبنا الأساسي خلال النضالات في الأسبوعين الأخيرين إسقاطه"، معتبرة أن إسقاطه مهم جداً "فنحن كسبنا المرحلة الأولى، والآن بدأت المسيرة النضالية".

المساهمون