سد النهضة: من ورقة تمهد للانقلاب لأزمة تؤرق النظام المصري

سد النهضة: من ورقة تمهد للانقلاب لأزمة تؤرق النظام المصري

03 يوليو 2021
توقعات بخسارة 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية (Getty)
+ الخط -

قبل ساعات من حلول ذكرى العام الثامن على الانقلاب العسكري في مصر، جاء الموقف الفرنسي من ملف سد النهضة، محبطاً للنظام في مصر. فرغم تأكيد باريس أن مجلس الأمن، يمكن أن يعقد خلال أيام جلسة خاصة لمناقشة أزمة سد النهضة، فإنها لا تتوقع نتائج حاسمة تذكر، أو خطوة مهمة يمكن أن يتخذها المجلس لحل الأزمة. وقال المندوب الفرنسي في مجلس الأمن نيكولا دو ريفيير، أمس الأول، إن سد النهضة قضية بين إثيوبيا والسودان ومصر، مشيراً إلى أهمية استئناف المحادثات بين الدول الثلاث. وأضاف: "ما يمكننا القيام به هو دعوة مصر وإثيوبيا والسودان للعودة إلى طاولة المفاوضات". وتابع: "لا أعتقد أن المجلس لديه الخبرة لتحديد كمية المياه التي يجب حصول كل دولة عليها".
وبالنسبة لكثر شكل توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على وثيقة "إعلان المبادئ" بشأن سد النهضة الإثيوبي في مارس/آذار 2015، محطة فاصلة بدأت خلالها مصر تفقد أوراق ضغطها في هذا الملف، ما مهد للتفريط في حصتها التاريخية من مياه النيل. وبات سلاح المياه سيفاً على رقبة أبناء مصر، وتهديداً لوجودها، بعدما أصبح سد النهضة أمراً واقعاً، نتيجة تخاذل النظام السياسي الذي تشكل في مصر عقب الانقلاب العسكري.

لعبت سلطة الانقلاب بقيادة السيسي على ورقة سد النهضة، كأحد الملفات التي فشل في إدارتها مرسي، بما يمهد للإطاحة به

ودأب السيسي، في مناسبات عديدة، على اتهام ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وناشطيها، بالمسؤولية عن بناء سد النهضة على خلاف الحقيقة، والتي تؤكد أن السيسي نفسه هو من أضفى الشرعية على السد الإثيوبي، ومساعدة أديس أبابا على استكماله ليشكل خطراً داهماً يهدد بلاده، إثر توقيعه على "اتفاق المبادئ"، بعد عام واحد من توليه الحكم، مقابل الاعتراف الأفريقي به كرئيس جاء عبر الانتخابات، وليس الانقلاب، والسماح بعودة مقعد مصر المعلق في الاتحاد.
وحددت إثيوبيا يوليو/تموز الحالي لبدء الملء الثاني للسد، بهدف تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه، تضاف إلى 5 مليارات قامت بتخزينها خلال الملء الأول، من دون التفات أديس أبابا لأية مطالب مصرية وسودانية متعلقة بتوقيع اتفاق ملزم بشأن تشغيل وإدارة السد.

ولعبت سلطة الانقلاب في مصر بقيادة السيسي (وزير الدفاع آنذاك) على ورقة سد النهضة، كأحد الملفات التي فشل في إدارتها الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، بما يمهد للإطاحة به من الحكم. غير أن تلك الأزمة باتت تؤرق النظام لفشله التام في إدارتها، الأمر الذي ينتقص من الحصة التاريخية للقاهرة في مياه النيل، غير الكافية في الأصل لتلبية احتياجاتها حالياً، في ظل مواجهة البلاد أزمة "فقر مياه" بسبب الزيادة المطردة في السكان. ومن خلال متابعة مراحل إنشاء السد الإثيوبي، يتضح حجم الزيف الذي يروج له النظام المصري، باتهاماته المتكررة، سواء لثورة يناير تارة، أو لعام حكم مرسي تارة أخرى. علماً أن إثيوبيا لم تكن قد تجاوزت نسبة 20 في المائة من إنشاءات السد في إبريل/نيسان 2013، أي قبل إسقاط الرئيس الراحل بشهرين فقط.
تدمير السد
وفي 3 يونيو/حزيران 2013، اقترحت قيادات حزبية وسياسية في مصر تدمير سد النهضة بالقوة، فضلاً عن دعم المتمردين المناهضين للحكومة الإثيوبية، خلال مناقشة تقرير الفريق الدولي من الخبراء الفنيين مع الرئيس الراحل، من دون علم هؤلاء أن مناقشات هذا الاجتماع مذاعة على الهواء مباشرة. وهو ما وصفه البعض حينها بأنها كانت مؤامرة مدبرة (إذاعة الاجتماع) من داخل أطراف في أجهزة أمنية مصرية، وذلك لإحراج مرسي، ونظامه، أمام الرأي العام في الداخل والخارج.

مسؤول سياسي: اتضح أن التوقيع كان بمثابة شراء لشرعية سياسية ودولية، على حساب أمن مصر المائي

وبمرور عام واحد على توقيع "اتفاق المبادئ" بين زعماء مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة السودانية الخرطوم، أعلنت أديس أبابا أنها على وشك الانتهاء من 70 في المائة من إنشاءات السد، بعد مرور عملية الإنشاء بتعثر بسبب نقص التمويل، إذ أعطى التوقيع المصري على الاتفاق قبلة الحياة للسد المتعثر، باعتباره مثل اعترافاً رسمياً من مصر به، وهو ما تبعه تهافت الأطراف الدولية لتمويل السد، بعد فترة من امتناعها، كونه محل خلاف دولي، والقوانين الدولية تمنع ذلك.
شراء للشرعية
وفي هذا السياق، قال مسؤول سياسي - كان مقرباً من دوائر صناعة القرار خلال فترة توقيع "اتفاق المبادئ" - إنهم فوجئوا بتلك الخطوة من جانب الرئيس المصري، رغم التقارير السيادية التي حذرته من تداعيات الاتفاق، مضيفاً أنه "اتضح بعد ذلك أن التوقيع كان بمثابة شراء لشرعية سياسية ودولية، على حساب أمن مصر المائي". وتابع المسؤول، في حديث خاص: "في البداية أبلغ السيسي مقربين منه أن كل شيء مخطط له جيداً، وأن الأمور ستكون على ما يرام بحل أزمة السد، وهو ما روج له الإعلام المصري المُدار من جانب الأجهزة الأمنية، قبل أن يتضح عدم صحة تلك الادعاءات". وأشار إلى أن "الجميع تعرض للخديعة، وربما يكون السيسي نفسه تعرض للخداع بمشاركة المسؤولين في الإمارات، الذين لعبوا دوراً كبيراً في توقيع الاتفاق، وربما أقنعوه حينئذ بصدق نواياهم حيال المساعدة على حلحلة الأزمة".
مماطلة إثيوبية
الأمر نفسه أكده مسؤول فني سابق في وزارة الري المصرية، كان على صلة بملف سد النهضة، بقوله إن "الرعونة التي أديرت بها مفاوضات السد طوال السنوات الماضية، كانت مثار تساؤلات كثيرة بين المتخصصين". وأضاف: "المفاوضات السياسية والفنية كانت تقتضي تمسك مصر بعدم وضع حجر واحد في عمليات إنشاء السد قبل الانتهاء من المفاوضات. أما ما حدث فهو مواصلة البناء وسط مماطلة من الجانب الإثيوبي أثناء سنوات التفاوض". ويقول المصدر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنه "خلال الفترة الأولى من حكم السيسي، كان بإمكانه أن يعلن رفضه استكمال بناء السد، والتلويح منذ اللحظة الأولى بكون الخيار العسكري مطروحاً على طاولة صانع القرار المصري. لكن من يدير هذا الملف كان يعلم جيداً أن قراره مقيد، ولا يستطيع اتخاذ القرار الصحيح إزاء إدارة الأزمة".
الصين وسيطاً
في موازاة ذلك، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن "الخطاب الذي أدلى به السيسي، أخيراً، بتهنئة الصين بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي الحاكم، استهدف تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، بما يسمح بعدم وقوف بكين في طريق انعقاد جلسة مجلس الأمن المرجوة من القاهرة والخرطوم، لنظر النزاع حول سد النهضة الإثيوبي، إلى جانب تشكيل عامل ضغط أكبر على إثيوبيا لمنعها من إلحاق الضرر بمصر خلال عملية الملء الثاني، وما سيليها من إجراءات خاصة بالملء والتشغيل". وأضافت أن التقارب بين البلدين كان ملحوظاً في عهد السيسي، نتيجة الدعم الذي منحته بكين بصور مختلفة للقاهرة، مقابل منح مزايا لمستثمريها في مشروعات حكومية مختلفة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة. علاوة على ذلك التعاون الأمني في السنوات الماضية، لترحيل الطلاب المسلمين الإيغور من مصر، ومواجهة ما تصفه الدولتان بـ"التطرف الإسلامي".
وأوضحت المصادر أن التقارير الفنية لا تتحدث فقط عن خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية على مراحل، ربما تبدأ في العام المقبل، ولكن أيضاً عن الإنفاق المالي الضخم الذي يجب على مصر الاستعداد له، على وقع الاستخدام المكثف للمبيدات، وزيادة كميات الصرف الصناعي والزراعي في حوض النيل، نتيجة للتطور الذي سيطرأ على استخدامها للأغراض الزراعية والصناعية والتنموية في إثيوبيا والسودان.

ارتفع منسوب بحيرة سد النهضة إلى نحو 4.5 مليارات متر مكعب من المياه

من جهتها، كشفت مصادر فنية مصرية عن حدوث زيادة جديدة في حجم أعمال التعلية الوسطى لسد النهضة، تتراوح بين 575 و577 متراً فوق سطح البحر، خلال هذا الأسبوع، مع ارتفاع في منسوب بحيرة السد إلى نحو 4.5 مليارات متر مكعب من المياه، بما يقل بنحو 500 مليون متر مكعب عما كان عليه منسوبها في أغسطس/آب الماضي (نهاية الملء الأول). وذكرت المصادر أن الملء يسير حتى الآن بصورة "عادلة"، حيث ما زالت إثيوبيا تسمح بخروج المياه من السد إلى حوض النيل الأزرق لتصل إلى بحيرة سد الروصيرص، مع عدم رصد أي مؤشرات سلبية لبدء الملء على أول السدود السودانية، أو أي سدود أخرى بعده وصولاً إلى السد العالي، حتى الآن.
السيناريو الأسوأ
وحذرت المصادر من السيناريو الأسوأ للأزمة، وهو أن ترفع إثيوبيا سرعة معدل الإنجاز في التعلية الوسطى، وتتجه إلى غلق فتحتي المياه من السد لزيادة معدلات التخزين، مع زيادة معدلات سقوط الأمطار لتعويض ما فات من موسم الفيضان، أخذة في الاعتبار التباطؤ الذي كان يسود الأعمال في إبريل ومايو/أيار الماضيين. وشددت المصادر على أنه بانتهاء الملء الإثيوبي، وتشغيل جميع توربينات السد، عند اكتمال تخزين كمية 18.4 مليار متر مكعب، سيؤدي هذا إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر بصورة كبيرة، لا سيما إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ليقل عن مستوى 170 متراً، بما يعني خسارة 12 ألف فدان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى، من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الري المصرية خروجها خلال المدة الإجمالية للملء.