سباق تسلح بين مانيلا وبكين في بحر الصين الجنوبي

16 ديسمبر 2024
خفر سواحل من البلدين بمياه بحر الصين، مارس 2024 (جام ستا روزا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعد التوترات البحرية بين الفيليبين والصين في بحر الصين الجنوبي أدى إلى سباق تسلح بين البلدين، حيث تسعى كل دولة لفرض نفوذها على المناطق المتنازع عليها.
- تخطط الفيليبين لتعزيز قوتها البحرية بتمويلات من فرنسا واليابان لشراء 46 سفينة جديدة، بينما تمتلك الصين حوالي 250 سفينة لخفر السواحل، مما يعزز وجودها البحري.
- تعتمد الفيليبين على الدعم الأمريكي لمواجهة الهيمنة الصينية، مع تأكيدات بأن أي هجوم على القوات الفيليبينية سيستدعي تطبيق معاهدة الدفاع المشترك مع واشنطن.

يبدو أن سلسلة الحوادث والصدامات المتكررة خلال الأشهر الأخيرة بين مانيلا وبكين في المناطق المتنازع عليها ببحر الصين الجنوبي، أطلقت سباق تسلح بين البلدين، في إطار سعي كل دولة إلى فرض نفوذها وبسط سيطرتها على ما تدّعي ملكيته من مياه وصخور وشعاب مرجانية في بحر الصين الجنوبي. وتستعد الفيليبين لتحويل خفر السواحل لديها إلى ما تزعم أنه سيكون "الأقوى" في جنوب شرق آسيا، من خلال الاستحواذ على 46 سفينة جديدة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

خطة لـ"أقوى خفر سواحل"

تشمل خطة مانيلا، حسب وسائل إعلام فيليبينية، 40 سفينة تم تمويلها من خلال قرض فرنسي بقيمة 441 مليون دولار أميركي، وخمس سفن إضافية من اليابان، كجزء من صفقة قرض بقيمة 420 مليون دولار أميركي مع طوكيو. ويعد هذا التوسع في الأسطول بترسيخ خفر السواحل الفيليبيني قوة إقليمية هائلة بحلول عام 2028. وكان قائد خفر السواحل الفيليبيني الأدميرال روني جيل جافان قد قال، خلال منتدى أمني عُقد في مانيلا في 5 ديسمبر/كانون الأول الحالي، بشأن طموحات بلاده: "في الواقع، نحن على استعداد لأن نصبح أقوى خفر سواحل في جنوب شرق آسيا". وأضاف أن "هذه الخطوة سوف تمكّن خفر السواحل من الاحتفاظ بمكانته، باعتباره الأسطول الأحدث في المنطقة. وفي غضون خمس سنوات، نتوقع أن نصبح خفر السواحل الأكثر احتراماً والأكثر كفاءة".

يوان تشو: إعلان مانيلا عن طموحات عسكرية مستقبلية يعكس الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة

وليس واضحاً إن كان ذلك سيكون كافياً لمواجهة القوة البحرية لبكين في بحر الصين الجنوبي. في تعليقها على ذلك، قالت وسائل إعلام صينية، أمس الأحد، إن قوات خفر السواحل المحلية تعمل على توسيع وجودها في بحرَي الصين الشرقي والجنوبي وكذلك في المياه القريبة من تايوان، حيث تنشر سفناً أكبر وأكثر تطوراً، خصوصاً أن هذه القوات تعمل في الأساس كامتداد للبحرية الصينية، وبالتالي فإن ذلك من شأنه أن يحبط طموحات مانيلا التي يدير خفر سواحلها في الوقت الحالي 62 سفينة دورية وأربع سفن دعم، وهو أسطول متواضع مقارنة بنظرائها في المنطقة، إذ يضم خفر السواحل في فيتنام أكثر من 70 سفينة، في حين تمتلك ماليزيا 74 سفينة دورية.

في المقابل، يقدّر عدد السفن التي يتألف منها خفر السواحل الصيني حالياً بنحو 250 سفينة، ويشار إليه باسم "البحرية الثانية للصين". وفي الأشهر الأخيرة، كانت أغلب الإجراءات التي نفذتها الصين ضد السفن الفيليبينية العاملة في المياه قبالة المنطقة الاقتصادية الخالصة لمانيلا تتضمن خفر السواحل الصيني. وشمل ذلك الهجوم على القوارب الصغيرة التابعة للبحرية الفيليبينية أثناء مهمة إعادة الإمداد في شعاب توماس الثانية في يونيو/حزيران الماضي، حيث استخدم أفراد صينيون الفؤوس والسكاكين الطويلة والغاز المسيل للدموع والهراوات لمهاجمة البحارة الفيليبينيين وإتلاف سفنهم وتعطيلها.

وكان خفر السواحل الصيني قد كشف، في أغسطس/آب الماضي، عن تحديثات جديدة في مجال الخدمة شملت ظهور سفينة عملاقة، ولفت في حينه إلى أن التحديثات الجديدة تستند إلى متطلبات مهام خفر السواحل التي تعتمد على التكنولوجيا المتطورة، خاصة في مجال المعدات غير المأهولة.

تسعى الفيليبين للاستحواذ على 46 سفينة جديدة على مدى السنوات الخمس المقبلة

مقارنة القدرات في بحر الصين الجنوبي

في تعليقه على طموحات مانيلا البحرية وتأثير ذلك على الصين، قال الباحث في الشؤون العسكرية في معهد نان جينغ للبحوث والدراسات الاستراتيجية، يوان تشو، لـ"العربي الجديد"، إنه لا وجه للمقارنة بين قدرات الطرفين، وإن إضافة عدد محدود من السفن في بحر الصين الجنوبي إلى خفر السواحل الفيليبيني لن يغير شيئاً في معادلة الردع القائمة. ولفت إلى أن إعلان مانيلا عن طموحات عسكرية مستقبلية يعكس حالة الضعف الراهنة، والاعتماد الكامل على الولايات المتحدة في محاولة التصدي للهيمنة الصينية في المنطقة. وأضاف أن اللجوء إلى خيار العسكرة لن يكون حلاً مثالياً لمشاكل وطموحات مانيلا البحرية، خصوصاً مع دولة بحجم وقدرات الصين، مشيراً إلى أن المطلوب هو الاحتكام لقنوات الاتصال الثنائية والعمل على حل الخلافات بعيداً عن تأثير القوى الخارجية التي لديها مآرب خبيثة في المنطقة.

من جهته، اعتبر الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في تايبيه، خون وانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سعي مانيلا إلى تطوير أسطولها البحري، يمثل تطلعات مشروعة في ظل احتدام الصراع والاحتكاكات المستمرة مع القوات الصينية في المناطق المتنازع عليها بين الطرفين في بحر الصين الجنوبي. وقال إن بكين قطعت أشواطاً بعيدة في هذا الاتجاه لأغراض السيطرة والهيمنة، وفي الوقت نفسه تستنكر على الآخرين القيام بالخطوة نفسها لتحقيق الأهداف نفسها. وقال إن ذلك يتساوق مع موقف بكين التي تزعم ملكيتها لمعظم بحر الصين الجنوبي، متجاهلة المطالبات المنافسة من دول أخرى، بما في ذلك الفيليبين، إضافة إلى تجاهل حكم دولي يفيد بأن تأكيداتها بشأن السيادة على الجزر والشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي لا تستند إلى أساس قانوني.

يشار إلى أنه من بين مجموعتي الجزر الرئيسيتين في بحر الصين الجنوبي، تسيطر بكين على جزر باراسيل، في حين أن جزر سبراتلي، إلى الجنوب منها، لا تخضع لسيطرة أي دولة بمفردها، ولكنها تقع ضمن المناطق الاقتصادية الخالصة التي تمتد لمسافة 200 ميل بحري لماليزيا وبروناي وفيتنام والفيليبين، ما يجعلها محور الصراع بين هذه الدول. وعلى الرغم من تكرار بكين دعواتها للتفاوض بشأن نزاعاتها البحرية مع جيرانها، يعتقد مراقبون أنه من غير المرجح أن تقدّم تنازلات في هذا الملف.

من ناحية أخرى، ترتبط مانيلا وواشنطن بمعاهدة دفاع مشترك، وقد أثارت المواجهات الأخيرة بين السفن الصينية والفيليبينية تكهنات حول ما قد يؤدي إلى مواجهة مفتوحة. وكان مسؤولون أميركيون قد أكدوا مراراً أن أي هجوم مسلح ضد السفن أو الطائرات أو القوات المسلحة أو خفر السواحل الفيليبينية في أي مكان في بحر الصين الجنوبي، من شأنه أن يستدعي تطبيق المعاهدة. وقال الرئيس الفيليبيني فرديناند ماركوس، في تصريحات سابقة، إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أعطى تأكيدات بأن المعاهدة سوف يتم تفعيلها إذا قتلت "قوة أجنبية" أخرى جنديا فيليبينياً.

المساهمون