سد النهضة: تقرير مصري يحذّر من السماح باتفاقات في مجال الطاقة

سد النهضة: تقرير مصري يحذّر من السماح باتفاقات في مجال الطاقة

15 سبتمبر 2021
تحاول مصر تعويض الضرر بالمشاريع الفنية المتاحة (فرانس برس)
+ الخط -

حذّر تقرير حكومي مصري، من استمرار حالة الجمود في المفاوضات الثلاثية حول قضية سد النهضة، بين مصر والسودان وإثيوبيا، خصوصاً مع اقتراب أديس أبابا من بدء عملية توليد الكهرباء خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وما قد يستتبع ذلك من استقرار أوضاع التعاقد على استيراد الكهرباء الإثيوبية، ودخول مستثمرين من دول غربية وعربية في مضمار التعاون مع أديس أبابا لتوسيع شبكتها الكهربية وتعزيز منشآتها لتمكينها من إنتاج المزيد والتوريد لحسابها ولحساب المستثمرين. وحصلت "العربي الجديد" على تفاصيل هذا التقرير، الذي أعدته لجنة حكومية مؤلفة من الدبلوماسيين والخبراء الفنيين الذين شاركوا في الجولة الأخيرة من المفاوضات الفنية قبل توقفها تماماً هذا العام. وأكد هؤلاء أن اكتساب إثيوبيا حقّاً سيادياً بتشغيل السد وتوليد الكهرباء، قبل التوصل إلى اتفاق شامل وعادل على قواعد الملء والتشغيل، سيكون له أثر سلبي خطير على حقوق مصر. ويأتي ذلك حتى وإن كانت أديس أبابا قد فشلت في بلوغ مساعيها بزيادة كمية المياه المخزنة خلال الملء الثاني للسد هذا العام، ومواجهتها مشاكل فنية عدة في هذا المجال.

اكتساب إثيوبيا حق تشغيل السد وتوليد الكهرباء، قبل التوصل إلى اتفاق شامل، سيكون له أثر سلبي خطير على مصر

وأضاف التقرير أن قدرة مصر على المناورة الفنية بهدف تعويض الأضرار، تتوقف عند أي نقص يحدث حتى خمسة مليارات متر مكعب في حصتها الواردة إلى بحيرة ناصر، لكن نقص أي كمية أكبر من ذلك، سيؤدي إلى مشاكل لا يُمكن تداركها، خصوصاً في فترات الجفاف الممتد. وذكر التقرير أنه على الرغم من فشل الملء الثاني للسد في الوصول إلى المعدل المطلوب، فإنه يتوجب التوصل إلى حل نهائي في أسرع وقت، لتكون الإدارة المائية المصرية على بصيرة من تصرفاتها المستقبلية، حتى مع استبعاد أن يبلغ النقص حتى 500 مليون متر مكعب خلال عامي 2022 و2023، بسبب التوقعات الممتازة لفيضان النيل والأمطار الغزيرة المتوقع هطولها هذه الفترة على هضبة الحبشة. وهذا الأمر سينعكس بزيادة متوقعة، وربما أكبر من 2020 و2021 في كمية المياه التي ستخزن في بحيرة ناصر، وكذلك في مفيض توشكى، جنوب غربي نيل مصر.

ونبّه التقرير إلى أن البدء في توليد الكهرباء والدخول في تعاقدات مع الدول الأجنبية والمستثمرين، مع استئثار إثيوبيا بالتحكم المطلق في مواعيد الملء وكمياته كما حدث في العمليتين الأولى والثانية، ربما يسمح لها بعد فترة في المراحل التي ستشهد جفافاً متوسطاً أو حاداً أو ممتداً، بالملء الجائر المجحف بحقوق دول المصب، بحجة رغبتها في الإسراع في إتمام ملء البحيرة بطاقتها الاستيعابية القصوى المستهدفة من المشروع كاملاً، أو زيادتها.

ومن الناحية السياسية، حذّر التقرير من إتاحة المجال أمام تعاون إثيوبيا مع السودان أو مصر أو مع دول حوض النيل الأخرى في مجال توريد الكهرباء قبل التوصل إلى اتفاق نهائي، حتى لا تتخذ هذه الاتفاقات حجة لعدم الالتزام باتفاق المبادئ المبرم في مارس/آذار عام 2015 أو أي تفاهمات أخرى تالية. وتركز جميع جهود الوساطة المبذولة والموعودة من دول غربية وشرقية، بشكل أساسي، على مدخل التنمية والاستفادة المتبادلة من السد، ما يعني بالضرورة التعاون في مجال الكهرباء. كما دعا التقرير إلى ضرورة تسريع المبادرة الجزائرية الجديدة المعطلة حتى الآن، والتي تقوم في الأساس على التوفيق بين الدول الثلاث لإقناعها باللجوء إلى المادة العاشرة من اتفاق المبادئ المبرم في 2015 لإيجاد وساطة ملزمة تنهي حالة الجمود في المفاوضات المسيطرة على الملف لفترة عام ونصف العام، والتي تخللها نجاح أديس أبابا في إنجاز مرحلتين من ملء السد.

دعا التقرير إلى ضرورة تسريع المبادرة الجزائرية الجديدة المعطلة حتى الآن

ويفتح المبدأ العاشر من الاتفاق، باب الوساطة الدولية الملزمة، لكنه يتطلب "اتفاق الدول الثلاث على ذلك"، وهو ما لم يتوفر رسمياً في أي مرحلة سابقة من النزاع. فالسودان الذي يبدو من الناحيتين الفنية والاقتصادية مستفيداً من بناء السد، كان يجدد ثقته في إمكانية التغلب على الخلافات باستمرار المفاوضات، ثم عاد في الفترة الأخيرة ليطالب بالوساطة. أما إثيوبيا، فهي ترفض اللجوء مرة أخرى بعد جولة مفاوضات واشنطن مطلع العام الماضي، إلى الرقابة أو الوساطة السياسية، بحجة أن القضية فنية فقط. من جهتها، تخشى مصر استمرار إهدار الوقت دون اتفاق نهائي ملزم، خصوصاً بعدما أصبح تحكم إثيوبيا السيادي في السد أمراً واقعاً بإنجاز مرحلتين من الملء.

وأعلنت إثيوبيا قبل أيام، بعد تأخر طال شهرين تقريباً في ظل أزماتها الداخلية، عن بدء توليد الكهرباء من السد خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حيث تسمح كمية المياه المخزنة حالياً بسهولة تامة، بتوليد الكهرباء بحسب المخطط المحدد سلفاً، والذي يتضمن توليد نحو 750 ميغاواط من وحدتين مكتملتين الآن لإنتاج الكهرباء، بحيث تولد كل وحدة 375 ميغاواط. ويبلغ معدل إنجاز المشروع الإجمالي حالياً نحو 80 في المائة: ففي الأسبوع الأول من مارس الماضي، تمّ تركيب أول أنبوبين ضخمين من الأنابيب المخصصة لنقل المياه من بحيرة التخزين الرئيسية إلى المحطة الكهرومائية لإنتاج الطاقة، وذلك بالتعاون مع شركتين إيطالية وفرنسية متخصصتين في هذا النشاط. ومن المقرر تركيب أربعة أنابيب أخرى بعد بدء التشغيل التجريبي لإنتاج الكهرباء.

وتستقر رؤية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على عدم التصعيد في هذا الملف، إلا إذا وقع ضرر غير محتمل لا يمكن تلافيه، باعتبار أن هذه الحالة هي الخط الأحمر الجديد لمصر في القضية. وبناء على ذلك، تمّ بالفعل تحديد جدول رقمي بالواردات المائية المتوقعة من النيل لمصر خلال العامين الحالي والمقبل بفتراتهما المختلفة، وحساب حجم الضرر الذي يمكن استيعابه وتعويضه بالأدوات الفنية المتاحة، مثل مشاريع تبطين الترع وتحلية المياه، والسياسات والقرارات القائمة بشأن تقليص مساحات المزروعات الشرهة للمياه.

المساهمون