زيارة بايدن إلى المنطقة: تغليب الواقعية أم جولة اضطرارية؟

زيارة بايدن إلى المنطقة: تغليب الواقعية أم جولة اضطرارية؟

07 يوليو 2022
ليس معروفاً بالضبط ما يحمله بايدن في جيب زيارته للمنطقة (صموئيل كوروم/فرانس برس)
+ الخط -

أسبوع وتحط طائرة الرئيس الأميركي جو بايدن في تل أبيب وفي اليوم التالي تنتقل إلى الرياض. الإدارة قلما تتحدث عنها. وإذا فعلت فالإشارة إليها تأتي بلغة رمادية خالية من مسحة الحماسة لها، وكأنها جولة اضطرارية، أو كأنّ احتمالات التصحيح والاختراق خلالها ضعيفة وفي أحسن الأحوال محدودة.

الزيارة بدت كذلك منذ لحظة تسريب البيت الأبيض الخبر في مايو/أيار الماضي ثم تراجعه عن موعدها الأول في يونيو/حزيران ليستقر بعد تردد ومفاوضات مع المملكة العربية السعودية حول الإطار والبنود على موعد 13 - 16 يوليو/تموز الحالي.

وفي ضوء هذا التخبط النادر في ترتيب الزيارات الخارجية للرئيس الأميركي، كان من الطبيعي أن تتعدد التكهنات والقراءات بشأن أغراض وحيثيات الجولة الرئاسية الأميركية، خاصة في شقها السعودي، وذلك في ضوء برودة وتوتر العلاقات بين بايدن والرياض في السنوات الأخيرة.

التكهنات كثيرة ومتنوعة، ثمة من يرى أن حاجة بايدن إلى السعودية في زيادة إنتاجها النفطي لخفض الأسعار عشية الانتخابات النصفية الحاسمة للكونغرس، كانت من الدواعي الرئيسية للزيارة ولتراجعه عن موقفه المعروف من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

جهات أخرى ترى أن بايدن ذاهب إلى السعودية أساساً لتسويق موضوع المفاوضات النووية مع إيران باعتباره مفتاح ترميم الثقة وعودة العلاقات إلى سويّتها مع المملكة السعودية. حيثيته في هذه المهمة أن منع طهران من امتلاك السلاح النووي يجعلها "أقل خطراً في المنطقة"، وهو يصر على هذا التعليل رغم ضعف مقبوليته في المنطقة.

الجهات المؤيدة التي تحث على الزيارة وضعت هذه الأخيرة في إطار فرضته "الحقائق السياسية والاقتصادية" الدولية الصعبة في الوقت الراهن، وفي اعتقادها أن الرئيس بايدن في ضوء هذه الظروف آثر تغليب "الواقعية على المبدئية" التي اعتمدها في سياسته الخارجية عموماً، وسياسته السعودية بشكل خاص.

يشمل ذلك تفعيل وتجديد التحالف الإقليمي "خصوصاً في ضوء تشدد إيران، أخيراً". وهنا أشار البعض إلى احتمال تكوين "ناتو" شرق أوسطي أو طرح فكرته خلال قمة جدّه المتوقع أن يشارك بايدن فيها، كما تشمل التباحث في سياسة التسليح بعد التوجه السعودي نحو الصين، فضلاً عن التقارب مع موسكو.
 
لكن هذه الجهات الدافعة باتجاه تعويم العلاقات الأميركية السعودية يلمّح أو يوصي بعضها المقرّب من الإدارة إلى صيغة علاقات جديدة مع المملكة لا تبدو بعيدة عن تفكير ومقاربات البيت الأبيض، في أساسها أن تُبنى العلاقات وفق "ميثاق جديد لمواجهة التهديد النووي الاستراتيجي الإيراني، يكون من نوع الميثاق الذي اعتمدته واشنطن مع سنغافورة والذي يضمن تعزيز الدفاع والأمن المشترك على أن يجري تطويره إلى ترتيبات شبيهة بتلك التي يوفرها قانون تايوان الأميركي، إذا ما أثبتت المملكة لاحقاً أنها جديرة بمثل هذا التدبير".

والمعروف أنه بموجب هذا القانون الصادر في 1979 "يلزم واشنطن بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية والاحتفاظ بالقدرة الأميركية اللازمة لصدّ أي لجوء إلى القوة أو الإكراه ضد أمن الجزيرة". هو تقريباً ضمانة لاستقلال تايوان وتمكينها لحماية نفسها من غير التزام صريح بالدفاع عنها.

في الحالة السعودية يدعو أصحاب هذا الطرح، ومنهم السفير والدبلوماسي السابق مارتن انديك، إلى أن يطالب الرئيس بايدن المملكة "بالتطبيع مع إسرائيل" قبل وصول العلاقات معها إلى هذا المستوى، إضافة إلى تقديمات أخرى لا تبدو ممكنة، حسب ما يشير الخطاب السعودي، مثل "اعتراف المملكة علناً" بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وهو طلب يلقى صدى واسعاً في الكونغرس. 

ليس معروفاً بالضبط ما يحمله بايدن في جيب زيارته ولا ما يمكن أن يعود به، لكن المعروف أنه لن يتراجع عن قناعاته، كما قال. غير أنه بزيارته فصل بين القناعة ومتطلبات السياسة.

أثقال الحاضر وموجبات التحالف وتوسيع دائرته، فرضت البراغماتية، أو رجّحت كفة الفريق البراغماتي في الإدارة الأميركية، مع أن هناك من يرى أن بايدن اشترط قبل موافقته حصوله على ثمن دسم لتراجعه "وتنازله"، وبالتالي ذهابه إلى المملكة. لكن التراجع ليس غير مسبوق في مسيرة بايدن.