استمع إلى الملخص
- تثير التحقيقات تساؤلات حول ازدواجية المعايير في العدالة الدولية، حيث تتجاهل المحكمة الجنائية الدولية بعض الشخصيات المتورطة في جرائم خطيرة.
- تظهر ازدواجية المعايير في السياسات الدولية، كما في تعامل الولايات المتحدة مع قضيتي لوكربي وبنغازي، مما يثير تساؤلات حول إنصاف الضحايا.
كثيراً ما يتابع المراقبون ما يثار من شبهات حول قرارات العديد من دول العالم، وكيف تتحول إلى اتهامات تلاحق أصحابها ولو بعد حين، فتقودهم إلى التحقيق المباشر معهم بشكل معلن وفي وضح النهار حتى وإن كانوا في أعلى قمة صنع القرار، ثم الإشادة بالقدر العالي من حكم القانون ومؤسسات العدالة في تلك البلدان. في آخر تلك الحوادث والوقائع، ما يواجهه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي من محاكمة حيال اتهامه بالحصول على أموال ليبية لدعم حملته الانتخابية عام 2007، وما أعلنته رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الثلاثاء الماضي، من أنها ستخضع لتحقيق قضائي بسبب قرار حكومتها الإفراج عن آمر الشرطة القضائية في غرب ليبيا أسامة نجيم، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق معه في انتهاكات وجرائم اقترفها في السجون الليبية.
لكن في الأثناء، تظهر العديد من أوجه الشبه في ثنايا وخفايا تلك التحقيقات والوقائع، كاشفة عن دسائس السياسة بمصالحها ومفاسدها. فالمحكمة الجنائية الدولية غضت طرفها عن العديد من الشخصيات الليبية المتورطة في جرائم ضد الإنسانية زارت مرات عديدة عواصم أوروبية. تابع الليبيون تلك الشخصيات وهي تنشر صورها في تلك العواصم، ولم نسمع أن المحكمة أصدرت مذكرات قبض بحقها. حتى أسامة نجيم، الذي أثارت قضيته في إيطاليا الجدل، كان قد تنقل بين ثلاث دول أوروبية قبل أن يصل إلى تورينو الإيطالية لتصدر بحقه تلك المذكرة، وبتاريخ عاجل يوافق يوم وصوله! ثم لماذا تغض هذه المحكمة الدولية طرفها عن أبسط مبادئ العدالة والتحكيم في القوانين عندما تقبل المحاكم الفرنسية شهادة سيف الإسلام القذافي، المطلوب لديها بتهم اقترافه جرائم ضد الإنسانية؟ بل لم تطلب توضيحاً من الجانب الفرنسي حيال تعاملها واتصالها مع سيف الإسلام، كالتوضيح الذي طلبته من الحكومة الإيطالية إزاء كيفية تعاملها مع نجيم.
يبدو من نافل القول الحديث عن ازدواجية معايير تعامل المحكمة الجنائية الدولية، فمخازيها بحق قضية الفلسطينيين كشفت عوارها غير المستور من أصله طيلة تاريخها. لكن الاستمرار في الحديث عن تناقضاتها في الملفات الأخرى يبدو مهماً لربطه بسياسات التناقض الشبيهة في الدول الكبرى التي تدعمها، لتأكيد ضرورة رفض استغلال وتوظيف ملف الحقوق والحريات وحرص المجتمع الدولي على المحافظة على قيم الإنسانية وغيرها من الدعاوى. فليس من المنطقي القبول بأن المعارضة الإيطالية وهي تقود حملة شرسة على حكومة ميلوني، تنطلق من مبدأ الانتصار لقيم الإنسانية وحرياتها وحقوق المظلومين الليبيين، لأن ميلوني أطلقت سراح نجيم!
وليس في روما وباريس فقط، بل في واشنطن التي تتبنى ذات السياسات والمنهج في ملف حقوق الإنسان. فالموقف نفسه يظهر عندما أقدمت على فتح ملف حادث لوكربي (تفجير طائرة أميركية باسكتلندا 1988) مع ليبيا بعد إعلان إقفاله رسمياً من الجانبين سنة 2008، وطالبت بالقبض على (ضابط المخابرات) أبو عجيلة المريمي في طرابلس، ونقلته إلى المحاكم الأميركية في ديسمبر/ كانون الأول 2022، لكونه متهماً جديداً في القضية. أما الداعي فإنساني في الكثير من جوانبه، لضرورة الاستمرار في استخلاص حقوق ضحايا حادث لوكربي وأسرهم. إذا كان الداعي الأميركي كذلك، فماذا عن حقوق المئات من الضحايا في بنغازي على يد اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعدما أعلنت محكمة فرجينيا، التي رفع أمامها أهالي ضحايا بنغازي دعوى ضد حفتر لكونه مواطناً أميركياً، إقفال القضية فجأة، في إبريل/ نيسان الماضي، بعد أربع سنوات من النظر فيها، دون توضيح الأسباب. من ينصف هؤلاء وعدد الضحايا يفوق بأضعاف ضحايا لوكربي؟