زيلينسكي وإحياء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية... محاولة نجاة في زمن ضغوط ترامب وبوتين

05 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
مواطنة تقترع في رئاسيات أوكرانيا في كييف، 21 إبريل 2019 (سيرغي شوزافكوف/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الضغوط الدولية على زيلينسكي: يخطط زيلينسكي لإجراء انتخابات رئاسية لتعزيز شرعيته وسط ضغوط من ترامب وبوتين، حيث يطالب ترامب باتفاق حول "المعادن النادرة"، بينما يقترح بوتين إدارة مؤقتة لأوكرانيا، مما يثير توترات دولية.

- التحديات الدستورية واللوجستية: تعيق حالة الطوارئ في أوكرانيا تنظيم الانتخابات، مع تحديات لوجستية تشمل تمكين النازحين والمقاتلين من التصويت وتأمين الحماية السيبرانية.

- التوقعات المستقبلية: قد تُنظم الانتخابات في الخريف المقبل إذا تم التوصل إلى وقف شامل للقتال ورفع الأحكام العرفية.

ذكرت تسريبات إعلامية أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وجه فريقه للاستعداد لتنظيم الانتخابات الرئاسية الأوكرانية قريباً، في خطوة تجد تفسيرات عدة لها، بما في ذلك ربطها بمحاولته تجديد شرعيته، ومنحه قوة إضافية في مواجهة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، مع بروز تقارب كبير في مواقف الكرملين والبيت الأبيض بشأن شروط إنهاء الحرب في أوكرانيا والضغوط التي يمارسها كل منهما على حدة على زيلينسكي. ونقلت مجلة "ذا إيكونوميست"، الأحد الماضي، عن مصادر قولها إن زيلينسكي عقد اجتماعاً مع فريقه، وطلب التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية بمجرد التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل. ولم تحدد مصادر المجلة موعداً محدداً، لكن معظمها ينطلق من أن الانتخابات قد تنظم في الصيف المقبل لاعتبارات عدة تتعلق بالمتطلبات التي ينبغي توفرها لإطلاق صافرة التحضير لها، ولعل أهمها وقف إطلاق النار. ونتيجة جولات عدة من المفاوضات بين الولايات المتحدة وكل من روسيا وأوكرانيا، جرى التوصل إلى اتفاق هش لوقف الهجمات على البنى التحتية للطاقة 30 يوماً، رغم أن الاتفاق المقترح أميركياً نصّ على وقف شامل لإطلاق النار، ويتبادل الطرفان الروسي والأوكراني الاتهامات بشأن خرق الاتفاق.

مماطلة روسيا 

وتماطل روسيا في التوافق على هدنة في البحر الأسود باعتبارها خطوة ثانية يمكن البناء عليها لهدنة شاملة ومفاوضات سلام، وفي حين وافقت مبدئياً على العرض الأميركي، فقد عرضت شروطاً صعبة التحقق، من ضمنها رفع العقوبات عن "روس سلخوزبنك"، المصرف الزراعي الروسي، والتخفيف من شروط التأمين على السفن التي تنقل الأسمدة والمنتجات الزراعية. وتزامنت التسريبات حول الانتخابات الرئاسية الأوكرانية مع تعرض زيلينسكي لضغوط غير مسبوقة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتوقيع على اتفاق معدل بشأن "المعادن النادرة"، يرقى حسب بعض المسؤوليين الأوكرانيين إلى عملية "نهب" تزامناً مع تعرضه أيضاً إلى حملة روسية مركزة لتشويه سمعته وإثبات عدم قدرته على القيادة. وقال ترامب للصحافيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية في 30 مارس/آذار الماضي: "إنه (زيلينسكي) يحاول التراجع عن صفقة المعادن النادرة، وإذا فعل ذلك، فسيواجه بعض المشاكل، مشاكل كبيرة". لقد أوضح ترامب بالفعل العواقب المحتملة إذا لم يفعل زيلينسكي ما يريده، بعد عدم توقيع نسخة سابقة من اتفاق المعادن النادرة، وذلك بقطعه المساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا مؤقتاً.

شعبية زيلينسكي ارتفعت بعد الصدام مع ترامب في البيت الأبيض

وفيما يكثف ترامب جهوده من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، اختبرت موسكو نيّات ترامب نحو زيلينسكي، فاقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 27 مارس الماضي، وضع أوكرانيا تحت إشراف إدارة مؤقتة تحت رعاية الأمم المتحدة وعدد من الدول، لإجراء انتخابات هناك. وأشار بوتين إلى أن "الهدف هو إجراء انتخابات ديمقراطية، والإتيان بحكومة قادرة تتمتع بثقة الشعب، ومن ثم بدء المفاوضات معها بشأن اتفاق سلام"، معتبراً أن القيادة الأوكرانية المنتخبة نتيجة هذه العملية يمكن أن توقع "وثائق شرعية معترف بها في جميع أنحاء العالم ويمكن الاعتماد عليها".

أثارت تصريحات بوتين غضب ترامب الذي قال، الأسبوع الماضي، لشبكة "إن بي سي نيوز"، إنه كان "غاضباً جداً" و"مستاء للغاية" من بوتين بسبب هجومه على مصداقية زيلينسكي، ودعوته إلى قيادة جديدة في كييف، ولوح بأنه يمكن أن يفرض عقوبات على النفط الروسي في حال عدم التقدم بجهود التسوية. وفي تصريحاته، انتقد ترامب كلاً من بوتين وزيلينسكي، وأضاف: "هناك كذلك زيلينسكي، وآمل أن يفي هو أيضاً بالتزاماته". وفي ما يتعلق بالنفط الروسي، قال ترامب إنه لا يعتزم حالياً "فرض رسوم جمركية إضافية"، مضيفاً: "لكن أعتقد أنني سأفعل شيئاً إذا رأيت أن بوتين لا يفعل ما يجب عليه فعله". وأوفد الكرملين رئيس صندوق الاستثمار الروسي المباشر كيريل دميترييف إلى واشنطن الأربعاء الماضي، فاجتمع مع المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف، بعد تلويح ترامب، في حديثه مع شبكة "إن بي سي نيوز"، بفرض رسوم ثانوية على موسكو إذا فشلت محادثات السلام حول أوكرانيا. وحينها قال ترامب: "إذا لم أتمكن من التوصل إلى اتفاق مع روسيا لوقف إراقة الدماء في أوكرانيا، وإذا كنت أعتقد أن روسيا هي المسؤولة، رغم أنها قد لا تكون هي المسؤولة، لكن إذا كنت أعتقد أن روسيا هي المسؤولة، فسأفرض رسوماً ثانوية على النفط، على كل النفط القادم من روسيا". وبدا أن استراتيجية موسكو التفاوضية تنطلق من استمرار جولات التفاوض، والإغراق بالتفاصيل، مع التمسك بشروطها لوقف الحرب في حال لم يستطع ترامب إجبار زيلينسكي على الموافقة على الشروط الروسية.

وتراهن موسكو على فائض القوة لديها لاستمرار القتال وتحقيق مطالبها، ومن جهة أخرى تأمل في حصد مكاسب من ترامب المتعجل لتحقيق إنجاز في مساعيه لوقف الحرب، والعمل على توسيع الشرخ بين ترامب وزيلينسكي. ويناقض سعي الكرملين إلى إطالة أمد المفاوضات قدر الإمكان مطالب بوتين والمسؤولين الروس بضرورة تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية من أجل توقيع اتفاق سلام مع قيادة شرعية في كييف من وجهة نظر موسكو. وحسب الجانب الأوكراني، فإن الدستور يحظر تنظيم انتخابات بسبب حالة الطوارئ المفروضة (الأحكام العرفية) منذ بداية الحرب التي يمددها البرلمان الأوكراني كل ستة أشهر، ومن المقرر أن تنتهي الفترة الحالية في الثامن من مايو/ أيار المقبل. وأي حديث عن تنظيم سريع للانتخابات الرئاسية الأوكرانية يقضي بأن يتم التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار مدة شهر على الأقل قبل الثلاثاء المقبل، أي في الثامن من إبريل/نيسان الحالي، والتحقق من الالتزام به، ثم الإعلان عن تمديده شهراً آخر أو أكثر. وحينها فقط لن يصوّت البرلمان الأوكراني في الثامن من مايو المقبل على تمديد الأحكام العرفية، ويمكن في المقابل المضي في إجراءات الإعلان عن الانتخابات الرئاسية الأوكرانية وإطلاق الحملات الانتخابية.

وفي حال سارت الأمور بالشكل المطلوب، فإنه من المستحيل تنظيم الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في الصيف، والأرجح أن تنطلق في الخريف، بعد استيفاء 90 يوماً على الأقل فاصلة بين إعلان يوم التصويت والحملة الانتخابية. وقد تتأخر الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في حال تمسك بوتين بمطالبه المتعلقة بالإدارة الخارجية لأوكرانيا تحت إشراف الأمم المتحدة، لأن المفاوضات للهدنة ستصل إلى طريق مسدود. وعلى عكس المأمول في موسكو، على ما يبدو، فقد عاود ترامب الدفاع عن شرعية زيلينسكي في تصريحاته الأخيرة رداً على تصريحات بوتين. وربما تراهن موسكو على أن زيلينسكي لن يوقع على اتفاق المعادن النادرة، ما يتسبب في عودة التوتر وتوجيه ضغوط واشنطن على كييف مرة أخرى. وبعيداً عن العقبات الدستورية لتنظيم الانتخابات الرئاسية الأوكرانية والمطالب الروسية، تبرز صعوبات لوجستية كثيرة بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، في بلد فقد قرابة خُمس أراضيه ونزح ولجأ أكثر من عشرة ملايين من سكانه. ومن التحديات المهمة، التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم وضمانات بعدم خرقه لتمكين مئات آلاف المقاتلين على خطوط الجبهة المقدرة بنحو ألفي كيلومتر من التصويت، وكذلك تمكين المدنيين الذين يعيشون في تجمعات سكنية قرب خطوط الجبهات.

يُرجح تنظيم الرئاسيات في الخريف إذا رُفعت الأحكام العرفية

كما أن التحضيرات لتصويت أكثر من خمسة ملايين أوكراني في أوروبا ستكون عملية صعبة ومعقدة، مقارنة بالانتخابات السابقة في 2019 التي شارك فيها قرابة 100 ألف أوكراني فقط. وفي حال أقرت السلطات بالتصويت الإلكتروني، تبرز الحاجة إلى تأمين الحماية من أي اختراق وهجمات سيبرانية. ربطت مصادر التسريبات بشأن الانتخابات لمجلة "ذا إيكونوميست" بين رغبة زيلينسكي في تنظيم الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في الصيف وعدم منح خصومه السياسيين فرصة زمنية كافية في حملاتهم الانتخابية. ورغم عدم استبعاد هذه الفكرة، فالأرجح أن العقبات الدستورية واللوجستية ستؤدي دوراً في تأجيل الانتخابات إلى الخريف المقبل، بأقل تقدير، في حال تم التوصل إلى وقف شامل للقتال. وتجب الإشارة إلى أن موضوع الانتخابات الرئاسية الأوكرانية هيمن على الحياة السياسية الداخلية منذ بداية العام في كييف.

بحث الانتخابات الرئاسية الأوكرانية

وفي الشهر الماضي، كشفت صحيفة "بوليتيكو" أن الإدارة الأميركية التقت عدداً من زعماء المعارضة وبحثت معهم موضوع الانتخابات. وعلى خلفية الجدل الحاصل، يمكن القول إن زعماء في المعارضة، مثل الرئيس السابق بيترو بوروشينكو ورئيسة الحكومة السابقة يوليا تيموشينكو، أطلقوا الحملات الانتخابية عملياً. ورغم أن الخلافات بين زيلينسكي وترامب قد تتعمّق بسبب التعديلات المقترحة على اتفاق المعادن النادرة، ما يصب في مصلحة موسكو بزيادة إمكانية إطاحة زيلينسكي، فإن شعبية الأخير ارتفعت بشكل لافت بعد السجال الشهير في البيت الأبيض في 28 فبراير/ شباط الماضي، ما يصعب مهمة ترامب وبوتين في التخلص من زيلينسكي، كما يحد من أي تنازلات يمكن لأي رئيس بعده تقديمها. وحسب معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، في بداية فبراير، كان 57% من الأوكرانيين يثقون بزيلينسكي، وارتفعت النسبة إلى 69% في النصف الثاني من مارس الماضي. وتجب الإشارة إلى أن أغلب الأوكرانيين وقفوا إلى جانب الرئيس، وهم لا يدعمونه بصفته الشخصية بل لكونه رئيساً لأوكرانيا. وانطلقوا في موقفهم من أن ترامب اتخذ موقفاً غير عادل تجاه أوكرانيا وزيلينسكي شخصياً. وبمراجعة للأسماء المتداولة للرئاسة في أوكرانيا، فإن القائد السابق للجيش فاليري زالوجني يتمتع بحظوظ كبيرة، لكن مواقفه الأخيرة الرافضة الضغوطَ على زيلينسكي تجعله خياراً غير مفضل لسيدي الكرملين والبيت الأبيض. في المقابل، فإن سجلات السياسيين السابقين وتجاربهم في السلطة لا تشجع كثيراً من الأوكرانيين على إعادة انتخابهم.

المساهمون