زيارة الوفد الأوروبي إلى تونس: دعوة لحوار "جامع" والعودة إلى الشرعية

زيارة الوفد الأوروبي "الرمزية" إلى تونس: دعوة لحوار "جامع" والعودة إلى الشرعية

15 ابريل 2022
رسالة أوروبية لسعيّد بأنّ البرلمان لا بد أن يعود (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -

تفاعل محللون وناشطون سياسيون في تونس، مع بيان لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، التي أنهت زيارتها إلى تونس، أول من أمس الأربعاء، مبرزين أنّ البيان لم يكشف خفايا الزيارة، ولكنه تضمن دعوة لرفع الغموض السائد في المشهد السياسي، والعودة إلى الشرعية.

والأربعاء، دعا وفد من البرلمان الأوروبي، في بيان صدر عنه في ختام زيارة إلى تونس بدأها الإثنين، التونسيين إلى الشروع "بشكل عاجل" في حوار "منظم وواسع النطاق" لمعالجة الأزمة السياسية في البلاد.

وقال الوفد: "نشجّع التونسيين بشكل عاجل على الشروع في حوار تونسي- تونسي منظم وواسع النّطاق يشمل ممثلين عن الحكومة والأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمجتمع المدني والمنظمات النسائية". وأكد أنه "لا يمكن إيجاد حلّ للأزمة التي تمر بها تونس إلا من خلال المشاركة الكاملة لجميع الأطراف المعنيّة".

وأعرب الوفد الأوروبي عن استعداده للمشاركة في "الجهود الشاملة والشفافة الرامية إلى تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتقديم المساعدة الفنية، بما في ذلك المساعدة في تقييم خيارات الإصلاح الانتخابي". وشدد على أنّ "الشرعية السياسية لكل من الرئيس وأعضاء البرلمان تنبع بالتساوي من الشعب ومن الدستور ذاته".

تقارير عربية
التحديثات الحية

زيارة رمزية

وتعليقاً على بيان الوفد الأوروبي، قال المحلل السياسي قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ "الزيارة تحمل جانباً رمزياً بمعنى أنّ اللجنة البرلمانية لا تمثل سلطة تنفيذية أو سلطة قرار، ولكنها زيارة مهمة جداً لأنها تعبّر عن توجه سياسي معين موجود الآن في أوروبا والذي يطرح مجموعة من التساؤلات حول ما وقع في تونس انطلاقاً من انقلاب 25 يوليو/تموز الماضي إلى الآن".

ولفت إلى أنّ "هذه اللجنة التقت رئيس الجمهورية قيس سعيّد، والأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، ولكنها لم تلتق برئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي بمفرده أي كرئيس حزب (حركة النهضة)، وفضّلت الالتقاء به وبنائبيه سميرة الشواشي وطارق الفتيتي".

وفنّد الغربي بيان اللجنة الأوروبية، قائلاً إنه "تحدّث عن شرعية الرئيس والنواب، وعلى أنّها الشرعية ذاتها، وبالتالي وبلغة دبلوماسية، هي رسالة إلى رئيس الجمهورية على أنّ هذا البرلمان لابد أن يعود ضمن الحوار السياسي".

وأضاف أنّ "الوفد الأوروبي في بيانه شدد على الحوار، من دون إقصاء أحد، وهذا خلافاً لما يريده رئيس الجمهورية". 

وأكد أنّ "الزيارة لا تخلو من رمزيات ومن رسائل وجهت إلى رئيس الجمهورية وإلى الطبقة السياسية في تونس، مع تجديد الدعوة إلى حوار وطني لا يقصي أحداً".

وتساءل "عمّا إن كان هذا الموقف هو أقصى ما يمكن من الدول الأوروبية؟"، مستدركاً أنه "بالعودة إلى جلّ البيانات الأوروبية الصادرة من 25 يوليو إلى الآن فإنّ هناك تطوراً في المواقف، فرغم وجود نوع من القبول لما وقع يوم الانقلاب إلا أنّ هناك رفضاً لما وقع بعده خاصة حلّ البرلمان".

وأضاف أنّ "هناك رفضاً أوروبياً أيضاً لما وقع أثناء الانقلاب ووضع حقوق الإنسان والحريات في تونس".

وبحسب المحلل السياسي، فإنّ "هذه الدول (الأوروبية) لا يمكن أن تقبل أن تتعامل مع دولة تغيب فيها المؤسسات، خاصة إزاء المشروع الشخصي لرئيس الجمهورية وهو ما يبعث على توجس الغرب"، مرجحاً بأن "يكون هناك تصعيد في مواقف الغرب تجاه رئيس الجمهورية".

وقبل أسابيع، أعلن سعيّد أنه "سيتم تنظيم استفتاء شعبي يوم 25 يوليو/تموز المقبل، بإشراك الجميع لإبداء رأيهم في طبيعة النظام السياسي، ثم لتبدأ لاحقاً لجنة بصياغة نتائج الاستفتاء في نص قانوني، وسيقول الشعب كلمته عند تنظيم الانتخابات يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل".

وتأتي زيارة الوفد الأوروبي بعد إعلان سعيّد، في 30 مارس/آذار الماضي، حلّ البرلمان التونسي (المجمدة اختصاصاته).

وقبل ساعات من إعلان الحل، صوّت البرلمان في جلسة افتراضية لمصلحة إلغاء إجراءات استثنائية بدأ سعيد فرضها في 25 يوليو/تموز 2021، وهو ما اعتبره الأخير "محاولة انقلابية فاشلة".

وتشهد تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021، أزمة سياسية حين بدأ الرئيس قيس سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها: حلّ البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.

غموض الوضع في تونس

وفي السياق ذاته، قال الدبلوماسي التونسي السابق، عبد الله العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ "اللجنة التي زارت تونس، هي لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي، وككل اللجان في أغلب البرلمانات، فهي لجنة تضم جميع الحساسيات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار".

ولفت إلى أنه "أمام الوضع السياسي المهتز في تونس لم يعد أمام الغرب أي جهة واضحة يفهمون من خلالها الوضع في تونس، ولا يوجد من يعبّر عن توجّه سعيد ولا عن سياسته التي ينوي انتهاجها، وبالتالي هناك غموض حول ما يحصل".

وتابع أنّ "عدداً من السفارات التونسية في أوروبا هي دون سفير، كإسبانيا وفرنسا، وهو ما يطرح إشكالات في تبادل المعلومات، وحتى الوزراء في تونس وبسبب المنظومة الحكومية القائمة لم يعد الوضع كما كان".

ورأى العبيدي أنّ "الدبلوماسية التونسية الحالية ليست واضحة ويحيط بها الغموض، وهو ما يفسر وجود بيانات متعددة الأطراف، إذ كل مرة يصدر بيان من جهة، مرة من قبل مجموعة 7، ومرة من اللجنة الأوروبية". 

وعن بيان اللجنة الأوروبية، قال إنّه "في الحقيقة يكرر ما سبق وصرحت به المعارضة في تونس، والإعلام أيضاً ولم يركز على مسألة بعينها، ولكنه تضمن تعجيلاً لإعادة الأمور إلى نصابها، وكأنهم يقولون لسعيّد ارفع الغموض، نحن نريد جهة واضحة نتفاوض معها".

وأضاف أنّ "البيان ذكّر سعيّد بأنّ شرعيته تستند إلى الدستور، وانتخابه وقع على أساس الدستور"، مستدركاً أنّ الوفد طرح تساؤلاً بشأن مسألة الإعلان عن انتخابات تشريعية سابقة لأوانها من دون الإعلان عن انتخابات رئاسية.

غير أنه أكد أنّ "هذا التحرك الأوروبي يهدف أيضاً لدفع سعيّد للعودة إلى الشرعية والتراجع عن تنفيذ مشروعه السياسي".

اللجنة الأوروبية لم تأت بجديد

من جهته، ذكّر أستاذ القانون الدولي عبد المجيد العبدلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، بأنّ "هناك اتفاقية شراكة بين ممثلي لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي وتونس، وهذه الشراكة قديمة تعود إلى عام 1995"، موضحاً أنها تنص على التعاون الثنائي بين الطرفين.

 من هنا، أكد أنّ "الوفد الذي زار تونس لا يمكنه فرض أي قرارات على تونس وهذا غير مقبول لأنه سيعتبر ذلك تدخلاً في شؤونه الداخلية".

ورأى أنّ "هذه الزيارة تخفي عدة جوانب، ستظل غير معلنة ولا يمكن المجاهرة بها في إطار العلاقات الدبلوماسية، وفي إطار المجاملات بين البلدان".

ولاحظ أنه "من الناحية العملية فإنّ هذه الزيارة لن تؤخر أو تقدم شيئاً للشعب التونسي في ظل الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، وطالما لم يعلن عن مساعدات وأمور عملية فلا شيء ممكن أن يتحقق".

ورأى العبدلي أنّ البيان لم "يخرج عن مربع المجاملات والبيانات"، معتبراً أنّ "كل طرف يبحث عن مصلحته الخاصة وهذه الدول تبحث من خلال هذه الزيارة عن مصلحتها قبل أي شي آخر، وهي تريد رفع الغموض السائد".

كما رأى أنّ "تجديد الدعوة للحوار هو في الحقيقة مطلب تونسي وبالتالي لم تأت اللجنة بجديد، فكل الأطراف السياسية دعت منذ 25 يوليو إلى حوار جامع لا يقصي أي طرف".

المساهمون