زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي أديس أبابا تقلق القاهرة
استمع إلى الملخص
- تعتبر القاهرة التحركات الإسرائيلية جزءًا من استراتيجية لإعادة رسم الاصطفافات الإقليمية، مما قد يضعف موقف مصر في مفاوضات سد النهضة ويؤثر على أمن البحر الأحمر.
- قد تلجأ مصر إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية لمحاولة تحجيم النفوذ الإسرائيلي، بينما تسعى إثيوبيا لتعزيز علاقاتها مع إسرائيل لتنويع حلفائها الدوليين.
أثارت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الاثنين الماضي، قلق القاهرة من تنامي العلاقات بين الطرفين، في وقت تتأزم فيه العلاقة بين مصر وإثيوبيا حول ملفي أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي وسد النهضة. وقال مصدر دبلوماسي مصري مطلع، لـ"العربي الجديد"، إن الأجهزة الأمنية والدبلوماسية المصرية تتابع بدقة تطور العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية المتنامية مؤخراً، ومصر تراقب التمدد الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي، وتعتبر أي تقارب بين إسرائيل وإثيوبيا عنصراً مؤثراً في معادلات الأمن القومي المصري. وقد تخللت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي لأديس أبابا لقاءات رسمية مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ونظيره جيديون تيموثيوس، استهدفت تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات الأمن والتجارة والزراعة وتقنيات المياه والطاقة المتجددة. ورافق وزير الخارجية الإسرائيلي وفد اقتصادي رفيع المستوى، ما جعل للزيارة بُعداً استراتيجياً يتجاوز اللقاءات الدبلوماسية التقليدية من قبل وزيري الخارجية في الدولتين.
مصر تراقب العلاقات الإسرائيلية مع أفريقيا
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن مصر على دراية تامة منذ وقت طويل بأبعاد العلاقات الإسرائيلية مع الدول الأفريقية، وبصفة خاصة مع دول القرن الأفريقي. وأكد هريدي أن هذه العلاقات تخضع لرصد ومتابعة دقيقة من جانب جميع مؤسسات الدولة المعنية، انطلاقاً من إدراك القاهرة تأثيراتها المحتملة على الأمن القومي المصري والمصالح الاستراتيجية في الإقليم. ويندرج هذا التحرك الإسرائيلي في سياق أوسع، مرتبط بتوازنات النفوذ في حوض النيل ومنطقة البحر الأحمر، وهو خطوة ضمن تحركات إسرائيلية متصاعدة لتعزيز وجودها في القرن الأفريقي، تشمل أوغندا وكينيا وإريتريا، وهو ما تعتبره القاهرة محاولة لإعادة رسم الاصطفافات الإقليمية على نحو قد يُضعف موقعها التفاوضي في أزمة سد النهضة وتأمين البحر الأحمر.
حسين هريدي: العلاقات الإسرائيلية مع الدول الأفريقية تخضع لمتابعة دقيقة في القاهرة
وبينما رفضت أديس أبابا حتى الآن الانخراط في اتفاق قانوني شامل وملزم حول قواعد ملء سد النهضة وتشغيله، رأت دوائر صنع القرار في مصر أن دعم دول مثل إسرائيل لإثيوبيا، سواء على المستوى الفني أو السياسي، قد يُطيل أمد الأزمة ويعزز من موقف إثيوبيا المتعنت. ومن ثم، فإن القاهرة لا تفصل بين هذه التحركات الإسرائيلية وبين ملف أمنها المائي الذي تعتبره مسألة وجودية.
قلق مصري من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي أديس أبابا
وجاءت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أديس أبابا في إطار سعي إسرائيل منذ سنوات لتثبيت حضورها في أفريقيا، خصوصاً في دول منابع النيل، ضمن رؤية أمنية استراتيجية تشمل حماية مصالحها المائية وتعزيز نفوذها البحري في البحر الأحمر. ويُنظر إلى التعاون الإسرائيلي-الإثيوبي في ملفات مثل الزراعة والتقنيات المائية باعتباره أحد أدوات هذا التغلغل. في المقابل، قد تلجأ مصر إلى تكثيف اتصالاتها الإقليمية وتوسيع تحالفاتها، خاصة مع دول عربية مثل السودان والإمارات، وكذلك مع قوى دولية فاعلة، لمحاولة تحجيم الحضور الإسرائيلي وضمان عدم الإضرار بمصالحها الحيوية. وفي سياق متصل، ذكر الدبلوماسي الإسرائيلي السابق مايكل هراري، في مقال نشره على موقع "تايمز أوف إسرائيل"، أن إسرائيل لا تسعى إلى استفزاز مصر، لكنها ترى أن من حقها تعزيز شراكاتها مع دول أفريقية تشترك معها في مصالح أمنية وتجارية، بما في ذلك تقنيات إدارة المياه والطاقة، والتي تمتلك فيها تل أبيب خبرات متقدمة. ووفقاً لهراري، فإن إسرائيل تدرك أهمية إثيوبيا في معادلة شرق أفريقيا، وتحرص على تعزيز نفوذها هناك، لا سيما في ظل التنافس الإقليمي والدولي المتصاعد على القرن الأفريقي.
أما في أديس أبابا، فترى القيادة الإثيوبية أن علاقاتها المتنامية مع تل أبيب تُسهم في تنويع حلفائها الدوليين وتوفير بدائل في وقت تواجه فيه ضغوطاً متزايدة بشأن سد النهضة. وأشارت مصادر دبلوماسية إثيوبية إلى أن الشراكة مع إسرائيل، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والمياه، تأتي في إطار السعي لتعويض النقص في الدعم الغربي التقليدي ولخلق توازنات جديدة في علاقاتها الخارجية. وبينما يصر الطرفان على أن العلاقة بينهما "لا تستهدف أي طرف ثالث"، فإن واقع التفاعلات الإقليمية يؤكد أن تداعياتها لن تكون محصورة في إثيوبيا وإسرائيل فقط، بل ستمتد إلى مصر والسودان، وربما إلى قوى إقليمية أخرى تتابع المشهد بقلق.
مايكل هراري: إسرائيل لا تسعى إلى استفزاز مصر
أمام المشهد المتشابك، لا تستبعد مصادر دبلوماسية مصرية أن تلجأ القاهرة إلى عدد من السيناريوهات للرد على التقارب الإسرائيلي ــ الإثيوبي، في مقدمتها تكثيف التحرك الدبلوماسي الإقليمي والدولي لتأكيد ثوابت الموقف المصري من قضية سد النهضة، وتحذير الأطراف المنخرطة في دعم إثيوبيا من مغبة الإضرار بأمن مصر المائي. وتتجه مصر نحو تعزيز التنسيق الأمني والسياسي مع دول مثل السودان وجنوب السودان وإريتريا، التي ترتبط معها مصر بعلاقات تاريخية وشراكات استراتيجية في ملفات الأمن الإقليمي قد تشمل تبادل المعلومات، ودعم مشاريع تنموية مشتركة، بالتوازي مع حضور واسع بالتكتلات الأفريقية، مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد"، لتعزيز مواقفها في قضية سد النهضة.