زيارة تحت الأرض لمعتقلي غزة.. شهادات مروعة

معتقلون من غزة أفرج عنهم الاحتلال سابقاً في دير البلح، 10 إبريل 2025 (معز صالحي/الأناضول)
+ الخط -

كشفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، اليوم الثلاثاء، عن شهادات جديدة تضاف إلى سجل الشهادات الصادمة والمروعة عن تفاصيل عاشها معتقلو غزة، بعدما جرت زيارتهم في سجن تحت الأرض.

ووفق بيان للنادي والهيئة، فإن تلك الشهادات المروعة كانت عن عمليات اعتقالهم، والتحقيق معهم، ونقلهم من سجن إلى سجن، ومن معسكر إلى معسكر، على مدار أشهر عدة من الاعتقال، واجه فيها الأسرى جرائم ممنهجة في مجملها، هي جرائم تعذيب عاشوها لحظة بلحظة منذ اعتقالهم. وأكدت الهيئة والنادي أن هذه الشهادات جرى الحصول عليها من خلال زيارات هي الأولى، تمكنت من إجرائها الطواقم القانونية أخيراً، وجرت خلالها زيارة مجموعة من المعتقلين في ظروف مشددة، وتحت مستوى عالٍ من الرقابة في قسم ركيفت القابع تحت سجن نيتسان - الرملة.

وفي تفاصيل الزيارة التي جرت لمجموعة من المعتقلين، فإن الزيارة بدأت بإدخال الطواقم القانونية إلى مدخل بناية تشبه المخزن وهي قديمة، جرى فتح باب وهو مدخل لدرج تحت الأرض، بحسب ما وصف المحامون، مليئة بالصراصير والحفر في الأرض والجدران، وجرت الزيارات بمرافقة السّجانين وتحت رقابة مشددة، وطُلب من المحامين عدم إخبار المعتقلين بأي شيء يتعلق بعائلاتهم، أو ما يحدث في الخارج، وكانت علامات الرّعب والخوف ظاهرة على هيئات المعتقلين الذين جرت زيارتهم، وفي البداية كانت هناك صعوبات كبيرة بفتح حديث مع أي معتقل، لمستوى الرّقابة الذي فرض على الزيارة، ولكن بعد محاولات جرت من قبل المحامين، تمكّنوا من طمأنة المعتقلين، والتأكيد لهم أنهم محامون جاءوا لزيارتهم.

واستعرضت الهيئة والنادي إفادات المعتقلين وما تضمنته من تفاصيل صادمة، هي امتداد لعشرات الشهادات والإفادات التي جرى الحصول عليها من معتقلي غزة منذ بدء الإبادة. ونقلت الهيئة والنادي إفادة المعتقل (س.ج) قائلاً: "اعتُقلت في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2023، ونُقلت فوراً إلى التّحقيق الذي استمر لمدة 6 أيام كانت الأشد والأصعب، تعرضتُ خلالها لتحقيق "الديسكو" و"البامبرز"، وطوال الأيام الستة، كنت أسمع فقط موسيقى صاخبة جداً، وطوال هذه الأيام، أُجبرت على استخدام الحفاضات لقضاء حاجتي، جرى تغييرها مرتين فقط، وحُرمت من الطعام، وكان الماء قليلاً جداً، نصف كأس باليوم، وطوال فترة التّحقيق كنت مقيد اليدين، ومعصوب العينين، ولاحقاً جرى نقلي من معسكر سديه تيمان، إلى سجن عسقلان، وفيه بقيت لمدة 45 يوماً، ثم جرى نقلي إلى معتقل المسكوبية لمدة 85 يوماً، ثم إلى سجن عوفر، وأخيراً إلى قسم ركيفت في سجن نيتسان الرملة".

وأشار المعتقل إلى أنّ ظروف الاعتقال في قسم ركيفت الرملة هي الأشد صعوبة مقارنة مع جميع السجون التي نُقل إليها على مدار فترة اعتقاله، مضيفاً: "في كل زنزانة يوجد ثلاثة أسرى، أحدهم ينام على الأرض، فيما الخروج إلى الفورة، أي ساحة السجن، يكون يوماً بعد يوم، ونحن مقيدون، علماً أن هذه المساحة لا تدخلها الشمس، وطوال وجودنا في الفورة نتعرض للإهانة والإذلال، كما يمنع علينا رفع رؤوسنا طوال هذه الفترة".

أما المعتقل (و.ن)، فقال: "اعتُقلت في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024، وجرى استجوابي من قبل جيش الاحتلال قبل نقلي إلى معسكر في غلاف غزة، تعرضتُ للتحقيق من قبل المخابرات، وجرى تهديدي وضربي، ولاحقاً نُقلت إلى سجن الرملة. أُعاني اليوم من مشاكل صحيّة، وآلام شديدة في جسدي، والأمر الذي يزيد من معاناتي هو إجبارنا على الجلوس على الركبتين لفترة طويلة، كما أنني تعرضت لاعتداء جنسي من خلال ضربي عبر جهاز التفتيش على أجزاء حساسة من جسدي، واليوم نحن في عزلة تامة عن العالم الخارجي، لا نعلم متى تشرق الشمس، ومتى تغيب، ويجري تزويدنا بملابس مهترئة وتالفة، لكننا مضطرون لارتدائها، ومحرومون من توفير ملابس داخلية، وإلى جانب كل هذا، يجبروننا على شتم أمهاتنا، ونتعرض للضرب والقمع، حيث تسبب ضربي خلال عملية نقلي إلى السجن بكسر أحد أصابعي، مع العلم أن السجانين يستخدمون أسلوب كسر الأصابع وقد حدث ذلك مع أكثر من معتقل".

 في السياق نفسه، أشار المعتقل (خ. د) إلى أنّه تعرض لتحقيق الديسكو، ولاحقاً للتحقيق من قبل مخابرات الاحتلال، وتكرر ذلك من ثلاث إلى أربع مرات، وتعمدوا شبحه على الكرسي لفترات طويلة، ورميه على الأرض وهو مقيد، واستمر التحقيق معه لمدة 30 يوماً في زنازين سجن عسقلان، وطوال هذه المدة، تعرّض للضرب المبرح، وهو يعاني اليوم من مرض الجرب -السكايبوس، حيث أصيب به خلال احتجازه في سجن عوفر، واستمر معه المرض بعد نقله إلى سجن الرملة، ويعاني اليوم، إلى جانب مرض الجرب، من أوجاع شديدة في الصدر تزداد حدتها جراء عمليات التقييد إلى الخلف. ولفت المعتقل إلى أنّ إدارة السجن تعاقب الأسرى من خلال كسر إصبع الإبهام.

أما المعتقل (ع.غ) فقال من جهته: "احتُجزت لمدة 35 يوماً في معسكر سديه تيمان، تعرضتُ لتحقيق الديسكو لمدة خمسة أيام. عند اعتقالي كنت أُعاني من إصابة ولم أتلقَ أي علاج، وأُصبت بحمى شديدة في بداية الاعتقال، وكنت طوال الوقت أصرخ من شدة الألم في جسدي، هذا بالإضافة إلى كوني أعاني من مشاكل في القلب، وقد تعرّضت لفقدان الوعي مرات عدة، فيما كانوا يكتفون فقط بالتأكّد من أنني على قيد الحياة. في المرحلة الأولى من الاعتقال، لم تكن لدي ملابس أو غطاء. كنت أشعر بالبرد الشديد كوني كنت محتجزاً في بركس مفتوح من جهات عدة، مما فاقم من معاناتي".

وأضاف: "على مدار 15 يوماً، كنت مقيد اليدين ومعصوب العينين طوال الوقت، ثم جرى نقلي لاحقاً إلى قسم ركيفت في سجن الرملة. في جميع الغرف هناك كاميرات توثق تحركاتنا بشكل دائم. تُمنع علينا الصلاة، ويهددوننا طوال الوقت بالقتل. وتشكّل عملية إخراجنا للفورة فرصة للسجانين للاعتداء علينا بالضرب المبرح وإهانتنا، ونحن مقيدو الأيدي، لا نرى الشمس نهائياً، نُجبر على شتم أمهاتنا. السجان هو من يقرر وقت الاستحمام والمدة، كل ثلاثة أيام يجري تزويد كل زنزانة بلفة ورق للحمّام، كما أنّ كميات الطعام قليلة جداً. نعلم أن هذا وقت الفجر من خلال قيام السّجانين بسحب الفرشات والأغطية".

وأكدت الهيئة والنادي أن سجن ركيفت - الرملة واحد من بين سجون ومعسكرات استحدثها الاحتلال منذ الإبادة على غزة أو أعيد فتحها مجدداً لاحتجاز معتقلي غزة، نذكر أبرزهم: سديه تيمان، عناتوت، معسكر عوفر، ركيفت، ومعسكر آخر افتُتح لمعتقلي الضفة وهو معسكر منشة، وشكلت هذه المعسكرات العناوين البارزة لجرائم التعذيب، حيث حوّلها الاحتلال إلى أماكن لتعذيب المعتقلين جسدياً ونفسياً بشكل لحظي.

وأوضحت الهيئة والنادي أنّ عدد معتقلي غزة الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال حتى بداية شهر إبريل/ نيسان 2025، بلغ 1747 ممن صنّفتهم بالمقاتلين غير الشرعيين، وهذا المعطى لا يشمل جميع معتقلي غزة المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، بل يشمل فقط من هم تحت إدارة السّجون.