سد النهضة: أميركا والإمارات تبدلان موقف مصر

سد النهضة: أميركا والإمارات تبدلان موقف مصر

21 مايو 2021
تتجاهل الحكومة المصرية تأثير الملء على السياسة الزراعية (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر حكومية مصرية إن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية سامح شكري، من باريس، بشأن سد النهضة الإثيوبي "لم يتم التنسيق بشأنها مع وزارة الموارد المائية والري". وكان شكري قال إن "مصر لديها ثقة في أن الملء الثاني لن يضر بمصالحها المائية، فلدينا رصيد كافٍ من المياه في خزان السد العالي، ويمكننا التعامل مع الأمر من خلال الإجراءات المحكمة لإدارة مواردنا المائية"، مضيفاً أن "الملء الثاني هو إجراء، وأن المحك الحقيقي هو مدى وقوع ضرر على مصر".
وسارع وزير الخارجية الإثيوبي دينا مفتي، أمس الخميس، إلى الترحيب بتصريحات نظيره المصري، مشيراً إلى أنها "تدعم الموقف الإثيوبي وتعبر عن موقف جيد". وفيما اعتبر أن التصريحات تعبّر أيضاً عن "تغير موقف القاهرة إزاء القضية"، قال إن "مصر لديها ثقة في أن الملء الثاني لن يضر بمصالحها المائية، فلدينا رصيد كاف من المياه في خزان السد العالي، ويمكننا التعامل مع الأمر من خلال الإجراءات المحكمة لإدارة مواردنا المائية".

تأكدت مصر من استحالة التوصل لاتفاق قبل الملء الثاني

وكشفت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن تصريحات شكري كانت "مقصودة تماماً" في إطار تنسيق بينه وبين رئاسة الجمهورية والمخابرات العامة، بعد اجتماع عقد، الأسبوع الماضي، لتقييم الموقف في قضية سد النهضة، بالتزامن مع الاتصالات الدائرة مع الولايات المتحدة والإمارات والاتحاد الأفريقي، في أعقاب زيارتي المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان ورئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي إلى القاهرة، حيث تم التوافق على توجيه رسائل جديدة للرأي العام المصري للطمأنة والصبر وعدم تعجل التوصل إلى اتفاق نهائي.
وأضافت المصادر أن الموقف المصري الدعائي، داخلياً وخارجياً، بشأن أضرار السد والذي انتقل من التخويف والمبالغة فيه إلى الطمأنة، تغير بعدما حمل التدخل الأميركي الإماراتي في القضية رسائل واضحة عن ضرورة التخلي عن التصعيد، والتهديد باستخدام الحل العسكري مقابل ضمان التوصل إلى اتفاق في مرحلة لاحقة. هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية تيقن مصر من استحالة التوصل إلى اتفاق قبل الملء الثاني.

وذكرت المصادر أن عدم تنسيق تغير الموقف الدعائي مع وزارة الري، باعتبارها الجهة المختصة بالجانب الفني، وكذلك عدم إبلاغ فريق الخبراء القانونيين والفنيين، الذين تعتمد عليهم الحكومة المصرية في صياغة مواقفها ومراجعة المسودات المختلفة الخاصة بمشاريع الاتفاقيات، تسبب في حالة من الغضب والارتباك، لا سيما مع تدخل تصريحات شكري في شؤون فنية بحتة، ومخالفتها لبيانات رسمية سابقة.
وفي مرحلة لاحقة على إعلان التصريحات، تلقى وزير الري محمد عبد العاطي - الذي سبق أن أكد تأثر مصر سلبياً بالملء الثاني المنفرد دون اتفاق - تعليمات بإصدار تصريحات جديدة لدعم تصريحات شكري، في نفس اتجاه الطمأنة الذي أصبح عنوان السياسة المصرية تجاه الأزمة. وعلى خلاف حديثه السابق عن التأثر السلبي، قال عبد العاطي، في تصريحات تلفزيونية مساء أمس الأول، إن السيناريو الأول والأرجح في الملء الثاني يتمثل في حدوث فيضان عالٍ مع وجود مناسيب آمنة في بحيرة السد العالي كافية لاستيعاب تأثير الملء الثاني. وأشار، في الوقت ذاته، إلى إمكانية حدوث فيضان متوسط سيؤدي لنقص كمية المياه، ووجود إمكانية ضعيفة لتزامن الملء الثاني مع حدوث جفاف.

تلقى وزير الري تعليمات بإصدار تصريحات داعمة لشكري

وتتجاهل الحكومة المصرية كلياً تأثير الملء وتحضيراته على السياسة الزراعية والمائية والاقتصادية المصرية. فعلى الرغم من عدم تأثر مصر حتى الآن بالسد سلبياً، من حيث كمية المياه الواصلة إلى السد العالي، فإن وزارة الري اتخذت العديد من الإجراءات لمواجهة احتمال نقص المياه، كتقليل مساحات الأراضي التي يتم زراعتها بالمحاصيل الشرهة للمياه، كالموز والأرز، وإنفاق مئات الملايين من الجنيهات على إقامة محطات لمعالجة الصرف الزراعي ومحطات خفض وسدود حصاد أمطار، إلى جانب مشروع تبطين الترع.
وصدرت منذ فبراير/شباط الماضي تعليمات للمسؤولين بوزارة الري المصرية بالاستعداد للتعامل مع الملء الثاني للسد، باعتباره أمراً واقعاً، بغض النظر عن استئناف المفاوضات من عدمه، وفق ما كشفه يومها مصدر مطلع بوزارة الري، وباستمرار العمل دون توقف في مشروع تبطين الترع، الذي سيدخل قريباً مرحلته التنفيذية الثانية، فضلاً عن تحسين أدوات الاستفادة من الآبار والمياه الجوفية بالمناطق الأكثر حاجة للمياه، والرقابة المشددة على المناطق التي تزرع بها المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه. كما عقدت الوزارة سلسلة من ورش العمل، ضمت أكاديميين ومتخصصين وأعضاء في المعاهد المختلفة بالوزارة وقيادات بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة لبحث الخطوات التنفيذية لمجموعة من المشاريع التي اقتُرح تنفيذها خلال سلسلة اجتماعات سابقة عقدت في خريف العام الماضي، لتقليل الآثار السلبية لإنشاء السد، مع ارتفاع سقف الإنفاق المادي عليها، والذي سيتم بمساعدات أجنبية وعربية.
وبحسب مصادر تحدثت سابقاً، لـ"العربي الجديد"، فإن من المشاريع المعروضة إنشاء منظومة مصرية لتحسين جودة المياه التي من المنتظر أن تتأثر كثيراً بالسلب، نتيجة تخزينها لفترات طويلة واستخدامها في إثيوبيا والسودان، بعد إتمام إنشاء السد وتشغيله. وكانت مصر، منذ إنشاء سد أسوان مطلع القرن العشرين، تستفيد من تخزين مياه ذات نوعية متميزة ومحملة بعناصر مفيدة للتربة الزراعية، نتيجة ضعف قدرة البلدين على التخزين والاستخدام، وهو الواقع الذي سيختلف بمجرد تشغيل السد بسعته القصوى، خصوصاً بعد تنفيذ السودان مخططه الذي لا بد منه لرفع كفاءة سدوده.

المساهمون