سحر فرنسيس: دولة الاحتلال لا تملك إثباتات ضد المؤسسات الفلسطينية التي صنفتها إرهابية
كشفت المحامية سحر فرنسيس، مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، وهي إحدى المؤسسات التي صنفتها إسرائيل "إرهابية"، أن دولة الاحتلال لا تملك إثباتات ضد المؤسسات الفلسطينية، مشيرة إلى أن إسرائيل ستعرض ملفًا سريًا على الإدارة الأميركية والدول الأوروبية الأخرى.
وأكدت فرنسيس، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن استخدام إسرائيل مواد سرية ضد مؤسسات حقوقية سيعتبر سابقة خطيرة في انتهاكات حقوق الإنسان على مستوى العالم، وليس فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحول الانتقادات التي طاولت المؤسسات واتهامها بالتطبيع، قالت فرنسيس: "إن المؤسسات الست قد تكون أخفقت في استقبال وفد المؤسسات الحقوقية الإسرائيلية، لكن لم تكن هناك أي نية لدى هذه المؤسسات باختراق الإجماع الوطني للمقاطعة حول معايير التطبيع والمقاطعة".
وكان وزير جيش الاحتلال أعلن، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تصنيف ست مؤسسات فلسطينية "منظمات إرهابية"، كما صدر لاحقاً أمر عسكري يمنح جيش الاحتلال صلاحيات ملاحقة المؤسسات الست وإغلاق مقراتها واعتقال من يعمل أو يتعامل معها ومصادرة موجوداتها، فيما أعلنت هذه المنظمات، الاثنين الماضي، اكتشافها التجسس على عاملين فيها عبر برنامج "بيغاسوس" التابع لشركة "إن إس أو" الإسرائيلية.
وفي ما يلي نص المقابلة كاملة:
هل انتهت المعركة الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي ودول العالم بعد أن رفض مجلس الأمن، قبل أيام، إصدار قرار يدين وضع المؤسسات الست على قائمة الإرهاب؟
لم تنته هذه المعركة، لأن هدفنا هو إلغاء هذا القرار ليس فقط عن طريق مجلس الأمن. هذا قرار يعود لسيادة كل دولة هل ستسمح بالتعاطي مع هذا القرار الإسرائيلي واعتبار هذه المؤسسات فعلاً خارجة عن القانون، لأن لكل دولة سيادة وقوانين ومعايير حول مكافحة الإرهاب، فهل فعلاً هذه الدول ستستند إلى المواد والمعلومات السرية التي جمعتها دولة الاحتلال وتصدر قرارات داخلية في كل دولة بحق هذه المؤسسات أم لا؟ المعركة لم تنتهِ، ونحن سنواصل المعركة على كافة المستويات لإنهاء هذا القرار.
ما هي خطواتكم القادمة؟
إن الخطوات القادمة تتمثل في مواصلة الحملة محلياً ودولياً على مستوى شعبي ورسمي، من خلال التواصل الدائم مع الأمم المتحدة والجمعيات المختلفة والاتحاد الأوروبي وباقي الدول، ولكن من المهم التأكيد على دور المجتمع المحلي في منع هذه القرارات، من خلال المساندة والاحتجاج وممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية والجهات الدولية الأخرى.
أنتم الآن معرضون للاعتقال والملاحقة وإغلاق المؤسسات، هل هناك أي خطة عمل في حال حصل ذلك؟
نأمل ألا تصل الأمور إلى هذه الدرجة، لكن الاحتياط هو العمل من أماكن مختلفة، منها المنازل، وطبعاً لا توجد إمكانية لتوفير الحماية في ظل وجود الاحتلال، لأن الشعب الفلسطيني جميعه يتعرض يومياً للاعتقالات والاقتحامات، ولا توجد أي منطقة محمية، والاحتلال لم يترك أي مجال للسيادة، ولا يحترم الاتفاقيات التي وقعها، وبالتالي، نتوقع أي شيء من الاحتلال، لكن سنحاول البقاء وتقديم الخدمات التي نقدمها.
على صعيد الممولين والبنوك، هل بدأت أي إجراءات عملية ضدكم بعد توقيع الاحتلال رسمياً حظر المؤسسات الست؟
صدقاً، البنوك الفلسطينية حتى الآن لم تأخذ أي إجراءات، ولكن لا نعلم كم من الوقت لهذا الأمر أن يستمر، لأن البنوك المحلية في النهاية هي جزء من منظومة عالمية، كلنا يعلم أن المتحكم الرئيس بالمنظومة المصرفية هو الولايات المتحدة الأميركية. القرار الأميركي سيكون هو القرار الحاسم، وهل فعلاً ستتم معاقبة هذه المؤسسات عبر البنوك وتعقيد هذه الإجراءات، لأن هناك تهديد، وهذا القرار الإسرائيلي يستهدف الدول المانحة والمؤسسات والمصارف من ناحية تقديم دعاوى قضائية كما حصل في قضايا شبيهة مع بنوك فلسطينية.
هل تعوّلون على "اليسار" في الكونغرس الأميركي لتقديم الدعم وإقناع الإدارة الأميركية بأن المؤسسات ليست إرهابية؟
نعول ليس فقط على اليسار، وإنما على المتضامنين في الولايات المتحدة، وعلى الحراكات الشعبية مثل؛ "حياة السود مهمة"، و"صوت اليهود من أجل السلام"، وكافة الحركات المساندة القضية الفلسطينية، في القيام بالضغط على الإدارة الأميركية، وليس فقط من خلال أعضاء الكونغرس الذين يواصلون العمل على تقديم مشروع القانون والمطالبة بعدم العمل بموجب القرار الإسرائيلي.
هل هناك وعود من مستويات عليا أميركية حول عدم استخدام "فيتو" في جلسات مجلس الأمن حول الموضوع؟
عملياً، ما تم في مجلس الأمن هو جلسة مغلقة، لا أعتقد أن هذا الموضوع سيكون مطروحًا في جلسة علنية، وتلتزم الولايات المتحدة فعلاً بعدم التصويت ضد القرار الإسرائيلي، لكن ما جرى ضمن الأبواب المغلقة هو أن الولايات المتحدة لم تعارض إصدار البيان الذي صدر عن الدول الأوروبية بقيادة إيرلندا الأسبوع الماضي، والذي يطالب دولة الاحتلال بالرجوع عن هذا القرار، ويعتبره مسّاً بالحقوق الجوهرية وحرية التعبير والعمل في مجال حقوق الإنسان.
هل يعني هذا أن الإدارة الأميركية ضد القرار الإسرائيلي؟
هذا لا يعني أنها معنا ضد القرار، ومن المؤسف أن القرار الأميركي والأوروبي على مستوى رسمي بحاجة إلى مزيد من التوضيح والمعلومات من الجانب الإسرائيلي، لأن ادعاءنا كمؤسسات منذ اليوم الأول هو عدم وجود بيّنات، وأنه لا يمكن الاستناد في مثل هذه القضايا إلى مواد سرية، ونحن نعلم أن دولة الاحتلال لا تملك إثباتات، بل ستأتي بملف سري ستقوم بعرضه على الإدارة الأميركية والدول الأوروبية الأخرى، ونطالب بعدم الرضوخ للضغوطات الإسرائيلية، لأن استخدام مواد سرية ضد مؤسسات حقوقية سيعتبر سابقة خطيرة في انتهاكات حقوق الإنسان، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنما على المستوى العالمي.
هل صحيح أن الاتحاد الأوروبي أو دولاً أوروبية كانت تعلم قبل أسبوع بالقرار الإسرائيلي قبل الإعلان عنه؟
هذا ما علمناه وأعلن عنه زميلي مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين في البيانات الأولى التي أصدرناها، حيث علم من مصدر أوروبي أن الدول الأوروبية علمت من الجانب الإسرائيلي أن هناك قرارًا سوف يصدر بالإعلان عن ست مؤسسات أنها إرهابية.
هل ستبدؤون معركة قانونية بعد أن ثبت التجسس على عدة هواتف لعاملين في المؤسسات الست بموجب برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي؟
طبعاً، الإجراءات القانونية متاحة، خاصة أن بعض هؤلاء الأفراد الذين ثبت التجسس عليهم هم مواطنون لدول أخرى، وهي: فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، والآن يتم العمل على بحث الجوانب القانونية المتاحة في هذه الدول، لأن هناك اتفاقيات واضحة بين هذه الدول وبين الشركة الإسرائيلية بعدم التجسس والسماح بالتجسس على مواطنين من هذه الدول، فهذا الحيز القانوني الذي يمكن استغلاله في هذا الجانب.
أما بالنسبة لنا كمؤسسات، حتى الآن لن نذهب بأي شيء قانوني، لأن هناك معلومات أنه تم اختراق هواتف مسؤولين في وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، وكان الإعلان عن موقف رسمي فلسطيني بالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتوجه الرسمي يتحدث أيضاً عن استهداف المؤسسات الفلسطينية الست.
ما هو مدى الضرر الذي لحق بكم جراء عملية التجسس؟
طبعاً، لا نعرف تماماً ما هي المعلومات، وكيف تم توظيفها من قبل سلطات الاحتلال، وإذا كانت سلطات الاحتلال هي فعلاً من يقف وراء هذه العملية، لأننا لا نملك حقائق تشير إلى جهة محددة تقف وراء التجسس، ولكن الخطير في هذا الأمر هو أنه لا يمكن حصر المعلومات التي تم الحصول عليها، لأن عملية التنصت تشمل أيضاً التنصت على أصدقاء مالك الجهاز المخترق، وعلى كل المحيطين به الذين يقوم بالتواصل معهم. نحن نفترض أنه تم جمع معلومات كبيرة، لكن كيف سيتم توظيفها لا نعلم، لكن لا يوجد لدينا قلق من أن هناك معلومات يمكن أن تدين المؤسسات الفلسطينية، ولكن المؤلم في الأمر هو اختراق خصوصية الأشخاص والشعور العميق بعدم احترام الإنسان الفلسطيني على أي مستوى.
طاولتكم انتقادات لاذعة عندما استقبلتم مؤسسات حقوقية إسرائيلية في مقر مؤسسة "الحق"، هل تجاوزتم الخطوط الحمراء لحركة المقاطعة؟
لا أعتقد أن هذه المؤسسات كانت لديها نية في أي يوم أن تتجاوز الخطوط الحمراء لحركة المقاطعة، وجميع المؤسسات الست هي مؤسسات رائدة في موضوع مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها.
قد نكون أخفقنا في سياق اتخاذ القرار في هذه المرحلةمن ناحية من ناحية استقبال الوفد الإسرائيلي، ولكن كان المقصود هو استقبال المؤسسات الحقوقية الإٍسرائيلية التي نعمل معها على القضايا الفلسطينية بشكل يومي في صلب عملنا أمام المحاكم الإسرائيلية أو في السجون في مواجهة الانتهاكات اليومية، ولم يكن أبداً المقصود استضافة أو استقبال أي جهة لا تحترم ولا تعترف بشكل صريح بحقوق الشعب الفلسطيني، وبالتالي تعلمنا الدرس من هذه التجربة.
وأؤكد أنه لم تكن هناك أية نية لدى هذه المؤسسات باختراق الإجماع الوطني للمقاطعة حول معايير التطبيع والمقاطعة.
إن لم تكونوا تجاوزتم الخطوط الحرفية للمقاطعة، لكن تجاوزتم ذلك شعبياً، والدليل ما طاولكم من انتقادات لاذعة من الشارع، ماذا تقولين؟
قد نكون أخطأنا فعلاً، لكن يجب عدم محاسبة هذه المؤسسات على حدث فردي تم في سياق ظروف صعبة جدًا، نتعرض لتهديد وجودي في حال إغلاق هذه المؤسسات، لأن هذه المؤسسات الست عملت عبر عقود على قضايا فلسطينية جوهرية ساندت الأطفال والشباب والمرأة والفلاحين والمعتقلين والمهمشين بالمجتمع الفلسطيني بكل أمانة وصدق.
أعتقد أنه آن الأوان لتجاوز هذا الموضوع والاستمرار في مساندة هذه المؤسسات لتجاوز الخطر الأكبر، وهو التهديد لكل المجتمع المدني الفلسطيني، هذه الهجمة هي استمرار للهجمة بحق المجتمع المدني الفلسطيني، وإذا ما نجح الاحتلال بإغلاق هذه المؤسسات استناداً إلى المواد السرية وقوانين مكافحة الإرهاب، فهذا هو الخطر الذي يعني أن يد الاحتلال ستكون مطلقة في ارتكاب مزيد من الجرائم من دون أي محاسبة، وهذا هو الأهم الآن.